(هذا الموضوع مقتبس من موقع «أسواق المربد» الالكتروني):
في الآونة الأخيرة، ظهرت مجموعة من التقارير المهمة التي أبرزتها بعض مواقع الانترنت، عن ظاهرة البلوغرز Bloggers، أو المدونات الرقمية الشخصية على الانترنت، وخصوصاً في البلدان الغربية الصناعية. وتترك قراءة تلك التقارير انطباعاً عن تحول تدريجي في صورة تلك المدونات الالكترونية الشخصية التي باتت نوعا من إعلام رقمي بديل، وأصحابها، وكذلك عن التغير في أثرها وموقعها اجتماعياً. ويدل التبدل على ان البلوغرز لا تمثل موجة طارئة ولا مجرد موضة شبابية عابرة. والأرجح انها تعبر عن جزء من التفاعل القوي بين البنى الاجتماعية والظاهرة الرقمية في المجتمعات المتقدمة، التي توصف بأنها تعيش مرحلة ما بعد الثورة الصناعية.
بعد طول عداء
تعطي العلاقة بين الشركات الكبرى، التي تمثل قوة ساطية في الغرب، والبلوغرز نموذجاً من التحول في الدور الاجتماعي للبلوغرز. ففي أوقات سابقة، اعتبرت تلك الشركات البلوغرز أعداءً لها أما اليوم فتتبع معهم سياسة الود. ويثبت هذا الود الطارئ مدى تأثير البلوغرز في الشركات لكنه ود قد يضر بصدقية أصحاب المدونات الالكترونية أيضاً.
والأرجح ان عالم المدونات أصبح أداة إعلامية فعالة ما يثير اهتمام المؤسسات التي تهجس دوماً بصورتها في مخيلات الناس. يرتبط سر المهنة بألا نعتمد على بيع علني مفرط، هذا ما جاء على لسان هيوغ ماكليود، وهو صاحب مدوة متخصصة في شئون الاعلانات والسلع، عنوانها الالكتروني هو www.gapingvoid.com . ويضيف: علينا احترام قراء المدونات فهم يأتون اليكم. ان المدونات وسيلة رائعة للحصول بطريقة غير مباشرة على ما نريده. فهي لا تسعى الى التأثير في تصرف الاشخاص على غرار الاعلان التقليدي. وفي سياق متصل، رصد موقع techno rati.com وهو محرك بحث متخصص في المدونات، أكثر من 30 مليون مدونة يتفرع منها 2.1 مليار صلة مع مواقع شبكة الانترنت. ويورد ذلك الموقع تقريراً عن ظاهرة البلوغرز، يشدد على ان المدونات أصلية وهنا تكمن قوتها.
أدركت شركة مايكروسوفت ذلك منذ بضع سنوات عندما أعد أحد موظفيها مدونة عن نفسه. فقد عمل روبير سكوبل مبشراً تقنياً لحساب تلك الشركة العملاقة. وساهمت تلك المدونة وصراحتها، في تقليص الانطباعات السلبية عن شركة مايكروسوفت، مقابل نشر فكرة مفادها انها تمثل عنصراً اقتصادياً مفيداً وحريصاً على المصلحة العامة.
أصبح سكوبل إثر مدونته الصريحة التي تتقبل الانتقاد، أحد مشاهير شبكة الانترنت. وحققت مدونته هذه إنجازات لم تقو العلاقات العامة في الشركة على انجازها خلال سنوات، أي المساهمة في إضفاء صورة إنسانية على عملاق برمجيات الكمبيوتر. ويتحدث عن امتلاء بريده الالكتروني يومياً برسائل شخصية تتحدث عن هموم معاشة، ما دفعه الى التفكير في أن: نجاح مدونتي يعود الى كوني أجيد الاستماع... علي أن أتنبه لكثرة ما يظن الأشخاص بأن سر نجاحهم التجاري يعتمد على الصلة التي أقوم بها في موقعهم أو من الاشارة الى منتوجاتهم.
وفي تجربة لافتة، حذت شرطة ميتروبوليس حذو شركة مايكروسوفت. وتحدت تقاليدها الراسخة التي تحظر التعبير عن أي وجهة نظر أو رأي يمكن ان يشوه صورة المؤسسة. وسمحت لأفرادها بانشاء مدونات صريحة، تتقبل النقد وتمارس نقداً ذاتياً أيضاً. وكما يفيد الشرطي المدون الذي يطلق على نفسه اسم street bow runner تظهر هذه المدونات ما تخفيه الصورة الجميلة التي تعرضها الشرطة رسمياً.
في المقابل، أدركت المؤسسات الكبرى في الولايات المتحدة ضرورة ان تشارك المستهلكين في آرائهم عبر الحوار الصريح معهم، باستخدام المدونات الالكترونية المفتوحة. وتوقعت ان يترك الامر أثراً إيجابياً في صورة السلع في الفضاء الالكتروني. وبعض المؤسسات لا تملك حلولاً أخرى. هذه هي حال نت فليكس وهو موقع إقراض اسطوانات الفيديو الرقمية أو دي في دي على الانترنت، سمح لأحد البلوغرز المشاكسين، واسمه مايك كالتشني، بانشاء مدونة نقدية على الانترنت، وأجبرت هذه المدونة المؤسسة على طرح أسئلة كثيرة، مثل سبب ميل الناس الى موقع هاكينغ نت فليكس دوت كوم Hackingnet flix. com المتخصص في شفط المواد من نت فليكس، وكذلك سبب ظهور موقع الشركة الاصلية في المرتبة الثانية عند البحث عن مصطلح نت فليكس في محرك غوغل. ويعترف كالتشني بأن تلك الامور مرعبة للغاية بالنسبة الى المؤسسة، ففي حال نشبت مشكلة، أسمع بها تلقائياً. عندما أجريت اتصالاتي بهم للمرة الاولى منذ سنتين، لم يعلموا بالفعل ما ستكون مهمتي. لكن منذ ذلك الوقت، ظهروا على أنهم مضيافون فقدموا لي كل المعلومات التي احتجت اليها. ولم يطلبوا أن ألغي أي مقال من مدونتي.
حث الموظفين على التعبير في المدونات
بالنسبة الى الكثير من الناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الانسان في أميركا، تظهر شركة «وول مارت» على أنها الأكثر شراً في العالم. وليس من المستغرب ان تندلع حرب إعلامية، على شبكة الانترنت، بين أعداء تلك الشركة ومناصريها. وألقيت عليها تهمة استغلال الموظفين وقتل التجارة المحلية الصغيرة. وتثير جدالاً قوياً في عالم المدونات، إذ يهاجمها كتاب الانترنت او يدافعون عنها بالحدة نفسها.
وفي محاولة من وول مارت للتأثير في ذلك الجدال، سعت الى تسليط الضوء على ظاهرة البلوغرز بشكل نقدي، مظهرة ان اصحاب المدونات يتبعون الاساليب نفسها التي اعتمدتها وسائل الاعلام التقليدية لأزمنة طويلة.
ومن ناحية أخرى، ترسل شركة ايدلمان المسئولة عن علاقات وال مارت العامة، وثائق للمدونين. ولا تخفي ذلك. وتقترح حتى مقالات من شأنها أن تثير اهتمام القراء!
ونجحت تلك الطريقة في دفع عدد من أصحاب المدونات الالكترونية الى الدفاع عن تلك الشركة. وهذا ما حمل صحيفة «النيويورك تايمز» على نشر مقال يفيد بأن استراتيجية وول مارت تثير أسئلة بشأن ما يجب على البلوغرز نشره، إذا أرادوا الحفاظ على سمعتهم كأشخاص مستقلين ومنصفين.
وبعد نشر هذا المقال، غصت منتديات الحوار على الانترنت برسائل الكترونية تتحدث عن تلك المسألة. ومن جهته، يظن غلين رينولدس وهو أستاذ قانون في جامعة تينيسي تجذب مدونته السياسية الكثير من الهواة، إن منع البلوغرز من بعض الممارسات هو بمثابة إجراء صارم للغاية، بمعنى انه قاس وقمعي ومتسلط. ويضيف: ان البلوغرز أشخاص نهمون للمعرفة... ينطلقون من مبدأ أساسي في عالم المدونات يشدد على كونها نظاماً سريعاً للتدقيق والتصحيح سريع وهذا صحيح.
ويعبر رئيس شركة العلاقات العامة لـوول مارت ريشار ايدلمن، عن رأي مفاده أن ظاهرة المدونات تثير لديه سؤالين: أولاً، هل يجدر بنا أن نتعامل بطريقة مختلفة مع البلوغرز، عما نفعل مع شركائنا المعتادين في الصحافة؟ وثانياً، ما هي الأشياء التي يعتبر البلوغرز انفسهم ملزمين بها حيال الوثائق التي نزودهم بها؟ ويخلص إدلمان الى القول انه نظراً الى العدد الكبير من رواد الانترنت الذين يستقون معلوماتهم من المدونات، فإنه يجب على شركات العلاقات العامة أن تقيم علاقات مع البلوغرز. وتلجأ الصحافة أكثر فأكثر الى المدونات... ويجب علينا القيام بالمثل إذ تعتمد نوعية خدماتنا عليها. ففي حال توجهنا الى البلوغرز، يجدر ان نتذكر دوماً أننا مؤسسة معلومات واننا نعمل لحساب وول مارت أو لمصلحة زبون معين. فهل يمثل عملنا شيئاً مداناً؟ لا أظن ذلك.
وأظهرت دراسة أجراها مشروع الامتياز في الصحافة Project for Excellence in Journalism أن نسبة 1 في المئة من المقالات المنشورة على المدونات تعتمد على المقابلات المباشرة، و5 في المئة من النصوص هي أعمال توليفية. ويلخص بعضهم هذا الوضع بالقول: لا نستطيع أن نعامل البلوغرز كالصحف، بحسب كلمات ستيف روبل، صاحب موقع micropersuasion.com الذي يدرس قدرة التكنولوجيا الحديثة على تطوير التسويق ووسائل الاعلام ووكالات الاتصال. وينبه الى ان تجربته كمدون الكتروني أوصلته الى الخلاصة الآتية: منذ خمس سنوات على الأقل، ظهر في العالم الافتراضي ان الناس لا يثقون لا بالمؤسسات ولا برؤسائهم . ومر جمع من الفضائح الكبرى، مثل الاحتيال المشين الذي مارسته شركة انرون، من دون اهتمام سياسي كاف، ما عزز جو انعدام الثقة. لقد تنبهت شركة مثل إيدلمن الى مشكلة الثقة، وتوصلت الى ان الناس يثقون بالصحافة، وكذلك فانهم باتوا أكثر ميلاً إلى تصديق البلوغرز... أعتقد أن الشركات باتت تعرف هذه الأمور بدقة، وتتصرف بموجبها
العدد 1465 - السبت 09 سبتمبر 2006م الموافق 15 شعبان 1427هـ