العدد 1470 - الخميس 14 سبتمبر 2006م الموافق 20 شعبان 1427هـ

النازيون الجدد على وشك دخول البرلمان

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بعد إعلان ألمانيا النازية استسلامها في الثامن من مايو/ أيار 1945، تسعى الأحزاب اليمينية المتطرفة في ألمانيا مثل الحزب القومي الألماني (أن بي دي) والحزب الجمهوري واتحاد الشعب الألماني، إلى اختراق الديمقراطية والحصول على موطئ قدم في المجتمع الألماني والقيام بنشر ايديولوجياتها. وقد حققت هذه الأحزاب بعض النجاح خلال العقود التي تلت نهاية الحقبة النازية. وكانت صدمة للألمان وجيرانهم الأوروبيين خصوصاً حين تمكن الحزب القومي النازي في الانتخابات التشريعية العامة العام 1969 أي بعد وقت قصير على استسلام ألمانيا النازية في الحصول على نسبة 4,3 في المئة من الأصوات وكان يحتاج للحصول على نسبة خمسة في المئة لدخول البرلمان الاتحادي(بوندستاغ). لكن إعادة توحيد ألمانيا في العام 1990 ساعدت بطريقة غير مباشرة على انتشار نفوذ النازيين الجدد.

إذ استغلت الأحزاب المتطرفة حاجة الألمان الشرقيين بعدما فقدوا الأمل بنظامهم الاشتراكي الشيوعي في البحث عن بديل ولما وجد هؤلاء في نظام ألمانيا الغربية عدواً كلاسيكياً سارع قادة النازيين الجدد إلى السفر لمناطق ألمانيا الشرقية وسارعوا في شراء النفوذ في الوقت الذي كانت فيه الأحزاب الديمقراطية أيضا تستثمر الأموال لفتح فروع لها ونشر ايديولوجياتها.

ربما كان البعض يعرف مسبقا أن مصير الانتخابات التشريعية العامة يقرره الناخبون في الولايات الخمس الجديدة التي تأسست بعد الوحدة على أرض الشطر الألماني الشرقي. وكان الحزب الجمهوري في العام 1990 قد صدم ألمانيا حين تمكن من دخول برلمان ولاية برلين. خلال الحملة الانتخابية شن هذا الحزب المتطرف حملة ضد الأجانب وخصوصاً الأتراك والعرب والمسلمين عموماً ولا ينسى على سبيل المثال الفيلم الدعائي الذي أنتجه الحزب لهذه المناسبة ويعرض مشاهد نساء تركيات محجبات يسرن في شوارع برلين ومحلات الأتراك والمساجد وترافق المشاهد موسيقى جنائزية والرسالة أن الأجانب يتسببون بوفاة برلين. تبين لاحقا أن غالبية رجال الشرطة في برلين انتخبوا الحزب الجمهوري إضافة لفئة من المواطنين الذين أثرت بهم الدعاية المعادية للأجانب.

وشهد العام 1992 أعمال عنف وقتل بشعة كانت الأكبر من نوعها حين أضرم النازيون الجدد النيران في مساكن اللاجئين السياسيين في مدن هويرزفيردر ومولن بالشطر الشرقي كما أضرموا النيران في مسكن أسرة تركية بمدينة زولنغن بالشطر الغربي ونتيجة للتركيز على نشاطات النازيين الجدد والنتائج الجيدة التي حققها الحزب الجمهوري المتطرف تحقق لليمين المتطرف الألماني هدف: إذ شددت حكومة ائتلاف اليمين الوسط التي كان يتزعمها المستشار هيلموت كول قانون منح اللجوء السياسي. تبع ذلك فوز أحزاب اليمين المتطرف في انتخابات برلمانية إقليمية خصوصا في الشطر الشرقي. لكن مجرد ما أن نجح هؤلاء في الفوز في انتخابات تنشأ خلافات لا على النهج السياسي بل على الأموال.

ويقضي القانون الألماني بدفع مبلغ بسيط لقاء كل صوت يمنح للأحزاب وهكذا أصبحت الأحزاب اليمينية المتطرفة تعتمد كثيرا في التمويل على أموال من الدولة الألمانية وهذا لا يرضي خصوم النازيين الجدد. بينما تعتمد الأحزاب المتطرفة على الشعارات المعادية للأجانب لم يحصل وأن قام نواب هذه الأحزاب بمبادرات سياسية بل لم يحققوا أياً من وعودهم لناخبيهم. ويلجأون عادة إلى لفت انتباه أولئك الناخبين الناقمين على حياتهم والذين يعتبرون من الخاسرين بسبب الوحدة إذ فقدوا مكان العمل كما ينشط النازيون الجدد في استقطاب الشباب ويطرقون أبواب المدارس وأندية الشبيبة وخصوصاً في الشطر الشرقي الذي توضح وسائل الإعلام الألمانية أنها باتت ساحة للنازيين الجدد تتنافس فيها مع الأحزاب الديمقراطية التقليدية.

ويرى مراقبون أنه كلما سلطت الأضواء على النازيين الجدد حصل هؤلاء على دعم جديد لكن ما يحير المراقبين أكثر وجود فئة من الناخبين يصدقون الشعارات المعادية للأجانب وخصوصاً أن نسبة الأجانب في مناطق الشطر الشرقي منخفضة جدا لا تقارن مع عددهم في الشطر الغربي. وكان المتحدث الرسمي لحكومة المستشار السابق غيرهارد شرودر وصاحب مبادرة مناهضة للايديولوجيا النازية أوفه كارستن هايه قد أعلن قبل وقت قصير عن بدء مباريات كأس العالم لكرة القدم أنه على الأجانب وخصوصاً الداكني البشرة عدم الاقتراب من مناطق معينة في الشطر الشرقي لأنهم يتعرضون لخطر التعرض للضرب. وهكذا لفت هايه النظر إلى واحدة من المشكلات التي لم تضع السياسة الحلول لها.

فقد وجه رئيس البرلمان السابق فولفجانغ تيرزي الذي ينتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي عبر صحيفة «لايبسيغر فولكس تسايتونج» انتقادات قوية للشرطة الألمانية واتهمها بالتواطؤ مع النازيين الجدد لأنها لا تتخذ بحقهم إجراءات رادعة. وطالب تيرزي وهو من مواطني ألمانيا الشرقية السابقة بتسهيل الإجراءات القانونية لحظر نشاطات الأحزاب اليمينية المتطرفة. وكانت المحكمة العليا قد ردت دعوى لحظر نشاطات الحزب القومي الألماني في مارس/ آذار العام 2003.

يتبع الحزب القومي الذي يرى نفسه خليفة الحزب القومي الذي تزعمه أدولف هتلر سياسة مزدوجة. فمن جهة يحاول تلميع سمعته كمعتدل واختراق المجتمع الألماني والحديث لأوساطه. الوجه الثاني لهذه السياسة استخدام العنف ضد خصومه كما حصل قبل أيام حين هاجم مؤيدوه مهرجانا خطابيا لشباب الحزب الاشتراكي في منطقة برلين ليشترفيلده... كما تعتمد أحزاب اليمين المتطرف كما في السابق على الحلول السهلة لمشكلات صعبة. من عناوين ملصقات هذا الحزب (أطردوا الإسلاميين) و(نرحب بالسياح وأطردوا اللاجئين الغشاشين). لكن المضحك كان استخدام الحزب القومي الألماني ملصقا عليه صورة لحسناء جميلة كتب تحته (ألمانيا جميلة) كشفت إحدى صحف مدينة كولون أن الحزب سرق الصورة من أرشيف تشيكي وأن صاحبة الصورة ليست ألمانية وإنما أجنبية من التشيك المجاورة بمعنى أن الحزب لم يجد حسناء في صفوفه ولا أخرى في ألمانيا ترضى بنشر صورتها على ملصقات الحزب الألماني المتطرف.

يوم الأحد المقبل الموافق 17 سبتمبر/ أيلول الجاري ستجري انتخابات برلمانية في ولاية برلين حيث العمدة الحاكم كلاوس فوفرايت الذي أقر أنه شاذ ويظهر مع صديقه علنا، سيقود الاشتراكيين كما ترى عمليات استقراء الرأي لفوز جديد مع احتمال تجديد ثقة الناخبين بحكومته الائتلافية مع حزب اليسار. ولا ترى عمليات استقراء الرأي فرصة قوية لمنافس فوفرايت، فريدبيرت بلفوجر من الحزب المسيحي الديمقراطي الذي يشغل منصب وكيل وزارة الدفاع ومعروف عنه آراؤه المثيرة للجدل فيما يتعلق بالشرق الأوسط وتأييده للسياستين الأميركية والإسرائيلية. لأول مرة يكون من حق الذين بلغوا سن الـ 16 المشاركة في انتخابات برلمان برلين. لا ترشح عمليات استقراء الرأي النازيين الجدد بدخول برلمان ولاية برلين لكن قد تسير السفينة عكس التيار إذ نتيجة للمنافسات السابقة على الأصوات بين الأحزاب اليمينية المتطرفة اتفقت هذه على وقف المنافسة وتقاسم المناطق الانتخابية فحيث يسعى الحزب القومي على سبيل المثال إلى دخول برلمان ولاية لا ينافسه حزب يميني متطرف آخر. لكن الصحف الألمانية لا تستبعد أبدا حصول الحزب القومي الألماني على نصيب كبير من الأصوات حين تجري انتخابات ولاية ميكلنبورغ فوربومرن الواقعة في الشطر الشرقي.

فقد أوضحت عمليات استقراء الرأي أن النازيين الجدد سيحصلون في هذه الولاية على نسبة 7 في المئة من الأصوات كما بينت العملية أن 80 في المئة من سكان ميكلنبورغ فوربومرن لا يجدون بعد تجارب سابقة أن دخول النازيين الجدد يخدم مصالح ولايتهم لكن هناك نسبة عشرة في المئة الأمر سيان بالنسبة لهم وهؤلاء هم هدف الحملة الدعائية للنازيين الجدد. يبقى هدف أحزاب اليمين المتطرف السيطرة على السلطة والحلم الكبير لهم أن تعود أيام هتلر. هذا الحلم الذي تحطم حتى الآن نتيجة رفض غالبية الألمان للعودة إلى زمن الحقبة التي كلفت ألمانيا وأوروبا والعالم ويلات كثيرة

العدد 1470 - الخميس 14 سبتمبر 2006م الموافق 20 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً