ورغم أن التوقعات للعام 2012 تشير إلى أن أوروبا ككل ستحقق في أحسن الأحوال نمواً ضئيلاً، أو ركوداً معتدلاً في أسوأ الأحوال، إلا أن دولاً مثل اليونان وإسبانيا قد تشهد ظروفاً أكثر صعوبة من ذلك. ويأتي التغيير المتوقع في القيادة السياسية الفرنسية ليشكل أحد المخاطر المحتملة على الوضع الاقتصادي الهش في أوروبا، حيث كانت تجمع ما بين ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل شراكة اقتصادية، ولو أنها واهنة، لكنها كانت كافية ليقودا معاً إرساء خطة عمل للانتعاش الأوروبي. ويبدو من غير المرجح الآن إمكان نسج علاقة انسجام مماثلة بين ميركل والقادم الجديد فرانسوا هولاند.
ومع التقدم الطفيف المتوقع في السياسة المالية، سوف يزداد العبء أكثر على السياسة النقدية.
ويتلخص السؤال الحقيقي الآن فيما إذا كانت كل من أوروبا والولايات المتحدة قد أصبحتا مدمنتين على سياسة المال السهل، وعما إذا كانت هذه الاقتصادات المتقدمة على جانبي الأطلسي قادرة على الصمود والاستمرار دون اللجوء إلى التخفيف المتواصل في القيود النقدية.
من بين الاثنتين، يبدو أن الولايات المتحدة هي صاحبة الحظ الأوفر في الإفلات من قبضة سياسة التحفيز النقدي، حيث ساعد انخفاض قيمة الدولار في تخفيض العجز التجاري، وتحسنت مستويات ثقة المستهلك، وظل الإنفاق الرأسمالي قوياً إلى درجة معقولة، كما يتوقع أن يتجه معدل البطالة إلى مزيد من الانخفاض. ورغم استمرار الجدل الكبير حول وتيرة الأداء الاقتصادي، إلا أنه من المرجح أن يحقق الاقتصاد الأميركي نمواً لا يقل عن 2 في المئة، وثمة فرصة حقيقية ليصل إلى مستويات تتراوح بين 2.5 إلى 3 في المئة. في حين تعاني أوروبا من مقاومة شديدة لبرامج التقشف التي وعدت بها كل دولة من دولها. والحقيقة أن قوانين العمل في كافة أنحاء القارة الأوروبية صارمة للغاية، وسيكون من المستحيل عملياً تطبيق برامج التقشف بسرعة، هذا إذا طبقت أصلاً. ونتيجة لذلك، فقد تشهد أوروبا نمواً بطيئاً للغاية وبقدر متفاوت بين بلدانها المختلفة، لكنها لن تعاني على الأرجح من ركود خطير. ومن جانب آخر، تعززت سوق الأسهم في الولايات المتحدة كثيراً بعد الأداء القوي في الربع الأول من العام 2012. ويعزى السبب الرئيسي في ذلك إلى أن معنويات المستثمرين كانت سلبية في نهاية العام، وحين تلقى المستثمرون الأنباء الاقتصادية السارة أصبحوا أكثر استعداداً للمجازفة في استثمارات الأصول الخطرة. وأنا لاأزال أعتقد أن المشهد الاقتصادي العام إيجابي، وأن النمو الحقيقي سيصل إلى حدود 2.5 في المئة أو أكثر. وقد تجاوزت أرباح الربع الأول التوقعات حتى الآن، حيث أعلنت قرابة ربع الشركات المدرجة في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» عن نتائجها المالية الفصلية وتمكنت 81 في المئة منها من تجاوز التقديرات. ويبقى السؤال الكبير: ما مدى اعتماد اقتصادات أوروبا والولايات المتحدة على سياسات المال السهل التي تنتهجها مصارفها المركزية، وهل ستستمر هذه السياسات؟ في الواقع ثمة تبايناً سياسياً كبيراً بين الديمقراطيات على جانبي الأطلسي. قد يكون صحيحاً أن مخاطر التضخم تلوح في الأفق، لكن طالما استمر الاعتدال في زيادات الأجور والاستقرار في أسعار المساكن، فمن المستبعد حصول مشكلة جدية في المدى المنظور.
بايرون وين
نائب رئيس مجلس الإدارة، مجموعة بلاك ستون للاستشارات
العدد 3542 - الجمعة 18 مايو 2012م الموافق 27 جمادى الآخرة 1433هـ