القرآن الكريم... دابة تكلم الناس
فلو أن أحدا من أولئك غير رسول الله عليه الصلاة وأزكى السلام، أخبر بهذه الحقيقة الحتمية، لصفق لها المصفقون وطبل حولها المطبلون، ولألفت عنها الكتب وأخرجت عنها الأفلام، ولكن يا للحسرة، عندما يخبر بها جبار السماوات والأرض العزيز الحكيم، على لسان عبده ونبيه الأكرم عليه الصلاة والسلام، لا يكترث بها إلا القلة القليلة، حتى من المسلمين أنفسهم إلا ما رحم الله و قليل ما هم.
ترى كم واحد منا قد قرأها، وكم منا قد قرأها ولم يكترث بها، ولعل الكثير منا قد قرأها ويقرأها مرارا وتكرارا ولكن لم تستوقفه أبدا ولم تحرك فيه ساكنا وكأنما لم يرها أو يسمع بها قط.
هذه الآية العظيمة، هي من أشراط الساعة ولا ريب، التي نحن غافلون عنها، وتحققها محتم لا محالة، و هي تشير إلى البعث وبعض ما يلحق به من الأمور الواقعة، والمراد بوقوع القول عليهم أي تحقق مصداق القول فيهم كما في الآية التالية لها في قوله سبحانه «ووقع القول عليهم بما ظلموا» (النمل: 85) أي وقع عليهم القول وحق عليهم العذاب بسبب ظلمهم، وما أكثر الظلم في هذا الزمان الكؤود، حتى أصبح الحق يستجدى فلا يعطى والكل منا يتشدق بالعدل والعدالة والكل غاض طرفه عن الظلم والمظالم.
الآية الشريفة تشير إلى أنه إذا آل أمر الناس - كما نحن عليه الآن - وكانوا لا يوقنون بآيات الله المشهودة وبطل استعدادهم للإيمان بها بالتعقل والاعتبار، آن وقت أن تظهر من الآيات الخارقة للعادة المبينة للحق، حينئذ يأذن الله تعالى شأنه بخروج دابة من الأرض تكلمنا نحن الناس بلغاتنا المختلفة، ان الناس كانوا بآيات الله لا يوقنون، ونحن المسلمين كذلك معنيون ومشمولون ولسنا بمنأى عنهم، إذ أننا قد اكتفينا بأن نضع القرآن الكريم وآياته البينات على الأرفف.
والمتدبر للآية الشريفة يجد لفظة الناس دون غيرها وهذه إشارة واضحة وجلية إلى أن الآية لا تشمل المسلم فقط وإنما تشمل المسلم وغير المسلم، أما نحن المسلمين فلم نعد نكترث بآيات الله البينات إذ لم نعد نعمل بكتاب الله وسنة رسوله، فعاد الدين غريبا كما كان غريبا فطوبى للغرباء، وهو مصداق لقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الحميد وقرآنه المجيد «يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون» (يس: 30) وهذا أمر في غاية الخطورة، وبما أن علة خلقنا إنما هي العبادة الخالصة لله تبارك وتعالى كما في قوله: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» (الذاريات: 56) والعبادة إنما هي الإيمان بالله إلها و ربا وخالقا والتسليم له عزوجل عند أمره ونهيه والعمل بما يرتضيه سبحانه، فليت الإنسان يعي حقيقة هذه الحياة الدنيا ويعلم أن الخطر كل الخطر إنما يكمن عند انتفاء الإيمان من العبد تجاه خالقه ومولاه، شعر بذلك أو لم يشعر، بدليل قول الحق تبارك وتعالى: «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً» (النساء: 65).
المتأمل لهذه الآية الشريفة يجدها آية مخيفة، ذلك أن الله جلت عظمته يقسم بنفسه المقدسة مخاطبا نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام محذرا ومتوعدا عباده بانتفاء الإيمان عنهم إلا بتحكيم رسول الله و هو الأخذ بكتاب الله وسنة نبيه في التقاضي لا الرضا بقوانين من صنع البشر تنافي قول الحق تبارك وتعالى.
أما غير المسلمين فإنهم يشملهم قول الله تبارك وتعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق» (فصلت: 53).
وخلاصة القول هو أن الله جلت عظمته وبظلمنا أنفسنا، سيخرج لنا نحن الناس دابة من الأرض تكلمنا بألسنتنا ولغاتنا المختلفة بأننا بآيات الله مكذبون لا موقنون، فالدابة خروجها لنا محتم لا محالة، وأما سبب ظهورها لنا واضح كما أخبرنا المولى وهو عدم إيماننا بآيات الله. كتاب الله بين أيدينا معجزة خالدة تشهد بعظمة الله العزيز الحكيم ولكن يا للأسف بدل أن نتخذه دستورا ومنهاجا، اتخذناه مهجورا ووضعناه على الأرفف وضربنا بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام عرض الحائط، حتى لم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا حالنا نحن المسلمين وأما غيرنا فكذبوا بآيات الله الكونية الدالات على وجود الخالق المدبر سبحانه ونتيجة لتكذيبنا بآيات الله وعدم تيقننا بها ستظهر هذه الدابة ولعل خروجها بات قريبا وما ذلك على الله بعزيز.
امتن الله علينا بالخلق وهو عن خلقنا غني، وهذه الحياة دار ابتلاء وامتحان، ودار ممر لا مقر، فطوبى لمن لم يغتر بهذه الحياة الدنيا بل أخذ من ممره إلى مستقره وعمل لرضا مولاه سبحانه مخلصا وخالف هواه وفارق هذه الحياة بظهر غير مثقل بالخطايا و بمظالم العباد، عاش حميدا ومات سعيدا وكفى بالمرء ظلما أن يرى مظلوما فلا ينصره ولو بكلمة، يقول الحق تبارك وتعالى: «فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فاما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى» النازعات: (34، 35 36، 37، 38، 39) جعلنا الله وإياكم ممن يتبعون القول فيتبعون أحسنه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عبد الواحد إبراهيم
أتقدم بخطابي هذا بعدما يئست من الظلم الذي لحق بي حديثاً بسبب مشاجرة وقعت بين ابني الذي كان يبلغ من العمر حينها 15 عاماً - أي حدثاً كما يسمى في عرف المحاكم - ولم يبلغ سن الرشد، وبين بعض الأولاد إذ كان ابني ذاهباً إلى المسجد لأداء الصلاة، فتعرض له أربعة من الصبية في مثل عمره فقام بالدفاع عن نفسه وذلك بدفعهم عنه، وبعد ذلك تقدم والد أحد هؤلاء الأولاد - وهو من مواطني احدى الدول العربية المجنسين - بشكوى ضد ابني مدعياً أن ابني تسبب في كسر عظمة الزند الأيسر، وتم عرضه على الطبيب الشرعي الذي حدد نسبة العجز لديه بـ 10 في المئة، وتعتبر بذلك عاهة مستديمة وعجزاً جزئياً دائماً، كما في ورد في التقرير. وقد حكم القاضي على ابني بالحبس لمدة سنة مع وقف التنفيذ ثم حوّل القاضي القضية إلى المحكمة الكبرى المدنية وأخذ يطالب بتعويض وقدره 6 آلاف دينار بحريني، متضمناً تعويض الابن بمبلغ 2500 دينار و1500 دينار للضرر النفسي الذي لحق بوالده و1000 دينار للصدمة النفسية التي أصابت والدته و1000 دينار لإخوته.
الأمر الذي يدعو إلى الدهشة والسؤال: أيعقل هذا الكلام؟! أهذه قضية اعتداء أم قضية إرث يوزع بالتساوي؟ فبحسب ادعائهم أن الابن أصيب بكسر في زنده الأيسر، فكيف يعيّن في قوة دفاع البحرين عسكرياً؟ فمن المستحيل أن تقبله وزارة الدفاع وهو صاحب عاهة مستديمة بحسب ما يدعون، فبهذه الحال الذي وصف بها لن يستطيع تأدية واجبه بشكل صحيح، وإن كان يتحدث عن الضرر الذي أصاب عائلته، فماذا أقول عن الضرر الذي أصاب عائلتي جراء اتهام ابني بهذه القضية وبهذا الأسلوب؟ فقد نتج عن ذلك تخلف ابني عن الدراسة ولم يستطع مواصلتها وأصيب بمرض نفسي دعانا إلى أخذه إلى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية ولم يتمكن من الحصول على عمل بسبب اتهامه في هذه القضية. فمن الأحق بهذا التعويض؟ وأنا والده وضعي الصحي لا يساعدني على العمل، وابني خسر دراسته ومستقبله معاً، فَمَن يعوض ابني عن مستقبله الضائع؟ أما المدعي فهو طبيعي ويمارس حياته اليومية بشكل طبيعي ويعمل في جهة حكومية، فلا شيء يعوق مستقبله. فعندما طلبنا من محكمة الاستئناف إعادة فحص الشاب لدى لجنة الأطباء بوزارة الصحة لم يأخذوا بطلبنا، بل رفضوا إعادة الفحص، فلماذا هذا الظلم؟
والأدهى والأمرّ في هذا الموضوع هو أنني أتعرض حالياً لضغوط من قبل الشرطة، إذ أتت حديثاً إلى منزلي للحجز على جميع ممتلكاتي لكوني عاجزاً عن دفع التعويض المطلوب، وأنا متضرر جداً وحائر أمام هذه القضية، ولا أملك حتى ربع المبلغ المطلوب لكي أسدده، وعندما اعترضت على المبلغ خفض إلى 3900 دينار، فإذا كنت متقاعداً ولي تسعة من الأبناء والبنات، فكيف أستطيع تسديد هذا المبلغ؟ فنحن بالكاد نحصل على قوت يومنا! ولا يعلم بحالنا إلا الله سبحانه وتعالى، وحديثاً أودعت في السجن لمدة 8 أيام، وفي كل يوم يأخذوني إلى المحكمة أن لأدفع 500 دينار أو أرجع إلى السجن وهكذا، وفي كل يوم يخفض المبلغ حتى وصل إلى 200 دينار، وفي اليوم الثامن أطلق سراحي وأصبحت في حال نفسية سيئة، وبعد إطلاق سراحي وفي الشهر نفسه خُصم من راتبي التقاعدي ولا يبقى لي شيء حتى أستطيع أن أصرف على أبنائي وبناتي، فالصافي 14 ديناراً... فهل من المعقول أن يكفي هذا المبلغ لأن أصرف على أولادي؟ فمن أين أدبر المال كي أصرف عليهم؟ فهذا حرام وظلم... الابن يتشاجر والأب يدفع الثمن. والله تعالى يقول: «يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور» (لقمان: 33).
فأين العدل والإنصاف؟ وأين مراعاة حقوق المواطن؟ وأين الديمقراطية؟ وهل يقبل ذوو الشأن لابن هذا البلد أن يُلقى في الشارع هو وأبناؤه
العدد 1406 - الأربعاء 12 يوليو 2006م الموافق 15 جمادى الآخرة 1427هـ