العدد 1406 - الأربعاء 12 يوليو 2006م الموافق 15 جمادى الآخرة 1427هـ

تدمر... مدينة زنوبيا لاتزال تخفي الكثير

عثر في وادي القبور بتدمر على نصب تذكاري بارتفاع 225 سم وعرض 60 سم منحوت من الحجر الكلسي ويعود لقائد عسكري من الفرقة الشامية التي كانت موجودة بتدمر في مطلع القرن الأول وذلك بحسبما تدل الكتابة اليونانية المنقوشة عليه.

كما كانت قد عثرت البعثة الأثرية البولونية العاملة في معبد اللات بتدمر قبل بضعة أيام على لوحتين نادرتين، أولاهما تمثل مشهداً لفارس يمتطي حصاناً ويحمل بيده اليمنى كبشاً لتقدمته أضحية للربة اللات مساحتها 80 ×60 سم، وثانيتهما تمثل مشهداً لصيد الحيوانات المفترسة يظهر فيها فارس يمتطي حصاناً وبيده القوس والنشاب يرمي به حيوان الفهد ليصطاده، مساحتها 60 ×70 سم. وتقع تدمر شمالي شرق دمشق، وتبعد عنها نحو 230 كلم، إذ تقع على الطريق الواصل بين العاصمة السورية ومدينة دير الزور شرق سورية على ضفاف الفرات، كما أنها تبعد عن مدينة حمص وسط سورية التي تتبع لها إدارياً بنحو 150 كلم وهي ترتفع عن سطح البحر 450 متراً، وهي ذات مناخ صحراوي مميز.

ويرتبط اسم تدمر بالملكة زنوبيا، إحدى أشهر ملكات التاريخ، التي تركت للمدينة تاريخاً عريقاً. وكان أول ذكر لتدمر في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد في أحد الأرقام الآشورية المكتشفة في الأناضول، كذلك ذكرت في رقم من مدينة ماري. وكانت تدمر محطة مثالية للقوافل المتحركة بين العراق والشام وتلك التي كانت تتبع فيما بعد طريق الحرير المقبل من تخوم الصين مارة بسورية عبر تدمر وحمص باتجاه البحر الأبيض المتوسط وكان سكانها يتألفون من الآراميين والأنباط العرب، لذلك فقد استقرت تدمر كما البتراء إمارة عربية منذ القرن الثاني قبل الميلاد غير أن قدرها جعلها واقعة بين إمبراطوريتي روما وفارس العملاقتين المتنازعتين.

وعندما زارها الامبراطور الروماني هادريان أعلنها مدينة حرة، إلا أنه في عهد الإمبراطور الروماني ذي الأصل السوري كركلا العام 217 جعل تدمر مستعمرة رومانية وأعفاها من الضرائب لروما على كل ما يمر بالمدينة وعرفت المدينة الترف فكثرت المنشآت والشوارع والأقواس والمعابد والتماثيل فيها، حتى أصبحت تدمر في جمالها تضاهي كبرى مدائن الرومان.

وحين اشتد الصراع بين فارس وروما استنجدت الأخيرة بحاكم تدمر العربي أذينة الذي نجح في صد الجيوش الفارسية ودمرها مرتين العام 267 فاستحق بذلك عرفان الرومان ومنحوه لقب «زعيم الشرق» لكنه ما لبث أن اغتيل في العام نفسه بظروف غامضة وهنا تولت زوجته زنوبيا ذات الشخصية القوية، لتدخل التاريخ من أوسع أبوابه ولتصبح من أشهر نساء العالم، اذ أطلقت طموحها الكبير ورغبتها في التخلص من سلطان روما والسيطرة على الامبراطورية الرومانية، فاجتاحت سورية بأكملها ومصر وأطلقت جيوشها في آسيا الصغرى حتى البوسفور وامتلكت كل منافذ طرق البر والبحر مع الشرق الأقصى والمصادر الرئيسية لتمويل روما، ولكن ما كان من أورليان الا أن توجه للانتقام من زنوبيا ليلقي القبض عليها وسوقها أسيرة إلى روما العام 274 وجعلها في موكب نصره بين الأسرى تمشي مقيدة بالسلاسل الذهبية ومثقلة بجواهرها وحليها ولتتعرض مدينتها تدمر للسلب والنهب والتخريب.

ومن معالم تدمر الشهيرة معبد بل ويتألف من ساحة مربعة مغلقة بسور أبعادها «205، 210» يتوسطها الحرم وهي مأوى الآلهة وكهنته وتظهر عمارته تقاليد الشرق بكل وضوح وهناك معبد بنو الذي اكتشف العام 1963 ونهض من تحت رمال تدمر ليشكل آبدة معمارية ضخمة. وهناك معبد بعلشمين وقد بقي هذا المعبد حتى العام 1954، اضافة إلى المدافن التدمرية التي تشكل لوحدها تجمعاً أثرياً فريداً وهي أربعة أنواع: البرج، البيت، الأرضي، القبور الفردية ومن أثار تدمر الشارع المستقيم وقوس النصر والمسرح الكبير والآغورا ومجلس الشيوخ والحمامات.

مرت عقود طويلة على جهود البحث والتنقيب في تاريخ تدمر وعمائرها، جرى خلالها كشف الكثير عن أسرار تلك المدينة التي بهرت العالم، لكن ذلك الابهار لن يتوقف فيما يبدو، اذ تتابع تدمر قدرتها على مد العالم بتفاصيل جديدة تتصل بتاريخها وحضارتها القديمة

العدد 1406 - الأربعاء 12 يوليو 2006م الموافق 15 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً