العدد 1407 - الخميس 13 يوليو 2006م الموافق 16 جمادى الآخرة 1427هـ

لأننا نحبها نقول: «سواحل المحرق تحتضر»

محد يعرف صيفنا ... ولا حتى نحن

أقفلت المدارس والجامعات أبوابها معلنة موسماً جديداً يرنو اليه. الجميع بعد تعب متواصل استمر زهاء ستة شهور وأكثر، موسم دقت أجراسه لتنبئ ببداية إجازة صيفية تتشاطر معظم العائلات جلستها العائلية فيه راسمة مختلف الخطط في مختلف الوجهات. وعلى غرار الكل كنت أول من رمى هموم العمل والدراسة وراء ظهره لأحظى بإجازة أنسى من خلالها مشكلات قرائي وتعليمات مديري التي لا تنتهي لأزور بعضاً من المناطق السياحية في البحرين. كان أول ما استوقفني هو الأعداد المهولة من السياح الأجانب التي ترتاد المملكة للاستمتاع بشمس حارقة نهاراً ورطوبة تحبس الأنفاس ليلا والتي تضاعفت معدلاتها في خمس السنوات الماضية ليصل العدد إلى 2153 سائحا. هذه الأعداد دفعتني إلى اتخاذ ذلك القرار « الجنوني» بأن أقضي إجازتي في البحرين وألغي فكرة السفر من بالي، فأنا أولى بالاستمتاع بمعالم بلدي من كل هؤلاء السياح.

«محد يعرف صيفنا غيرنا» شعار لطالما قرأته على شاشات التلفزيون وسمعته من ألسنة الناس وبناء عليه بدأت مشوار البحث عن إجازة صيفية ممتعة على أرض الوطن، تصفحت الكتيبات السياحية، البروشورات، مواقع المنتديات على شبكة الإنترنت والمكاتب السياحية، إلا أنني لم أجد ما يشبع طموحاتي الصيفية، ولأنه لم يكن لدي خيار آخر قررت أن أزور أحد شواطئ البحرين العتيدة علني أتمتع بالنسيم العليل ورائحة البحر وألقي «همومي» فيه كما يقولون. اخترت المحرق، عاصمة البحرين القديمة، بكل ما تختزله من تراث وتاريخ ومعان رائعة للإنسان البحريني الأصيل. ولأنني توقعت أن يكون الشاطئ مشمساً، فقد أعددت العدة على هذا الأساس، حازمة حقيبتي وكل ما أتوقع أن أحتاج اليه على الشاطئ وفي مقدمة ذلك مظلتي الشمسية وقنينة كبيرة من الماء البارد بما يكفي للشرب لمدة أسبوع لا ليوم واحد فقط، ولم أنس بعض الوجبات الخفيفة مذياع صغير.

صعدت سيارتي وكنت طوال الطريق أتأمل تلك المجمعات والعمارات الشاهقة وجلت بنظري على مواقف تلك المجمعات والتي كانت مكتظة بالسيارات مستنكرة تكدس الناس فيها في حين تضاهيها في الجمال مناظر تقع على أطراف المملكة لفتت أنظار السياح الأجانب وتجاهلها البحرينيون. وتمتمت بيني وبين نفسي « لقد خسر البحرينيون الكثير، ليس هناك أفضل من الاستمتاع في حضن الطبيعة». بعد دقائق معدودة وصلت أخيرا لوجهتي لأحط رحالي مع عائلتي على ذلك الشاطئ الذي اخترته عن سابق تصميم. لكنني، صمت لحظات، ما ان وصلت إلى هناك، لا اعتقد أن هذه الرحلة ستمر مثلما تخيلتها، فكيف يمكن أن أفرش سجادتي الجميلة على أرض مليئة بالنفايات، و كيف آكل وجباتي الخفيفة وأستمع إلى جهازي الإذاعي أمام هذا الكم من القاذورات، أين رائحة البحر التي كنت أبحث عنها وسط خليط عجيب غريب من الروائح التي أقل ما يمكن أن يقال عنها انها «مقززة». أهذا هو الموقع الذي جئت لأرمي فيه همومي، إنه لعمري موقع يجلب في حد ذاته الهم والكدر. بحثت عن البحر، عن الشاطئ، عن السياح، لم أجد شيئاً، بحثت كثيراً حتى لمحت من بعيد الكثير من الجرارات والشاحنات وعمالاً يعملون بصمت، لا يحدث أي منهم الآخر حتى لا يضيع دقيقة من العمل تخسره يوماً آخر، قبل حلول الظلام.

سواحل تحتاج إلى سنوات لتصبح حقيقية

إن كنت خسرت يوماً من إجازتي محاولة فيه استجداء متعة غير حقيقية، فلم يكن أمامي من تعويض إلا البحث عن أسباب ما حل بشاطئ كان مقدراً له أن يكون الأجمل في بلد يعتبره الجغرافيون «أرخبيلاً من الجزر»، بدأت أبحث وفي رأسي سؤال واحد : «هل سيأتي اليوم الذي أمشي فيه حافية القدمين على سواحل بلادي؟»

رئيس لجنة العلاقات العامة والإعلام بمجلس بلدي المحرق صلاح الجودر لم يخف نبرة الأسف في إجابته على سؤالي، وعلى ما آلت إليه حال سواحل الدير وسماهيج وقلالي نتيجة تضررها منذ ثلاث سنوات من نفايات ناقلة نفط بحسب قوله. ويضيف «ان هذه المناطق مازالت إلى يومنا هذا تلملم شتاتها وعلى رغم مساعي المجلس البلدي بالتعاون مع جمعية أصدقاء البيئة والمحافظة فضلا عن وزارة الأشغال والإسكان لحمايتها، فإنها لاتزال تحتاج إلى سنوات لتمسي سواحل حقيقية بكل ما للكلمة من معنى برأيه».

مليون دينار كلفة «منتزه الغوص»

وما يثلج الصدر وجود ساحلين وفق ما يشير إليه الجودر أحدهما يسمى «ساحل الحوض الجاف» والذي تم تطويره وتشييد شاليهات به وزرعت فيه بيئة خضراء وزود بدورية أمنية، والآخر هو ساحل « منتزه الغوص» في الدائرة الثانية من محافظة المحرق الذي يعتبر قيد الافتتاح بيد أنه يحتاج إلى جسر للمشاة يربط المجمع السكني 2007 بالمنتزه إذ تمت مخاطبة وزارة شئون البلديات لإنشائه بالتعاون مع إدارة الطرق ووزراة الكهرباء والماء، فضلاً عن سور حديد وكل ذلك بكلفة إجمالية وصلت إلى مليون دينار بحريني.

ومع احتفال البلاد بعيدها الوطني المقبل يتوقع الجودر أن يفتتح منتزه الغوص في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول ومطلع ديسمبر/ كانون الأول للعام الجاري. ويأخذنا عضو لجنة الدفاع عن سواحل المحرق عيسى سيار إلى منحى وبعد آخر للموضوع مرتبط بعدة محاور، أولها البعد المعيشي والثاني البعد البيئي والأخير هو البعد السياحي. فيرى سيار أنه لا يمكننا التحدث عن سواحل سياحية في ظل افتقار المواطن إلى أبسط حق يضمن له حياة كريمة وهو «حق المسكن»، على رغم إشادته بمبادرة بناء الممشى في ساحل البسيتين بين الجسرين بالمحرق. سيار يطرح هنا إشكال الصراع الدائم بين حاجة المواطن إلى حياة كريمة وضرورة وجود متنفس سياحي يضمن له راحة نفسية فضلا عن الحفاظ على مصدر رزقه المعتمد لدى الكثير من البحرينيين على البحر. فمعظم عمليات الدفن الجائر أتت على مصائد الأسماك والمحميات الطبيعية و(الفشوت)، والسؤال الذي طرح نفسه وسط زحام تلك الاشكال هو: لمصلحة من تدفن تلك السواحل ومن المستفيد من وراء توزيع أكثرها على هيئة هبات إلا ما ندر منها بشكل يعتبره البعض ذراً للرماد في العيون؟ لقد كشف سيار أن ساحل البسيتين نال نصيب الأسد من الدفن الجائر وتضرر من جهتين، أولهما أنه لم يكن هناك توزيع عادل للثروة الوطنية فلم يحظ أهالي البسيتين بنصيب يذكر من دفن تلك السواحل إذ وزعت معظمها على هيئة هبات وتمت إعادة بيعها لتشيد عليها الدولة مخططات سكنية، وهو أمر كبير إذ يتعلق مباشرة بأكثر من 500 منزل لم ينل منها الأهالي شيئاً على رغم أن بعضهم يسكن منازل لا تصلح للسكن الآدمي وتضرب بكل مبادئ حقوق الإنسان عرض الحائط والبعض الآخر مازال ينتظر على قوائم الإسكان منذ نحو 16 عاما.

أما فيما يتعلق بالجانب البيئي، فقد أوضح سيار أن ساحل البسيتين محاط بمصائد الأسماك ومحمية هي آية في الجمال وكانت مصدر رزق وافر فضلاً عن جزيرة الساية التي تقع في المنطقة نفسها، وجزيرة «جوجب» التي كانت من ضمن أولويات أجندة الدفن الذي وصفه «بالجائر» بعد أن كانت مرفقاً سياحياً للبحرينيين فضلا عن الخليجيين.

نشاط «أصدقاء البيئة»... هل هو موسمي؟

إذا كان هذا هو واقع سواحلنا، أو ما تبقى منها، فأين هو دور جمعية أصدقاء البيئة، وهل صحيح ما يشاع عن عملها الذي يوصف بـ «الموسمي» إذ لا تتعدى أنشطتها فعاليات تقام قريباً من الخامس من يونيو/حزيران من كل عام والذي يوافق اليوم العالمي للبيئة؟

رئيس اللجان بالجمعية محمد كاظم يوضح في هذا الصدد أنه في الفترة الحالية لا توجد مخططات وفعاليات تتعلق بحماية سواحل المحرق إلا أنه كان للجمعية دور في التصدي للقضاء على ساحل عراد وتحويله إلى مخطط سكني فضلاً عن تصديها لعمليات التلوث في الحد في الفترة الماضية. فيما يشير المنسق الإعلامي في الجمعية جلال بن مجيد إلى إطلاق حملة وطنية لحماية السلاحف في أغسطس/ آب من العام الماضي ورصد (جوجب) في قلعة عراد والمطالبة بحماية الحزام الأخضر والحفاظ على المحميات البيئية.

ما قل ودل

على رغم أن اليوم الوحيد الذي حاولت فيه الاستمتاع بإجازة صيفية في أحضان الطبيعة في البحرين باء بفشل ذريع، فانني أعول كثيراً على الوعود التي أطلقت بافتتاح عدد من المنتزهات على سواحل المحرق، وعلى جمعية أصدقاء البيئة أن تكثف من أنشطتها لحماية تلك السواحل بتدشين خطوات جادة في هذا الخصوص. هل أنا متفائلة جداً ؟ لا أدري

العدد 1407 - الخميس 13 يوليو 2006م الموافق 16 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً