تزف المملكة في موسمها الجديد في احتفالات بهيجة عرسانها لتكتسي قراها وصناديقها الخيرية بحلتها المتلألئة التي زينتها وميزتها عمن سواها، إذ فاح عبقها ودوت أصداء التهاليل وتعالت أصوات الأناشيد والقصائد، معلنةً حالاً من الفرح يشعر بها الجميع لا سيما بعد أن غصت الأماكن المخصصة لعقد الزيجات الجماعية بأعداد هائلة من المباركين والمهنئين للعرسان وذويهم، تجربة خيرية يتجاوز عمرها السبع سنوات وبعضها مازال حديث العهد بها إلا أن السمة المشتركة في الجمع بين خبرة القديم ومعاصرة الحديث هي خدمة الصالح العام، أمر تمخض عنه الخروج بمشروعات كانت لها بصمتها في المجتمع البحريني على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي على حد السواء.

وبعيداً عن ذلك كله، يمكننا أن نقول إن من يضيء شمعة واحدة خير ممن يلعن الظلام ألف مرة، و من يأخذ بيد الناس لمساعدتهم في الطريق الحلال خير ممن يكتفي بالقول إن هذا حلال وهذا حرام، فالناس بحاجة إلى حلول عملية واقعية ناجحة أكثر من حاجتهم إلى الطرح النظري، وخصوصاً كلنا يعرف أهمية الزواج في استقامة الشباب وعفته، لكن قليلين من سعوا إلى تيسير هذا الطريق أمام الشباب وعلى رأسهم الصناديق الخيرية، لذا استوجب منا الوقوف عند هذه التجربة القديمة الحديثة من خلال استطلاع مع بعض رؤساء الصناديق الخيرية بالمملكة لمعرفة آخر التطورات في هذا الصدد وما يرنوا له المنظمين في تلك الزيجات على المدى القريب والبعيد مروراً بالعراقيل والصعوبات التي تواجه هذه التجربة.

واقع بحريني

35 في المئة هي نسبة العنوسة في المملكة وفق إحصاءات الجهاز المركزي للمعلومات التي تشير إلى أن نسبة النساء في البحرين منذ العام 1959 إلى العام 2001 لا تتعدى 5,49 في المئة بينما نسبة الرجال وصلت إلى 5,51 في المئة ومع ذلك مازالت نسبة العنوسة مرتفعة، ومع أن العنوسة بين النساء هي ليست مشكلة بحد ذاتها وإنما في كيفية النظر إليها والتعامل معها، لاسيما وإن توافرت اليد التي تسهم في النهوض بالشباب الصاعد ومساعدته على بناء حياته والمضي بها قدما كما تفعل الصناديق الخيرية، وهذا فعلاً ما سعت إليه اللجنة التنسيقية العليا للصناديق الخيرية لمحافظة العاصمة والتي مازالت تعد لائحتها الداخلية، إذ قامت بمخاطبة جميع الصناديق الخيرية في المحافظة وتمخض عن هذه الجهود تدشين الزواج الجماعي الأول في العام الماضي والذي زف 112 عريساً وعروسة، وفق ما يشير إليه رئيس لجنة العلاقات العامة والإعلامية ناجي صالح العباد. و يفصل العباد تركيبة المشروع الذي يشمل ثمانية صناديق وهي صندوق المنامة، النعيم، السنابس، كرباباد، البلاد القديم ، الجفير ورأس رمان فضلاً عن صندوق الماحوز الخيري الذي انضم حديثاً ليرتفع عدد الصناديق إلى ثمانية.

حفل آخر في سبتمبر

الرابع عشر من سبتمبر/ أيلول المقبل هو موعد الحفل الجماعي الثاني والذي تنظمه لجنة الزواج الجماعي لمشروع الزواج الجماعي المشترك للصناديق الخيرية بمحافظة العاصمة بمركز البحرين الدولي للمعارض، والمشاركة مفتوحة للجميع من دون استثناء من خلال التسجيل في إحدى الصناديق الخيرية المشاركة، وعلى غرار أي تجربة يكون لها سلبياتها التي تمثل عتبة للوصول إلى نتائج أفضل أقدمت اللجنة على تباحث عدة نقاط لتحسين جودة العمل وأوكلت لكل لجنة بالمشروع مهمة رفع تقرير يصف السلبيات قبل الإيجابيات لتصويبها وتدارك الأخطاء السابقة للخروج بعمل تفخر به المملكة، ولبلوغ ذلك يطرح العبار عدة نقاط في تقارير اللجنة صنفت ضمن التوصيات التي تم الأخذ بها أثناء عملية تنظيم الزواج الجماعي الثاني كحجم البوسترات إذ من المزمع أن تأخذ حجماً أكبر لزيادة فرصة التعرض لها وضمان وصول الرسالة الإعلامية إلى أكبر عدد من الناس، مرورا بضعف الحملة الإعلامية التي من المقرر أن يتم تفعيل نشاطها أكثر من خلال التنسيق مع وسائل الإعلام في المملكة، وصولاً إلى مخاطبة التجار المحليين والأجانب للمساندة وتقديم الدعم المادي، وتقدم العبار بالشكر لشركة الاتصالات (بتلكو) لدعمها الزواج الجماعي الأول، فضلاً عن سعي اللجنة إلى تقديم دعم مادي مجز للعرسان ليكون فاتحة خير لهم في حياتهم الزوجية.

أجندة طموحة بالمشروعات الخيرية

ولم تقف تطلعات اللجنة عند حدود تنظيم الزيجات الجماعية فحسب بل تخطتها لتشمل خططاً خيرية لها الأولوية على أجندة عملها كوضع الخطوط الأساسية لتنظيم سوق خيرية على مستوى المحافظة يُعنى بتشجيع الكادر الوطني وتنمية الصناعات المحلية وتنشيط الاقتصاد الوطني، في حين يكشف العباد عن توجهات لحث وتشجيع الشركات المحلية والأجنبية لتدشين مشروع استثماري بكلفة عالية ورؤوس أموال تتضمنها حصة للفقراء بهدف ضمان حياة كريمة لهم ومستقبل آمن لأولادهم يعينهم على ظروف الحياة الصعبة.

ثمانية صناديق تتشاطر الخدمة الخيرية وكان من المقدر لها أن تكون تسعة لو لا انسحاب صندوق النبيه صالح الخيري هذا العام بقرار من إدارة الصندوق القديمة والتي كان لها دور فاعل في إنجاح زيجات جماعية قبل عامين كانت على مستوى مشرف من حيث التنظيم والضيافة فضلا عن التجهيز والإعلام حسب ما أشار أحد أعضائها أحمد ناصر، وإن كانت الإدارة القديمة اتخذت قرار عدم المشاركة فإن الإدارة الجديدة للصندوق سارت هي الأخرى على خط العمل الخيري خارج نطاق العمل الجماعي بحيث هناك نية لإعداد زواج جماعي بتنظيم من الصندوق في الفترة المقبلة إلا أن رؤيته لم تتضح ملامحها حتى الآن، وهذا إن دل على شي فإنما يدل على السعي إلى الخدمة الخيرية مهما تعددت واختلفت الآلية ووجهات النظر.

الاتجاه لخصخصة العمل

سمتا التنظيم والخصخصة كانتا الغالبتين على عمل صندوق سار الخيري والذي وصل رصيده إلى سبعة مشروعات للزيجات الجماعية أولها بدأ بأربعة عرسان وآخرها كان في التاسع والعشرين من الشهر الماضي ليرفع العدد إلى 49 عريساً وفق ما أشار إليه رئيس الصندوق علوي هادي المحفوظ، والذي يصف المشروع بالناجح جدا نظرا لأخذه لأخطاء الأعوام السابقة سواء في التخطيط أو التنظيم والتنفيذ.

صندوق سار الخيري له الآلية ذاتها في رفع التقارير لتقييم العمل لتدارس السلبيات والإيجابيات إلا أن ما يميزه هو الخصخصة في العمل الخيري فكل لجنة لها مهماتها وصلاحياتها التي تعمل وفقها بما لا يتعارض مع العمل الجماعي ووفق أجندة عمل منظمة وفق الأولويات والأهمية.

وإن كانت سمتا التنظيم والخصخصة هي من أهم مميزات صندوق سار الخيري فإن آلية عملها لا تقل تنظيما فضلا عن مرونتها وإنسانيتها إذ إنها لا تستثني أي طارق باب ومشارك ولا توجد معايير للقبول في الانضمام للحفل الجماعي سوى دفع الرسوم التي تستثنى أحيانا بعد أن تقدر اللجنة المعنية ظروف الحال.

ولم تقف جهود الصندوق عند هذا الحد بل تخللتها دورات تأهيلية تنظمها لجان الصندوق للمقبلين على الزواج من المسجلين في الزواج الجماعي قبل معاده بفترة وجيزة، كما يشير المحفوظ ويفصل محاور تلك الدورات والمحاضرات التي تستمر على مدى حلقتين لكلا الجنسين متناولة حقوق وواجبات الزوجين، كيفية بناء حياة زوجية سعيدة فضلاً عن الحياة الزوجية الممتعة والتي يعرضها أحد المشايخ في الأسبوع الأخير قبل الزواج.

وإن كان الجانب المادي والاجتماعي من أول أولويات الصندوق للمقبلين على الزواج فإن الجانب المعيشي لا يقل أهمية لديهم إذ يعمد الصندوق بعد دراسة الحالات من خلال ملء استمارة تحول إلى اللجنة الاجتماعية والتي بدورها تدرس مدى إمكانية الصندوق لمد يد المساعدة والكيفية المناسبة لكل الحالات التي ترده سواء ضمن نطاق المنطقة أو سواها ما يدفع بها بعد تقدير الحال المستحقة إلى توفير بعض المستلزمات الحياتية الضرورية لها ضمن خطة عمل تتسم بالسرية التامة.

موسم حافل بالزيجات الجماعية وفي كل تجربة تظهر عراقيلها كقشور على السطح إلا أن تلك القشور وإن كانت بسيطة قد تعرقل العمل إلى حد أن تلغيه كما حدث مع صندوق بني جمرة الذي توقف عن تنظيم الزيجات الجماعية منذ ثلاث سنوات بعد أن زف آخرها قرابة 37 عريساً، وأرجع رئيس الصندوق علي الغامي لهذا الوضع لتفرق العرسان لأسباب مختلفة خاصة بهم أحياناً وأحيانا أخرى متعلقة بالدعم المادي للمشروع وعلى رغم أي عراقيل يسعى الصندوق في كل سنة إلى فتح باب التسجيل واستكمال العدد من خلال إعداد حملة إعلامية من شأنها الترويج لبدء التسجيل خلال السنوات الثلاث الماضية، ومن المقرر أن تنزل الحملة الترويجية قريباً للزواج الجماعي الجديد، آملين أن يتوافر عدد مناسب فضلاً عن توافر الدعم المادي من التجار والمؤسسات.

ختامها مسك

نختم استطلاعنا بأعلى الصناديق الخيرية رصيداً في عدد الزيجات الجماعية التي بلغت إحدى عشر مرة وهو صندوق المعامير إذ من المزمع أن يدشن حفله الجديد مطلع الشهر المقبل مراعيا تطوير الديكور وتنظيم الإدارة وتحسين الضيافة وتفعيل دور اللجان بشكل أكبر ومحاولة تخطي عراقيل الدعم المادي فضلاً عن سيره قدماً لتسجيل الحفل تلفزيونياً وتقديم العروض الإعلامية وعقد اللقاءات مع بعض الشخصيات لمزيد من تحسين مستوى العمل