العدد 1498 - الخميس 12 أكتوبر 2006م الموافق 19 رمضان 1427هـ

المسلمون في ألمانيا

توصل استطلاع للرأي الذي اجرته بتكليف من صحيفة «فينانشال تايمز» الأميركية اليومية، في 21 دولة، والتي شارك فيه أكثر من 21 ألف شخص إلى أن أكثر من نصف الأوروبيين الغربيين يشعرون بأن وجود المسلمين في بلادهم الأوروبية يواجه بالرفض، وهي نتتيجة مثيرة للذعر، وترتفع هذه النسبة في ألمانيا لتصل إلى 61 في المئة، وكلما زاد تأثير الأحزاب اليمينية كلما ارتفع الاستياء من هذا الوجود.

أما التقارير الشاذة التي تنشرها بعض وسائل الإعلام وتصريحات بعض السياسيين، التي تتنبأ بحدوث هجمات إرهابية في هذا البلد أو ذاك، وتسعى إلى إثارة المشاعر، فإنها تقوم بالباقي، لكن المجتمع الألماني لم يكن بعد مستعدا لمواجهة ظاهرة تنامي التطرف اليميني المثيرة للمخاوف، ما جعل الأحزاب اليمينية المتطرفة قادرة على دخول البرلمانات المحلية في أكثر من ولاية ألمانية، ولم يكن قادراً بعد على تحذير مواطنيه من ذلك ولا حمايتهم، علما بأن هذه البيئة اليمينية المتطرفة، هي التي تتحمل - تبعا لآخر ما توافر من معلومات - المسئولية عن الهجوم الإرهابي الوحيد الذي وقع في ألمانيا، بعد 11 سبتمبر/ أيلول، وهو محاولة اغتيال 22 شخصاً في حي كولن - مولهايم ذي الغالبية التركية.

ولكن هل تغير الوضع بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر، بعد تفجيرات مترو الأنفاق في لندن، والقطارات في مدريد، واغتيال المخرج الهولندي فان جوخ؟ لقد أصبحت أصابع الاتهام، في المسئولية عن هذه الأعمال المشينة موجهة إلى الإسلام من دون تمحيص، وأصبح الكثيرون من الألمان يرون الإسلام مثيرًا للاستغراب ومصدرا للتهديد، بل نغمات مشابهة لذلك أصبحت تتردد في داخل البرلمان الألماني الاتحادي (بوندستاج)، في جلسات النقاش عن اندماج الأجانب في المجتمع الألماني، وأصبح كثيرون يضعون (الثقافة الألمانية الرائدة)، كنقيض لما يزعون أنه المثل الفاشل للمجتمع متعدد الثقافات.

صعوبات داخل الجالية الإسلامية

أصبح التردد على المساجد، الذي كان في الماضي أمرا بدهيا، شيئا يدعو الى الريبة ممن يقوم به، بل وأصبح المشي إلى المسجد في حد ذاته شبة، وأصبحت الاتهامات جاهزة مثل القول إن «القاعدة في كل مكان»، وان افكارها تنتشر كالهشيم بين أفراد الجالية المسلمة، بغض النظر عن مدى اندماج هذه الجالية، مدى انفتاحها على المجتمع المحيط، وعلى رغم استنكارها لكل أعمال المتطرفين، والنأي بنفسها عنهم، بل حتى لو كانت هذه الجالية نفسها ضحية الاعتداءات عليها بالنيران، كما حدث كثيرا في الماضي، وضحية فرق التفتيش التابعة للشرطة وهو الأمر لا يعيره الرأي العام أي انتباه.

إن مجالس إدارة المساجد، والاتحادات الإسلامية واقعة اليوم تحت ضغوط هائلة، فهم يريدون من ناحية ان يظهروا رغبتهم في الاندماج، ومن الناحية الأخرى هم يريدون أن يقللوا من حدة السخط المتزايد والشكوك المتنامية لدى الجالية المسلمة، من جراء النقاشات العاصفة.

وكان من نتائج ذلك على صعيد الجالية الإسلامية، أن مروجي نظرية المؤامرة قد وجدوا سوقا رائجة، واصبح الكثيرون يتحدثون عن الهجرة من ألمانيا، كما أن ذلك الوضع صب في مصلحة المتطرفين، وهم أولئك الذين يسعون منذ سنوات الى إشعال نار الصدام بين المجتمع الغربي الذي يزعمون أنه عدواني ومنحط، وبين مجتمع مسلم يزعمون أنه متناغم، وكذلك يحتفلون بالبعث من جديد، وتثير آراؤهم حفيظة الغالبية العظمى من المسلمين المسالمين والراغبين في الاندماج، وتضع المسئولين عن الاتحاديات الإسلامية امام مهمات عسيرة وبالغة التعقيد.

وفوق ذلك يسأل كثير من المسلمين بمنتهى الجدية: إلى متى سيتحملون الأوضاع في هذه البلاد، التي ولدوا فيها، ولكنهم تحولوا بين عشية وضحية ومن دون ذنب اقترفوه إلى صراع حضاري؟

ورأى كثيرون من المسلمين القائمين على الحوار، وآخرون من الأصدقاء العاملين في حقول السياسة والإعلام والكنائس، أن النتائج المتواضعة التي أثمرها الحوار الذي استمر عشرات السنين، بدأت تتسلل من بين أيديهم.

وسأل الجميع: هل هناك صور عدو فقط؟ أم أن هناك أيضا صور صديق؟ هل أصبحت الدعوة إلى الحوار قاصرة على السذج والحالمين؟ هل أصبح المتشددون هم أصحاب اليد الطولى، أم أن العقل سينتصر في النهاية؟

إن الدول الإسلامية ينبغي عليها التفكير في ذلك، وأن تسعى مستقبلا مع المسلمين في هذه البلاد، لآن تضع خططا طويلة المدى، عن كيفية معيشة المسلمين في سلام، في ظل الأوضاع السياسية العالمية المتغيرة، والتي بدأت ملامحها تظهر في أوروبا، إذ لابد من شراكة جديدة/ والتخلص من فكرة عودة المسلمين إلى أوطانهم السابقة، لأنهم ببساطة لن يفعلوا ذلك، خصوصا ابناء الجيلين الثاني والثالث، لذلك يجب تقديم المساعدات الثقافية والشرعية لمهماتهم، التي لا تقتصر فقط على الانفاق على المساجد وتصريف أمورها،لأن ما سنحتاج إليه في المستقبل هو تحسين البنية التحتية الإسلامية، من تدريس التربية الاسلامية، إلى تأسيس كليات إسلامية، إلى وضع برامج ثقافية وتعليمية، تشكل سويا ما يمكن ان نطلق عليه اسم (الهوية الإسلامية في الغرب)، فقد نشأت على مر السنوات الماضية مجموعة من المسلمين المؤهلين تلأهيلا عاليا، الذين ينتظرون بفارغ الصبر ان يحملوا شرف القيام بهذه المهمات.

غموض العلاقة بين الدولة والمسلمين حتى الآن

ومن أهم الأمور هو توضيح العلاقة بين المسلمين وبين الدولة الألمانية، كما ظهر بوضوح في حال الصراع على صور الكاريكاتير، أو مشكلات السياسة الخارجية، الناجمة عن الهجمات الإرهابية التي قام بها أناس يطلق عليهم اسم مسلمين، بحيث يجري إلصاق هذه الأفعال بالمسلمين المقيمين في هذه البلاد.

إن المسلمين يعيشون منذ عشرات السنين بين ظهرانينا، سواء كانوا من الألمان الذين اعتنقوا الإسلام، أم من المسلمين المهاجرين من الخارج، الذين جاءوا - كما هو معلوم - بعد الحرب العالمية الثانية، وبنوا هذه البلاد، وهم يدفعون الضرائب، مثلما يفعل كل شخص آخر في ألمانيا، على رغم كل ذلك فإن غالبيتهم يبقون معزولين عنا، ولا يندمجون فينا.

وحقيقة أننا لم نفلح حتى الآن في كسب لاعبي كرة القدم الموهوبين، الذين جاء آباؤهم أو حتى أجدادهم إلى المانيا، لكي ينضموا إلى الفريق القومي الألماني، وتفضيل هؤلاء للاستمرار كاعضاء في الفريق القومي لتركيا، يبين بصورة مؤلمة للغاية، ان التعايش المشترك لم يتحقق حتى الآن بصورة صحيحة.

وهناك مثال آخر يتعلق بمسألة الحق الدستوري في الحصول على حصص في التربية الإسلامية، والتي مازالت أمام القضاء منذ عشرين عاما، اي منذ تأسيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا تقريباً، وعلى رغم التصريحات الكثيرة للسياسيين فيما يتعلق بالاندماج، ولكن حين يصل الأمر إلى حيز التنفيذ الفعلي. فان الأموال لا تكون متوافرة، حتى انه جرى خفض النفقات على تعليم اللغة الالمانية، وعلى رغم سرورنا بالكلمات الصادرة عن الحكومة الجديدة، التي تبعث على الأمل، والتي تشكل اشارات مهمة لخلق الثقة، فإن المسلمين يريدون أن يكون السبيل إلى اقناعهم عن طريق البرامج التي جرى تطبيقها فعليا.

إن سن القوانين الأمنية التي تزداد تشددا يوما بعد يوم، وقوانين حظر الحجاب الإسلامي، والأسئلة المفروضة على المسلمين الراغبين في التجنس، كل هذه الإجراءات لا يمكن ان تحل محل سياسة عقلانية في التعامل مع الإسلام ومع الاندماج، بل على العكس من ذلك فهي تؤدي إلى تعميق الهوة بين الجانبين، وتحطيم الثقة والوثائق التي تربط بين اطراف المجتمع المتماسك، بل تهدد بتحطيم كل ذلك.

إن الفرصة كبيرة ان يتمكن التحالف الحكومي بين أكبر حزبين في المانيا، وهما الحزب المسيحي الديمقراطي، بزعامة المستشارة انجلا ميكل، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، من علاج هذه القضية الساخنة، وإذا كان هذا التحالف جادا في مسألة اندماج المسلمين، فيجب الآن وضع اقتراحات بناءة على طاولة البحث، عن كيفية استيعاب المسلمين وممثليهم في هيئات المجتمع والدولة.

وإني آمل من اعماقي ألا تضيّع حكومتي الالمانية هذه الفرصة الفردية باستهتار، واذا توافرت الإرادة السياسية لمثل هذه الخطوة، التي اعترف انها خطوة في افق جديد، فإنني على يقين انه يمكن عنذئذ جمع كل الفاعلين في الساحة الإسلامية، الذين يستندون إلى ارضية دستورنا الالماني، وينشطون على اساسه، على طاولة واحدة، لحل كل المسائل العالقة، وعلى رأسها الاعتراف بطرف يمثل المسلمين في الحوار مع الدولة، والاتحادات الإسلامية مستعدة للقيام بذلك منذ زمن، علما بأنه لا بديل للحوار.

ضرورة علاج القصور في الهياكل الإسلامية

إلا أن هناك أسبابا اضافية تمكن في داخل هياكل الجمعيات المشرفة على المساجد اليوم، التي هي أساس الجالية الإسلامية، وصحيح أنها ليست كلها من صنع هذه الجالية، فهناك الأحكام المسبقة، وهناك الإسلاموفوبيا، وهناك نقص حسن النية لدى السياسيين، ما يعوق هذه العملية بشدة، وفي كثير من الأحوال يتعلق الأمر بهيمنة الجيل الأول من المهاجرين على الاتحادات والتجمعات الإسلامية، وعلى رغم ما لهذا الجيل الأول من فضل كبير، قدمه في مرحلة تأسيس هذه الجالية الإسلامية، فهم من بني المساجد، التي تحولت اليوم إلى البنية التحتية الإسلامية، على رغم انهم كانوا في الوقت ذاته يمارسون اعمالهم أو يواصلون دراستهم، وكانوا الأسر المسلمة، ولكنهم على رغم مرور السنين، لم يتيحوا الفرص الكافية للشباب الصاعد الذي يتدفق قوة ليأخذوا مكانهم، ويضطر الجيل الجديد الناجح في حياته الوظيفية، إلى الوقوف مكتوف الايدي، ويواجه صعوبات في ممارسة حقه في اتخاذ القرار في داخل جماعته المسلمة.

إن عملية تجديد الخلايا في جميع أوصال التجمعات الإسلامية، والتي أصبحت تمثل ضرورة ملحة، ستتم قريبا وعلى نطاق واسع، بإذن الله.

(أمين عام المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا

العدد 1498 - الخميس 12 أكتوبر 2006م الموافق 19 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً