غداً (الاثنين) آخر موعد لتسلم طلبات الترشح للانتخابات النيابية المقبلة المزمع إجراؤها يوم 25 نوفمبر/ تشرين الثاني، في وقت شهدت الأجواء الانتخابية الأسبوع الماضي- والتي تشمل تسجيل أسماء المترشحين حتى ظهور النتائج وفرز الأصوات - حالاً من النضج السياسي بين الأطراف، بين الشعب والقيادات العليا، إذ تركزت الآمال والطموحات على تحقيق هدف واحد هو المشاركة الفعالة في الانتخابات المقبلة.
فكانت باكورة ذلك النضج التركيز على نزاهة الانتخابات والإعلان من الجانب الرسمي عن فصل الجهاز المركزي عن إدارة الانتخابات وإعطاء المهمة لدائرة الشئون القانونية المستقلة عن وزارة الدولة لشئون مجلس الوزراء، أما الجانب الشعبي فجاءت دعوة المجلس الاسلامي العلمائي إلى المشاركة قوية للطيف الشيعي في الانتخابات.
المجلس العلمائي وخيار المشاركة القوية
ويعتبر موقف المجلس بقيادة الشيخ عيسى أحمد قاسم مغايرا عما سلكه في انتخابات العام 2002 عندما التزم الصمت، الأمر الذي دعا غالبية الشعب الممثل في الطيف الشيعي إلى العزوف عن المشاركة آنذاك، لكن انتهاجه حاليا موقفا معاكسا عما سبقه وإطلاق دعوته إلى المشاركة القوية والايجابية ربما ستفتح آفاقا وأبوابا كانت موصدة في وجه المعارضة للدخول بقوة في تشكيلة المجس التشريعي المقبل ويجعلها قادرة على طرح ملفات كانت شائكة ارتأتها في السنوات الماضية إحدى العثرات التي تعوق المشروع الإصلاحي الذي أعلن عنه عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
وقال رئيس المجلس الاسلامي العلمائي الشيخ عيسى قاسم إن العلماء طالبوا خلال لقائهم عاهل البلاد بتطمينات عملية بشأن القضية التي شغلت الرأي العام خلال الفترة القليلة الماضية. وحضر اللقاء إلى جانب قاسم كل من: السيدجواد الوداعي، السيد عبدالله الغريفي، الشيخ حسين النجاتي والشيخ عبدالحسين الستري.
وذكر قاسم في تصريح خاص لـ “الوسط “ أن اللقاء مع جلالة الملك ركز على قضايا رئيسية منها التجنيس والتمييز، وسلط الضوء على القضية التي شغلت الرأي العام في الفترة الأخيرة، وأوصلنا الرسالة إلى جلال الملك بأن هناك قلقاً في الشارع البحريني بشأن هذه القضية، وطالب العلماء خلال اللقاء بتطمينات عملية بشأنها.
وقد أشاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بالدور الذي يقوم به علماء الدين بتوجيه النشء والمواطن إلى المزيد من التلاحم وتعزيز الوحدة الوطنية ورعاية المصلحة العامة للبلاد في ظل عقيدتنا الإسلامية السمحة وتقاليدنا العربية الأصيلة.
أما بشأن توجيهات عاهل البلاد بنقل مهمات إدارة الانتخابات من الجهاز المركزي للمعلومات إلى دائرة الشئون القانونية فقد لقي ترحيبا في الأوساط الحقوقية، إذ أشاد نائب الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عبدالله الدرازي بذلك، معتبراً إياها خطوة حميدة وإيجابية لتعزيز الثقة بين الشارع العام والقائمين على العملية الانتخابية.
وعلى رغم ذلك، مازالت الساحة البحرينية مشحونة بوجهات نظر معاكسة في مختلف الأمور بين الرأي الرسمي والرأي الآخر المناوئ... إلا أن تلك الأمور ما هي إلا جزء لا يتجزأ من مسيرة العهد الإصلاحي الذي دشن في العام 2001. وتعتبر تلك الإجراءات من صميم وأسس الانتعاش الديمقراطي التي يعيشها أبناء هذا البلد الطيب، إذ مازالت هناك مناوشات خفيفة بين الجمعيات الحقوقية والحكومة بشأن مراقبة الانتخابات.
اللجنة الأهلية و مطالب الرقابة المستقلة
وكانت اللجنة العليا لإدارة الانتخابات برئاسة وائل بوعلاي عقدت اجتماعاً مع جمعيات (الشفافية، البحرينية لحقوق الإنسان، المحامين، مراقبة حقوق الإنسان، الحقوقيين، والبحرين للتقنيات والجودة، الحريات العامة، الاتحاد النسائي) والمفترض أن تشارك في تشكيلة اللجنة الأهلية بهدف التوصل إلى تسوية وآلية ترتضيها جميع الجمعيات وخصوصا الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان والمحامين والشفافية في التشكيلة المقبلة للجنة. وجاء اعتراض الجمعيات الثلاث على التشكيلة بسبب مخاوف من انضمام جمعيات مشبوهة محسوبة على التيار الحكومي، الأمر الذي يقلل من نزاهة تلك اللجنة.
إذ أكدت الثلاث الجمعيات الحقوقية (حقوق الإنسان، الشفافية والحريات العامة) ضرورة استقلالية اللجنة الأهلية لمراقبة الانتخابات عن أي سلطة بما فيها القضائية، مشيرة إلى أن وجود سلطة تشرف على اللجنة الأهلية لن يتيح لها ممارسة دورها الرقابي بشكله الكامل.
ورفض الدرازي تمثيل جمعيتي مراقبة حقوق الإنسان التي يتزعمها عضو مجلس الشورى السابق فيصل فولاذ والحقوقيين التي يترأسها يوسف الهاشمي ضمن اللجنة. وعلل الدرازي رفضه بما وصفه بأن الجمعيتين لا تتمتعان بالحيادية وأسستا بأموال حكومية، واصفاً إياهما بالحكوميتين اللتين من شأنهما أن تعوقا عملية مراقبة الانتخابات وإصدار تقرير مستقل.
وقال الدرازي إن دخول هذه الجمعيات ضمن اللجنة الأهلية سيجعلها ضعيفة وغير مقبولة من قبل المجتمع المدني والشارع العام وبالتالي ستفقد هذه اللجنة صدقيتها ونزاهتها.
وأعرب الدرازي عن ثقته بأن يصدر عاهل البلاد توجيهاته لدعم تجربة العام 2002 التي سمح فيها للجمعيات الحقوقية بمراقبة الانتخابات باستقلالية تامة ومن دون أية سلطة عليها. وقال إن جلالة الملك حريص على سمعة البحرين ونزاهة العملية الديمقراطية.
من جانبه، كشف الأمين العام لجمعية المحامين عباس هلال أن جمعيته لن تشارك في أية لجنة شعبية أو حكومية لمراقبة العملية الانتخابية، معللاً ذلك بغياب صفة الحيادية بعد أن اتضح أن جل أعضائها إما مترشحون للانتخابات المقبلة أو أعضاء ضمن حملات انتخابية لمترشحين مستقلين أو محسوبين على جمعيات سياسية.
في المقابل، دافع ممثل جمعية الحقوقيين في الاجتماع عبدالرحمن الفهيم عن حق جمعيته في المشاركة في مراقبة الانتخابات، مؤكدا أن أهداف الجمعية الأساسية تكمن في الدعم القانوني في جميع المجالات الحياتية للبحرين، وتثقيف أعضائها قانونيا.
المرشحون... وخلو قوائم الناخبين من عناوين تفصيلية
وفي موضوع المناوشات ذاتها طالبت جمعيات سياسية وحقوقية إدارة الانتخابات بتزويد المترشحين بعناوين تفصيلية للناخبين تشمل عناوين منازلهم وليس محل مجمع إقامتهم لإزالة أي توجس وشكوك من إدراج عناوين وهمية تستهدف من المجنسين حديثاً، لكن المتحدثة الرسمية باسم الانتخابات عهدية أحمد قالت أنه “بالنسبة إلى الانتخابات النيابية وطبقاً للفقرة الثانية من البند 2 من المادة 8 من قانون مباشرة الحقوق السياسية فإنه يجب أن يكون القيد شاملاً اسم ومحل إقامته العادية، أما بالنسبة إلى جداول الناخبين في الانتخابات البلدية فيجب أن يشمل القيد اسم الناخب ورقمه الشخصي ومحل إقامته العادية، وذلك طبقاً لما نصت عليه المادة الثامنة من نظام انتخاب أعضاء المجالس البلدية، مشيرة إلى أن محل الإقامة هنا يقصد به المجمع السكني الذي يتبع كل دائرة انتخابية وليس العنوان.
كل الإجراءات كانت محل انتقاد عند قائمة من النشطاء على الساحة البحرينية، إذ انتقدت الناشطة فريدة غلام اسماعيل النظام الانتخابي، وقالت إنه نظام الاتجاه الواحد بجدارة، فالرسميون يرسمون ويخططون ويقرون وعلى الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين الطاعة والامتثال. وتساءلت قائلة: «ولكن هل هذا ما يمليه حكم القانون ودولة المؤسسات والمعايير الدولية في تصميم الأنظمة الانتخابية؟ القراءة والاطلاع ينفيان ذلك، فعند فحص أي نظام انتخابي يطرح المتخصصون الأسئلة الملحة الآتية: من ينظم الانتخابات؟ أهي جهة حكومية أم مستقلة أم مختلطة؟ وما الهيكل التنظيمي الذي يسير العمل؟ ما هي الأطر القانونية المنظمة للعملية الانتخابية... من اتفاقات دولية ودستور وقانون انتخابي وقرارات إدارية ولوائح وضوابط داخلية؟».
طالب حقوقيون بتطبيق معايير الحكم الصالح، كما أطلقه تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وجاء في التقرير تعريف بالحكم الصالح وهو «الحكم الذي يعزز ويدعم ويصون رفاه الإنسان، ويقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم وحرياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وخصوصا بالنسبة إلى أكثر أفراد المجتمع فقرا وتهميشا. والحكم الصالح هو الحكم الذي يتسم من بين جملة أمور أخرى، بالمشاركة والشفافية والمساءلة، ويكون فعالا ومنصفا ويعزز سيادة القانون. ويكفل الحكم الصالح وضع الأولويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على أساس توافق آراء أوسع نطاق في المجتمع. تسمع فيه أصوات أكثر الفئات ضعفا وفقرا في صنع القرارات المتعلقة بتوزيع موارد التنمية».
وأضاف التقرير «وفي العادة تشمل مناقشة الحكم مؤسسات الدولة وعملياتها، غير أنها أخيرا بدأت تشمل أيضا مؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات العمل الأهلي أو بالتعبير الشائع «المجتمع المدني». ومنظمات المجتمع المدني هي مجموعة الجمعيات التي ينظم المجتمع نفسه حولها طوعا. وتشمل هذه الجمعيات النقابات العمالية، والمنظمات غير الحكومية، والمجموعات المعنية بتحقيق المساواة بين الرجال والنساء والمجموعات اللغوية والثقافية والدينية، والمؤسسات الخيرية وجمعيات رجال الأعمال والنوادي الاجتماعية والرياضية، والتعاونيات ومنظمات تنمية المجتمع والمجموعة المعنية بالبيئة والجمعيات المهنية، والمؤسسات الأكاديمية ومراكز البحوث، ومنابر الإعلام كما تشمل أيضا الأحزاب السياسية».
والحكم الصالح له دور في استئصال الفقر إذ أورد تقرير التنمية الدور المناط به وهو: «إن الفقر بمعنى الحرمان من القدرات هو نقيض التنمية الإنسانية. والحكم الصالح هو الذي يسعى إلى تحرير هذه القدرات. وتمكين الفقراء لينتشلوا أنفسهم من ربقته، ولكن الفقراء عادة لا يملكون من رأس المال سوى قوة عملهم وقدراتهم الإبداعية، التي يعوقها الفقر. ولذلك فإن تمكين الفقراء يتطلب من الدولة، الأمينة على مصالح جميع المواطنين، اعتماد سياسات وبرامج توفر القدرات التي تعطيهم صوتا في القرارات التي تمس حياتهم، لذلك فإن بناء رأس المال البشري من خلال التعليم والتدريب والرعاية الصحية ضروري للتغلب على فقر الإنسان، في حين أن رأس المال المادي ضروري للتعبير المادي عن قدراتهم. ولا يعني تحمل الدولة المسئولية لتقوية الفقراء أن تتولى نفسها مهمة إنتاج السلع الاقتصادية والخدمات، فقد اخفق هذا النهج. والمطلوب هو أن تكفل الدولة للفقراء توافر أصناف رأس المال المختلفة من خلال إجراءات العدالة في التوزيع والتي هي مكون جوهري لبنية المجتمعات الرأسمالية الناجحة»
يتصف الحكم الصالح ضمن أشياء أخرى بالمشاركة والشفافية والمساءلة.
حكم القانون: يتعين أن تتسم الأطر القانونية بالعدالة وأن تطبق من دون تحيز وينطبق ذلك خصوصاً على القوانين الحامية لحقوق الإنسان.
الشفافية: تقوم الشفافية على التدفق الحر للمعلومات، وأن تنفتح المؤسسات والعمليات المجتمعية مباشرة للمهتمين بها، وأن تتاح المعلومات الكافية لتفهمها ومراقبتها.
الاستجابة: يجب أن تسعى المؤسسات والعمليات المجتمعية إلى خدمة جميع من لهم مصلحة فيها.
بناء التوافق: يعمل الحكم الصالح على التوفيق بين المصالح المختلفة للتوصل إلى توافق واسع على ما يشكل أفضل مصلحة للجماعة.
المساواة: تتاح لجميع النساء والرجال الفرص لتحسين رفاههم وحمايته.
الفاعلية والكفاءة: تنتج المؤسسات والعمليات نتائج تشبع الاحتياجات مع تحقيق أفضل استخدام للموارد.
المساءلة: يتعين أن يكون متخذو القرار في الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني خاضعين للمساءلة من قبل الناس، وكذلك من قبل المؤسسات المعنية. وتختلف طبيعة المساءلة بحسب المؤسسة وبحسب ما إذا كان القرار داخليا أو خارجيا عنها.
الرؤية الاستراتيجية: يمتلك القادة والجمهور منظورا واسعا للحكم الصالح والتنمية الإنسانية ومتطلباتها، مع تفهم السياق التاريخي والثقافي والاجتماعي المركب لهذا التطور.
تقرير التنمية الإنسانية العربية 200
العدد 1500 - السبت 14 أكتوبر 2006م الموافق 21 رمضان 1427هـ