العدد 3639 - الخميس 23 أغسطس 2012م الموافق 05 شوال 1433هـ

كشكول رسائل ومشاركات القراء

جانب من عظمة رسول الله (ص) في المؤاخاة (2)

 

بناءً على ما تقدم نستنتج أنَّ المجتمع اليثربي في تلك المرحلة كان مفكَّكاً اجتماعياً بسبب معاناته الطويلة من النزاعات القبليَّة المُهلِكَة، للأوس والخزرج واليهود وباقي القبائل، ما جعلها تتطلَّع إلى رَجُلٍ يوحِدُها، وتلتفُّ حوله يجمعُ ما تبقى من شتاتِها، لِيقضي على كل عصبية مستعصية، وينزع من قلوبهم كل قبلية جاهلية.

وإذا ما أردنا أَنْ نستشعر هذه العظمة، ونُحيط بها - ولا يمكننا ذلك واقعاً- إلا أَنْ نقف أمام بعض النصوص الشريفة في القرآن الكريم، كقوله سبحانه: «وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ»(الأنعام 46)، وقوله: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين» (الأنبياء 107)، لنصل بالنتيجة من دعوة الرسول وَمَنْ سبقوه من أنبياء ورسل إلى الدعوة التي يريدها الله تبارك اسمه: «وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» (يونس 25).

ونستشعر هذه العظمة لمحمد (ص) في كلمات أمير المؤمنين علي (ع) حيث يقول في نهج البلاغة: «بعَثَ اللهُ سبحانه محمّداً رسولَ الله (ص) وأهل الأرض يومئذ مِلَل متفرّقة، وأهواء منتشرة، وطرائق مُتشتّتة»، وله (ع) في خطبة أخرى يكشف لنا عن وضع العرب على أرض شبه الجزيرة، ويصف فيها أمورهم وأحوالهم فيقول: «إنّ الله بعث محمّداً (ص) نذيراً للعالَمين، وأميناً على التنزيل، وأنتم ـ أيْ معشرَ العرب ـ على شرّ دِينٍ وفي شرّ دار، مُنيخون بين حجارةٍ خُشْنٍ وحيّاتٍ صُمّ، تشربون الكَدِر، وتأكلون الجَشِب، وتسفكون دماءَكم، وتقطعون أرحامَكم... الأصنامُ فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة... أرسَلَه على حين فترةٍ من الرُّسُل، وطولِ هَجْعة من الأُمم، واعتزامٍ من الفتن، وانتشارٍ من الأمور، وتَلَظٍّ من الحروب».

ركيزة المؤاخاة الرئيسية: لهذه الأسباب كانت المؤاخاة، وارتكزت على بناء الجبهة الداخلية بناءً إيمانياً مرتكزاً على الثوابت العقائدية، والحقائق القرآنية، وكانت قائمة على أبعاد متعددة، كالتواصي بالحق، وتوثيق عرى المحبة والمودة، وإسداء النُصح والمشورة، وإبداء الرأي السديد، والنُصرة والحماية، والمواساة في الأموال والمتاع، ووراثة كل منهم الآخر، خصوصاً أَنَّ هجرة المسلمين من أرض مكة إلى المدينة كانت تقتضي قطع كل رابطة وعلاقة لهم، من ثروة وأقارب أو أي شيءٍ آخر، وهنا كان لحكم الميراث بين المهاجرين والأنصار استثناءٌ خاص، حيث كانوا يتوارثون بينهم حتى بعد الممات وذلك لظروف تلك المرحلة الحسَّاسة، الأمر الذي استمرَّ زمناً، وانتهى بنسخ العمل بهذا الحكم ورجوع نظام الإرث إلى ما كان عليه من قبل، وذلك في قوله تعالى: «وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله»(الأنفال 75).

حتى استطاع المسلمون تكوين أنفسهم، وبناء قدراتهم المادية والمعنوية واعتمدوا عليها، فمن ناحية اجتماعية كان انصهارهم في المجتمع المدني، وألفتهم لأبنائه، ومن ناحية مادية حصولهم على مغانم الحروب وما يرثونه من الأنصار، الأمور التي تؤهلهم لاستقلالهم وعدم حاجتهم لغيرهم.

بل أكثر من هذا، لقد مضى النبي (ص) في توحيده لأهل يثرب أَنْ أدخل اليهود في عملية المصالحة وبناء الدولة الواعدة، وهو تجسيد لما بات يعرف اليوم بمفهوم «المواطنة»، فعقد معهم تلك المعاهدة المعروفة بـ «صحيفة المدينة»، ليكون المسلمون واليهود جميعاً مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات، آمنين في عيشهم، مشتركين في مصيرهم.

الثمار والنتائج: حقَّق النبي من خلال هذه الخطوة الاستراتيجية المهمة أهدافاً كثيرة من أهمها: بناء وحدة راسخة وثابتة بين المسلمين تمكنهم من بناء الحضارة والأمة وفرض سيادتها، توحيد القبائل اليثربية والقضاء على مواجهاتهم الدائمة لاسيَّما بين الأوس والخزرج، تذويب الاعتبارات القبلية بين مهاجري مكة والأنصار في المدينة، والحد من الاعتبار العشائري القائم بينهم على الدم والنسب، وتحويل المجتمع المتفكَّكِ لآخر متماسِك، علاج مشكلة التفاوت الطبقي، والاختلاف في المستوى المعيشي، والذي يحتم إصلاحاً اقتصادياً، وإقراراً لمبادئ العدالة الاجتماعية، نشر مبادئ الخير والفضيلة، والقضاء على العادات الجاهلية، وإشاعة أجواء التآلف المجتمعي القائم على المحبة والود بين أبناء الأمة.

مكانة الأنصار عند النبي (ص): يكفي أن ننقُل في هذا المورد ما نقله كبار المحدثين والرواة في كتبهم، كابن هشام في سيرته النبوية، والحلبي في سيرته الحلبية، والمتقي الهندي في كنز العمال وغيرهم، عندما غضب الأنصار ووجدوا بسبب عطاء رسول الله (ص) وتقسيمه غنائم حنين على قبائل العرب وقريش ولم يكن لهم فيها سهم، فجمعهم من طريق سعد بن عبادة وخطب فيهم خطبة جاء في آخرها بيان مكانة الأنصار (رض) عنده، وترحمه عليهم، فقال: «فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار. اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظا».

أما النص الآخر الذي ننقله عن العلامة السيدهاشم التوبلاني البحراني (ره) من كتابه غاية المرام، فهو يكشف لنا عن هذه المكانة للأنصار بما روي عنه (ص) من خطبة في المسلمين وهو في أيامه وساعاته الأخيرة قبل لحوقه بالرفيق الأعلى حينما قيل له: «يا رسول الله هذه الأنصار في المسجد تبكي ورجالها ونساؤها عليك، فقال: وما يبكيهم؟ قالوا: يخافون أن تموت»، فخرج (ص) متكئاً في ملحفةٍ وعِصَابَةٍ حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد أيها الناس، فما تنكرون من موت نبيكم؟ أَلَمْ أُنْعَ إِليَكُم وتُنْعَ إِليَكُم أنفسكم؟! لو خلد أحد قبلي ثم بعثه الله لخلدت فيكم، ألا إني لاحق بربي، وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله تعالى بين أظهركم تقرؤونه صباحاً ومساءً فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخواناً كما أمركم الله، وقد خلفت فيكم عترتي أهل بيتي، وأنا أوصيكم بهذا الحيِّ مِنَ الأنصار، فقد عرفتم بلاهم عند الله عز وجل وعند رسوله وعند المؤمنين، ألم يوسعوا في الديار ويشاطروا الثمار، ويؤثروا وبهم خصاصة، فمن ولي منكم يضر فيه أحد وينفعه فليقبل من محسن الأنصار، وليتجاوز عن مسيئهم».

المؤاخاة في بُعدِها المعاصِر: ونحن نعيش في عالم اليوم، أحوج ما نكون إلى مبدأ المؤاخاة. لماذا؟

إن اللَّه يريد لنا أن نعيش مع أنفسنا ومجتمعاتنا أخوةً متحابين ومتماسكين، يساعد بعضنا بعضاً، غير متفكِّكين ولا متفرقين، تُشتتنا المصالح، وتفرقنا المذاهب، فتضيع الرحمة بيننا، ونفقد صلتنا ببعضنا، لنخسر أنفسنا وأهدافنا، ويطمع فينا الطامعون، وينقض علينا المتربصون.

وهذا ما حدث لنا كعرب ومسلمين، إذ تأخرنا عن الركب، وتخلفنا عن المسير، فأصبحت مؤاخاتنا عداء فاحِشاً، وخصومة فاجرة، لا يحمل الفرد منا والمجتمع هموم الفرد الآخر والمجتمع الآخر وشجونه وما يعانيه من آلام ومصاعب ومتاعب، هذا والقرآن مازلنا نقرؤه وهو يوصينا: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ» (النساء 135)، وفي مورد آخر يوصينا أيضاً: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»(المائدة 8)، أما هذه الآية الكريمة التي يأمرنا جلَّ شأنُهُ بأمر الوحدة والاعتصام، ويذكرنا بحال أمتنا في السابق وما كانت عليه، فيقول: «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»(آل عمران 103).

إِنَّ العرب والمسلمون بل الإنسانية جمعاء مدعوةٌ للعودة إلى استعادة ما أمر الله به من مبادئ قيَّمةٍ ومُهِمَةٍ لبناء هذا الكون وعمارته، وجسَّدها رسوله (ص)، والتي من أهمها «مبدأ المؤاخاة»، تساعدنا على تجاوز الصعاب، وتشعرنا بالمسئولية تجاه الفرد والمجتمعات، لنبني عالماً قوياً ومتماسكاً.

من الوصايا الخالدة

روى الشيخ المفيد (ره) في كتابه الاختصاص عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنه قال: «المسلم أخو المسلم، وحق المسلم على أخيه المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه، ولا يروى ويعطش أخوه، ولا يكسى ويعرى أخوه، فما أعظم حق المسلم على أخيه المسلم»، وقال أيضاً: «أَحبَّ لأخيك المسلم ما تحب لنفسك، وإذا احتجت فسله وإِنْ سألك فأعطه، لا يملَّهُ خيراً ولا يملُّهُ لك، وكن له ظهيرا - فإنه لك ظهر - فإذا غاب فاحفظه في غيبته، وإذا شَهِدَ فزره وأجله وأكرمه فإنه منك وأنت منه، وإن كان عليك عاتباً فلا تفارقه حتى تسأل سميحته، وإِنْ أصابه خيرٌ فاحمد الله، وإِنْ ابتُلي فاعضده، وتمحَّلْ لهُ وأعنه، وإذا قال الرجل لأخيهِ أُفٍ انقطع ما بينهما من الولاية، وإذا قال الرجل أنت عدوي فقد كَفَرَ أحدهما، فإذا اتهمه إنماث في قلبه الإيمان كما ينماث الماء الملح».

أحمد عبدالله


أنا مسلم

أنا مسلم ولن أحيد بضعفي أبداً

عن طريق الإسلام لأنهُ شمعتي

ومهما زاد الكفر وانتشر فإني

كالصخرة الصلبة في عزم قوتي

القرآن الكريم دستور حياتي

والكعبة الشريفة هي نور قبلتي

في ركوعي وفي سجودي أدعو

يا خالق الكون في أحسن صورتي

أن تنعم علي بواسع رحمتك

وتهديني وتساعدني في محنتـي

يا سر الوجود يا مالك الملك

يا رحمن يا مهيمن يا تواب برحمتي

يامبتدئ الخلق بآدم وحواء

يا مبدع العسل للنحل في زهرتي

أخرجت الأنبياء لهداية الناس

والتبشير بالإسلام ركيزة الأمتي

يعجز العالم بأسره عن وصفكَ

فأنت لا خالق غيركَ في القدرتـي

ميرزا ابراهيم سرور


من ذا بخير

أتُعيّدين؟!

ومن الصباحِ تجهّزينَ

وتطبخينَ

وتصنعينْ

وتمارسين طقوسك

وتكحّلين جفونكِ

تتزيّنين.

وتردّدّين لحونكِ

تترنّمين...

لحنًا ربيعيّ الرنين...

الله! كيف تدندنين...!

..و «الحيُّ»... من حولي حزين!

وإلى صحابك ترسلين...

«دمتم بخير»

أبما تقولي... تؤمنين...؟!

مَن ذا بخير؟!

والعيدُ مرتشحُ الجبين

والفرحُ مقطوعُ الوتين!

والصبح يهرب واجفاً

والليلُ مُنتفخٌ بدين!

أملٌ تقولي عندنا؟!

الله من املٍ ضنين...

أمشي وأجهل وجهتي

لا في اليسار ولا اليمين

ما من تهانٍ في الطريق

ولا نداء مُعيّدين!

وإذا ابتسمتُ لجارنا...

قطع التشكك باليقين!

جابر علي

العدد 3639 - الخميس 23 أغسطس 2012م الموافق 05 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً