مؤشرات عديدة تقول، إن صندوق النقد الدولي لن يمضي قدماً في تنفيذ الاتفاق التمهيدي الذي تم التوصل إليه بين مصر والصندوق والقاضي بإقراض مصر مبلغ 4.8 مليارات دولار على مدى 22 شهراً من أجل المباشرة في عملية الإصلاح الاقتصادي والمالي في أعقاب الثورة.
أحدث هذه المؤشرات هو ما أعلنه صندوق النقد نفسه قبل أيام حينما حذر من أن حدوث «تغيير كبير» في سياسة مصر الاقتصادية والسياسية يمكن أن يعيد النظر في الاتفاق التمهيدي بين مصر والصندوق.
فقد قال متحدث باسم الصندوق إن «خطة مساعدة مصر اقتصادياً ومالياً، تتضمن سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية، لاتزال بحاجة إلى موافقة الدول الأعضاء في الصندوق».
هذا من ناحية موقف صندوق النقد. أما من ناحية مصر، فقد قال ، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، عصام العريان: «إنه إذا أدّى الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي، إلى الامتناع عن المضي قدماً في إتمام قرض صندوق النقد الدولي وإعادة صوغ العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، فإن مصر تكون قد بدأت بذلك مرحلة مبكّرة من الاعتماد على النفس».
أما عضو اللجنة الاقتصادية لحزب الحرية والعدالة، محمد جودة، فقد قال هو الآخر: «إن البيان الصادر عن صندوق النقد الدولي، في ما يخص مراجعة موقفه بشأن الاتفاق مع الحكومة المصرية، ما هو إلا مجرد إثبات موقف وليس تهديداً حتى لا يقال إن البنك لم يعلن موقفه». وأضاف جودة «إنه حتى لو تم إلغاء القرض وتراجع الصندوق، فهذا لن يؤثر كثيراً على مصر»، موضحاً أن هدف الحزب من الحصول على القرض هو الحصول على شهادة ثقة من الصندوق الدولي، يثبت قدرة الاقتصاد المصري على التعافي والخروج من الأزمات الراهنة».
وقبل كل هذه التطورات، كان الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين عضو مكتب الإرشاد، محمود حسين، قد كشف عن أنه حين التقى شخصياً والمرشد العام للجماعة محمد بديع، السفيرة الأميركية في القاهرة، آن باترسون قبل أسابيع، طلبت منهما السفيرة قبول قرض صندوق النقد الدولي، حتى تفتح للجماعة «خزائن الخليج».
وهكذا يبدو جلياً من كل تلك المواقف أن أميركا المهيمنة على سياسات وقرارات صندوق النقد الدولي، وكذلك الصندوق نفسه يريدان من مصر أن تعتمد على أموال الدول الخليجية الغنية بالنفط، وليس على أموال الصندوق، لمواصلة الإصلاح الاقتصادي والمالي.
ومن المؤشرات الأخرى الدالة على هذا التحول الذي ينطوي على مؤشرات سياسية أكثر منها اقتصادية، هو ما ذكره تقرير متخصص صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية، من أن أسعار النفط المرتفعة خلال عامي 2011 و2012 كان لها أثر إيجابي كبير على الدول النفطية العربية؛ إذ حققت تلك الدول فوائض مالية في موازناتها العامة للعام 2011-2012 بلغت 186 مليار دولار. وعلى رغم أن أحداً من جميع تلك الأطراف سالفة الذكر، باستثناء السفيرة الأميركية لدى مصر، لم يقل بصريح العبارة أن على دول الخليج النفطية فتح خزائنها لمصر، فإن هذا بالضبط ما يمكن استنتاجه من مواقف وتصريحات وبيانات وتلميحات كل تلك الأطراف.
نعم هؤلاء يريدون قذف الكرة إلى ملعب الدول العربية الخليجية النفطية، بعيداً عن ملعب صندوق النقد، وأيضا بعيداً عن ملعب الاقتصادي الأميركي خصوصاً، والأوروبي عموماً، بحجّة عدم وجود استقرار سياسي واقتصادي في أرض الكنانة. شيء أخير، لابد من الإشارة إليه هنا هو أن أميركا والدول الغربية كانت قد وضعت نصب عينيها منذ أعوام الحصول على فوائض النفط الخليجية لاستخدامها في الخلاص من أزمتها، وجاب عدد لا بأس به من المسئولين الغربيين هذه الدول لتحقيق هذا الغرض ترغيباً وترهيباً، متناسين حاجة هذه الدول لأموال النفط، لمشاريع البنية التحتية التي هي وشعوبها، بأمسّ الحاجة إليها؟
أنيس ديوب
«أريبيان بزنس»
العدد 3778 - الأربعاء 09 يناير 2013م الموافق 26 صفر 1434هـ