منذ أن رمقت عيناي الأرض لأول مرة عند ولادتي، علمت بأنني قد ولدت في بلدة جميلة، أنا وعائلتي والأصدقاء وأهل البلدة، كنا نعيش حياة هانئة، كل أفراد بلدتنا كانوا أحبتنا وأصدقاء لنا، كيف لا وكانت أصر المحبة وبذور الإخوة هي الأساس، نعم كنا كلنا وحدة واحدة، على رغم الاختلافات التي قد تطرأ، إلا أننا كنا نصيرها لمصلحة الكل.
كنا نعمل كخلية النحل، فمنا كان الصياد والمزارع وراعي الماشية والطبيب... ومن كل مهنة كان هنالك شخص يقودها لنقاد لمصلحة الجميع. لم يحل علينا أبداً الكساد، ولم يحدث بيننا الفساد، ولكن كان شعارنا الجد والاجتهاد، لمصلحتي أنا وسائر أبناء البلدة.
لم تكن تطمئن...!، الجوار كان في استنفار، والأحداث حول بلدتنا لم تطمئن، فما كان لنا آنذاك سوى التقصي عما يحدث، فوجدنا أن «الجائر الغائر» يعيث الفساد بقوته، ويطلب المال والخيرات بالسلاح، فما كان لنا سوى الاستعداد فكان الأمر باعثاً بأن الأمر ملاقينا حتماً لا محالة عنه.
جاء يوم الحصاد، في ظلمة الليل دخل علينا «الجائر الغائر» بلدتنا هو وجنوده بأسلحة لم نرَ مثلها أبداً، فحصحصوا أرواح العديد منا ممن ذهبوا ليقاوموا دخولهم، ولكن لأن لم يكن علم لهم بمفعول تلك الأسلحة ضاعت أرواح الكثيرين، فما كان لنا إلا أن نستسلم نظراً لقوتهم، والتي لم نكن نعد عدة لها لأننا كنا فيما بيننا هادئين لا علاقة لنا بالغرباء، فما كنا نؤذيهم.
مرت الأيام وكان المشهد المعروف أن «الجائر الغائر» كان يستعبدنا ويسرق خيراتنا ومحاصيلنا، حيث لم يدخل أرضنا إلا طمعاً، إلى أن أتى يوم فدخل علينا «جائر آخر»، حيث قاتل «الجائر الأول» إلى أن خرج، فسادنا «الجائر الغائر الثاني» لنعيش فصلاَ جديداً من المعاناة، فهكذا فتوالى الجائرون الغائرون بمختلفهم على بلدتنا، فدمروا الأرض وحولوها إلى قطعة ميتة، ميتة من الأرزاق وميتة بتمزق لحمة أبنائها، وكان الحال سيئاً.
هكذا توالى علينا سرب الجائرين، إلى أن وصل إلينا جائر بنمط جديد وأسلوب سرقة محترف، لم نكُ نعلم ذلك، فقط مد لنا بعضاً مما نحتاج مقابل أن نفتح له أراضينا ليبحث عن ما يسميه بـ «السكر الأسود»، كنا مترددين... ما السكر الأسود؟!، ولم في أراضينا بالذات؟! الأرض الكهلة التي قتلها الآخرون...!، نظراً لحالنا اليائس سمحنا له بذلك، حصل على مبتغاه، كانت تلك سرقة... سرق من دون وجه حق، استغل حالتنا المتردية، أذاقنا القليل منه، الذي بنينا بمنافعه في بلدتنا صروحاً، فما كان سيحدث لو أننا أخذنا كل حقنا من ذلك السكر الأسود، الذي تبع السرقة منه سرقات، لكننا نؤمن بالله وبأن العلم أسرع وأعم فائدة على بلدتنا من ذلك «السكر الأسود».
كانت هي بلدتنا الهادئة، بين الأزمنة البائدة.
العدد 3815 - الجمعة 15 فبراير 2013م الموافق 04 ربيع الثاني 1434هـ
إلى الأمام
صياغة جيدة .. نتمنى لك دوام الموفقية وإلى الأمام
رائع
مقال متقن في ايصال الحقيقة التى يدور حولها المقال اتمنى لك التوفيق و الى الامام