تجري الصحف الأميركية مراجعة بل محاكمة للسياسة الخارجية الأميركية عشية الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، إذ تحولت الحرب على العراق إلى العامل والدافع الرئيسي للناخبين الأميركيين مع ازدياد التذمر وعدم الرضى عن الطريقة التي تدير بها الإدارة الأميركية الحالية هذه الحرب. ولكن هناك شبه إجماع على ان خسارة الحزب الجمهوري لن تأتي إلاّ بالمزيد من القلق إذا لم يقدم الديمقراطيون سياسة بديلة واستراتيجية محكمة، بدلاً من السياسة الراهنة، على رغم فرحة الكثيرين حول العالم في حال هزيمة الجمهوريين فسيجدون أنفسهم يتعاملون مع «أميركا الجمهورية» نفسها بعد أن تهدأ فرحة الفوز.
ولفت تشارلز كراوثامر في «واشنطن بوست» الى ان المباراة بين الديمقرطيين والجمهوريين لن تكون حاسمة. وإذ أورد عينات من استطلاعات الرأي التي تظهر فوز الديمقراطيين بالغالبية في مجلس النواب بنسبة 20 إلى 25 مقعداً، وأربعة إلى ستة من مقاعد مجلس الشيوخ، بما يعطي مجلس النواب للديمقراطيين للمرة الأولى منذ 12 عاماً، بينما يظل مجلس الشيوخ في قبضة الجمهوريين، بما يمنع عنهم الغالبية الحاكمة المطلوبة، شدد على ان هذه النتيجة المرجحة وإن كانت تعني انتقاماً من الجمهوريين بسبب إخفاقات الرئيس بوش والحرب على العراق، لن تأتي بأكثر من مزيد من القلق والتذمر، إذا لم يقدم الديمقراطيون سياسة بديلة واستراتيجية مدروسة، بدلاً من السياسة الحالية، يمكن أن يقرأ منها الأميركي المسار الذي ستسلكه بلاده في المستقبل. ولهذا دعا الجميع للتروي قبل تفسير هذه النتائج المرتقبة كمؤشر على تغيير المسار.
من جانبها، أكدت ديانا ويست في «واشنطن تايمز» أهمية المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، لتشير إلى أنه إذا كانت سياسات الجمهوريين لا تخدم هذه المصالح حتى الآن، فهذا ليس معناه بالضرورة أن الديمقراطيين قادرون على خدمتها بشكل أفضل. لكنها على رغم ذلك ارتأت التصويت للديمقراطيين، بدلاً من الطريق المسدود الذي آلت اليه الأمور في العراق وغيره. وفي السياق، لفتت إلى حيرة الناخبين الأميركيين بشأن الموقف في العراق لأن زعمائهم الجمهوريين، تركوا الأمور ضبابية، بل أوهموا الرأي العام ان الإسلام هو العقبة التي لا سبيل لتخطيها حتى يعاد تشكيل العراق دولة على النمط الغربي، إلى أن زعموا ان الاستراتيجية المثلى لجميع الجبهات هي «الحرب على الإرهاب» محوّلين استراتيجية أميركا في المنطقة من نشر الديمقراطية إلى محاربة الجهاد.
ولاحظت «يو إس إي توداي» ان بوش مازال يرفض وضع جداول زمنية للعراق، لكنها لفتت إلى ان ساعة الانتخابات تقترب. فبعد أن كان موضوع الاقتصاد العامل الحاسم في انتخابات 1992، فإن الحرب العراقية هي الحاسمة في هذه الانتخابات. فالعراق هو أكبر شاغل للأميركيين حسبما أظهرت استطلاعات الرأي التي إذا كانت حقيقية، فمن المرجح أن الأميركيين المهمومين بالعراق سيصوتون للديمقراطيين المتخبطين بشدة بشأن العراق بين داعين إلى الانسحاب السريع من العراق وبين محذرين منه وذلك لمجرد الانتقام من الجمهوريين الذين أيدوا التزام بوش بحرب مفتوحة لا نهاية واضحة لها. لكنها رأت ان الشيء شبه المؤكد هو أن الكونغرس الجديد، في حال تحقيق الجمهوريين لمكاسب ملموسة فيه، سيكون أقل حماساً لدعم استراتيجية الرئيس بوش، وأكثر نزوعاً لمحاسبة الإدارة في ملف الحرب، وتوجهاً نحو الانسحاب من العراق.
من جهته، سلط روبرت كاغان في «واشنطن بوست» الضوء على موقف الأوروبيين من الانتخابات الأميركية لافتا إلى رغبة الشعوب الأوروبية في أن يفوز الحزب الديمقراطي في انتخابات الكونغرس، إذ إن هذا الفوز سيحول وجهة السياسة الخارجية الأميركية إلى اتجاه أكثر اعتدالا. ولكنه شدد على ان انتخابات الكونغرس نادرا ما تؤثر على الاتجاه العام للسياسة الخارجية الأميركية، لافتاً إلى ان الاستثناء كان عندما قلص الكونغرس الإعتمادات المخصصة لتمويل العمليات العسكرية الأميركية لدعم فيتنام الجنوبية عام 1973. وشدد على انه من غير المرجح أن يعمد مجلس النواب ذو الغالبية الديمقراطية على تقليص الاعتمادات المخصصة لتمويل الحرب في العراق في العامين المقبلين. كذلك لفت إلى الاستمرارية الملحوظة في السياسة الخارجية الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بصرف النظر عن الإدارات المختلفة، مما قد يعني برأيه أن الأمل بتغيير ملحوظ في السياسة الخارجية ولو بعد انتخابات 2008، يبقى بسيطاً. لذا رأى ان الفرحة التي ستغمر الكثيرين حول العالم في حال هزيمة الجمهوريين لن تستمر، لأنهم سيجدون أنفسهم يتعاملون مع أميركا الجمهورية نفسها بكل حسناتها وعيوبها
العدد 1522 - الأحد 05 نوفمبر 2006م الموافق 13 شوال 1427هـ