العدد 3849 - الخميس 21 مارس 2013م الموافق 09 جمادى الأولى 1434هـ

«اليوغا» سيدة علوم النفس

المنامة - سيدعدنان الموسوي 

21 مارس 2013

اليوغا تعني الربط والضم، الاتصال بين النفس والجسد، أعني التوحيد، والتوحيد هنا مع الذات الحقيقية السرمدية التي نفخها الله جل جلاله من روحه في أرواحنا، وفي كل مرة نشعر بأعماق ذواتنا تتفتح، فنحن عندئذٍ ممارسون لليوغا، ومن خلال الذات الحقيقية فينا وانعكاسها فيما حولنا فإن مسيرة التوحد والتوحيد تدعونا إلى الحكمة والسلام والإيمان والحب. إنها تجسيد لقانون التناغم والانسجام بين النفس والجسد.

وقد يتساءل البعض لم نتبنَّ هذه الأفكار الهندية البعيدة عن عاداتنا ومعتقداتنا؟ ولماذا نتبع أسلوباً أو منهجاً غريباً عن ثقافتنا وحضارتنا؟

ولكن ذلك قول مردود عليه، فنحن نمارس ونشارك في الكثير من الرياضات، ونعتنق الكثير من الهوايات والأفكار التي لم تنبت في أرضنا أو أوطاننا، والأغرب من ذلك أننا ومن دون علم نعتنق كثيراً من أخلاقيات «اليوغا» ومعتقداتها وأسلوب ممارستها والتي لا تختلف عن ديننا الحنيف والسنة النبوية في شيء سوى المسميات.

ثم إنه لابد من الإشارة إلى أن اليوغا ليست عبادة أو ديانة، وإنما هي نظام حياة وليست بنظام الحياة، والفرق شاسع بين التحديدين. الأول حر والثاني استعبادي. وفي نهجها العملي أسلوب وممارسات رياضية بدنية وعقلية وحسية لتحسين الذات، وإضافة نوع من البهجة إلى الحياة.

مناهج اليوغا الستة

رغم تميز الإنسان سيد المخلوقات عن باقي الكائنات إلا أنه متفكك أو غير مترابط، فنجد أن أجسامنا وعقولنا تحت حمى الرغبات تجذبنا وتشدّنا في كل الاتجاهات، مطالبة بإشباع احتياجاتها ورغباتها، وذلك مما يحول بيننا وبين أدائنا لدورنا كوحدة متكاملة. من هنا جاءت كلمة «اليوغا» وتعني الاتحاد أو الترابط في اللغة الهندية القديمة ووظفت لجسرالفجوة بين الشتات والترابط.

وهناك عدد من المناهج الرئيسية لليوغا، لكل منها منهج وتقنية خاصة لتحقيق الغاية المنشودة وهي الترابط والتوحيد، وتتلخص أهم ملامح هذه المناهج فيما يلي:

المنهج الفكري (جناني يوغا Jnani Yoga)

وهي يوغا المعرفة وهي النمط الذي يتلاءم مع ذوي الاتجاهات الفكرية وهي الفرع الذي يفترض البحث الفلسفي وسيلة لبلوغ المرم، وهي تمارس عن طريق الصمت والتأمل والتركيز، وعندما يبلغ الإنسان كامل المعرفة، فسيرى الأبدية في الأشياء التى تمر وتنقضي، ويتبين اللانهاية في الأشياء المحدودة، ويصبح شخصاً آخر، له فكر من نوع مختلف، ومثل عالية مغايرة لسواه من الناس، وغاية متميزة ومختلفة عن غاياتهم، لأنه قادر على التمييز بين صوت الروح النقي الصافي وبين أمواج الفكر الدنيا التي تحيط به وتأتي ومضات الإشراق إلى الروح كلما ارتفعت مرتبتها، وتقدمت على الطريق، وقد تختفي تلك الومضات بعد ذلك ولكنها تترك أثرها وتكتسب الروح من إشراقها قوة لا تفارقها.

والجناني يوغي لا يرى نفسه معزولاً عن العالم الخارجى بل على العكس تماماً فهو يرى أن العالم كله هو نفسه ولا يخفى أن هذا النوع من اليوغا مختلفة بعض الشىء، فهي تستلزم استعدادات عقلية نادرة وجهود جبارة لا تكلّ وإرادة حازمة من أجل بلوغ مستوى الألوهة.

المنهج الفعلي (الكارما يوغا Karma Yoga)

وتعرف بطريق الفعل الواجب، أعني بذلك قانون الفعل أن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن الفرد يحصد ما يزرع، وقد لا تتحقق النتائج في الزمن القريب، ولكنها تصبح قريبة المنال في يوم ما، قريباً أو بعيداً، وعلى المريد أن يسعى لتحقيق الواجب دون التعلق بنتائج الأعمال، وعليه أن يتجرد من التفكير في مكاسب أعماله، وأن يعمل غير متوقع مكافأة لحسن صنيعه، عندئذٍ تكون أفعاله مجرد قرابين لصالح الجنس البشري، ومرضاة الله عز وجل.

وبذلك يصبح كل عمل عادي وبسيط نوعاً من القربان والقربى لمالك الملك، ويصبح الإنسان نشيطاً حيوياً، تخلو إنجازاته من القلق أو الطمع أو الأنانية، فأي عمل يقوم به يجد فيه السرور والسلام، فهو لا يتوقع شيئاً، ولا يرهب أحداً، ولا يعتمد على مخلوق، ويكون مليئاً بالسرور السرمدي الذي لا ينقضي وهذا النوع من اليوغا هو يوغا المؤمنين الخُلّص والعابدين.

المنهج الوجداني (يوغا المحبة Bhakti Yoga)

وتعرف بيوغا الحب المتفاني، وهي مسار الحب والعبادة، وهي تعتمد على التقوى وتصل باليوغي إلى السيطرة على الذات عن طريق العشق الإلهي فالله محبة، والخير محبة، والنور محبة، والذي يعشق الله بكل قلبه يضاء له الطريق، ويُزاد له الخير، فالله رب الكون والكائنات، وحبه يسع الجميع، فمن أحب الله مخلصاً له الحب فهو على طريق الحق، ويتحرر الإنسان من شعور الكراهية، ويحس بأن الحياة تتغلغل في كل شيء في الوجود، وأن الحب السامي الكامل لكل ما في الحياة هو الحقيقة التى لا تدانيها أي صورة للحب، وهي بالإجمال ترتكز الباكتى يوغا على التقوى والإيمان والتصوف، وتقديس الذات ونذرها لله، لذا يجد فيها اليوغي اطمئناناً يغمر النفس لا يفارقها، والسلوى والعزاء والسند كلما ثقل القلب بأعباء الحياة.

وتأتي في صورتين:

- الصورة الدنيا (أبارا- باكتي) وفي هذه الحالة يتبع اليوغي ما تأمره به النصوص المقدسة ويقوم بممارسة الشعائر والطقوس الدينية بحرفيتها.

- الصورة العليا (بارا- باكتى) وقد وضعت في المرتبة الأعلى لأن الامتزاج بالألوهة هو الأهم وهنا ينسى اليوغي كل القواعد والالتزامات المنصوص عليها ولا يتردد على أماكن العبادة ويشعر بوجود الله في كل مكان.

المنهج الحسي (تانترك يوغا Tantric Yoga)

وتعرف بطريق الإنشاد، وتقوم على فلسفة أن الجسم هو مسكن الروح، وتستخدم تقنيات متقدمة لجلاء الروح، من بينها ذبذبات الأصوات للرموز المقدسة وتسمى المانترات (Mantras) ومن بينها:

هريم، هرايم، هروم، هرادم، ناماه، أوم. نارا نارايا... إلخ. وهي في ذلك تشبه إلى حد كبير ما يتردد في حلقات الذكر من تسابيح: يا رحيم، يا حليم، يا عليم، يا كريم... الله حي... إلخ.

المنهج البدني (الهاثا يوغا Hatha Yoga)

وتقوم على طريق أو منهج التدريب الذي يقوم العقل من خلال الجسم وهي تتكون من مجموعة من التمرينات البدنية على شكل أوضاع تدريبية تسمى أسانات تصاحبها تدريبات للتنفس الصحيح المنتظم الذى يسير جنباً إلى جنب مع أداء كل تمرين.

ورغم قدم هذه الأوضاع، وكثرة شيوعها إلا أنها تدريبات منتقاة بعناية شديدة لتجعل الجسد هيكلاً ملائماً للروح والطاقات المختزنة به، والتي يمكن أن تنطلق في المراحل المتقدمة من التدريب، وهي ما تعرف باسم الطاقة الكونية أو البرانا (جوهر الحياة).

وفي هذا السياق، تدلنا اليوغا أن بالجسم مراكز للطاقة الكامنة تسمى «تشاكرات أو شجرات»، وتوجد بالجسم سبعة مراكز رئيسية لهذه الشجرات، على محور العمود الفقري ابتداءً من العجز وانتهاءً بتشاكرة التاج.

وعندما يتمرس التلميذ في التنشيط اللازم لمراكز التشكرات، فسيبلغ عندئذٍ مستويات أعمق وأعظم من اليقظة التي لم يسبق له أن أحس بها، أو أدركها قبل ذلك.

وتعتبر اليوغا البدنية (الهاثا يوغا) رياضة مثلى، لأنها تعني بالأطراف والعضلات والأجهزة الداخلية، كما أنها تؤدي إلى ارتفاع المستوى العقلي والروحي للإنسان، فالعقل السليم في الجسم السليم، ولا يتطلب القيام بها وجود أي نوع من الأجهزة والأدوات، ويمكننا أداؤها في أي مكان أو زمان دون صخب أو ضجيج ودون الحاجة إلى مرافق أو شريك.

وتؤدي الممارسة الصحيحة لهذه الرياضة إلى توفير الصحة واللياقة لكل أجهزة الجسم، فهي تساعد الجهاز العصبي في المحافظة على توازن الجسم وثباته ضد العثرات المفاجئة، وهي تريح عن كاهلنا عوارض الاعتلال مثل الصداع والقلق والأرق واختلال التفكير والإرهاق الذهني والنوم المضطرب، وتريح الجهاز العصبي الذى هو أساساً ينبوع الصحة. وهي تساعد الجهاز العظمي على اكتساب القدرة والمرونة اللازمة خصوصاً للعمود الفقري، وتريحنا من أمراض انزلاق الغضاريف، وتصلب المفاصل والروماتيزم، وغيرها من أمراض العظام، ولا يمكن لجسم متخشب غير مرن أن يكون في الحقيقة جميلاً ومعافى، فالمرء شباب بقدر ما في عموده الفقري من المرونة، ولو لاحظنا من حولنا لتحققنا من صدق تلك المقولة، فسنجد أن الأفراد الذين تصلب عمودهم الفقري يبدون أكبر سناً من عمرهم الحقيقي، بينما نجد هؤلاء الذين احتفظوا بمرونة عظامهم ومفاصلهم وأطرافهم أكثر حيوية ونشاطاً في أوساط العمر وأواخره.

وتساعدنا تلك التدريبات على الاحتفاظ بسلامة القلب والرئتين، كما أنها تنشط الدورة الدموية، وتعفينا من أمراض الربو والسعال ولغط القلب ونزلات البرد.

وتمتد فوائد الهاثا يوغا إلى الجهاز الهضمي، فتنشط المعدة والأمعاء والكبد والطحال، وغيرها من الأعضاء الداخلية، وتعفينا من أمراض المعدة بيت الداء مثل عسر الهضم والإمساك والتهاب القولون والمصران الغليظ، كما لا تخفى فائدة اليوغا للجهاز العضلي في البطن والظهر والوسط والرجلين والذراعين.

المنهج الإرادي (اليوغا الملكية Raja Yoga)

وتعرف باسم يوغا الإعجاز، وقد تم توضيحها في يوغا سوترا التي جمعها الفيلسوف الهندي (بتنجالى) في القرن الثاني قبل الميلاد واسماها «أستانجا يوغا»، أي الأطراف الثمانية، أو المراحل الثمانية، وهي تقوم على التحكم في العقل والتفكير أو هي وقف أمواج العقل، وتنبني على التركيز الشديد حتى يضيع الشعور بأجزاء معينة من جسم الإنسان، قد تصل إلى التحكم في نبضات العقل أو إجراء عملية جراحية في جزء من الجسم دون الشعور بالألم، ودون استخدام التخدير.

وقد يظن البعض أن اليوغا مرتبطة بهؤلاء المشعوذين من الهنود، الذين ينامون فوق فراش من المسامير، أو يبتلعون شظيات الزجاج المكسور، أو يغمدون الخناجر في أجسامهم، أو غيرهم من السحرة والحاوين الذين يتلاعبون بالحبال أو غيرهم ممن يقومون بخوارق الأعمال، والحقيقة أنه ليس هناك أية علاقة بين هؤلاء المتَّجرين بالخداع، وبين فلسفة اليوغا، لأنها منهج طبيعي لتطوير الجسم والعقل، ولا يدخل في نطاقها أي عمل يسيء إلى جسم الإنسان أو يؤدي إلى إيذائه.

وسنقوم بشرح مفصل لأعمدة اليوغا على ثماني حلقات متتابعة بدءاً بالحلقة الأولى أخلاقيات اليوغا «الياما والنياما» النواهي والمرعيات...

العدد 3849 - الخميس 21 مارس 2013م الموافق 09 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً