باديس: «تجربة أسيري طويلة، ويدل ذلك على تواصل هاجس الكتابة لديها»، وشعرها «مشدود إلى تجارب الشعر العربي... وهذا النمط المسكون»، لديه مشكلة واحدة هي «القارئ»، كما يمكن اعتبار مجموعتها الأخيرة «أفقاً أول وصلت إليه التجربة».
في ورقتها النقدية التي قدمتها بالملتقى الثقافي الأهلي، أشارت الناقدة التونسية نور الهدى باديس إلى أن الجيل لا يخضع لمعيار السن، وإنما يقصد به مكانة الشاعر، وأمام الكثير من التجارب التي وصلتها، كانت تجربة إيمان أسيري هي المستحوذة على انتباهها. باديس الحاصلة على شهادة الدكتوراه العام 2001 من تونس، اعتبرت أن أعمال إيمان أسيري تطرح القضايا نفسها لمدة عشرين عاماً، وهذه الرؤية التي تشكلت لم تزدد إلا وضوحا وتمكنا، وذلك على مستوى أساليب وفنيات الكتابة لديها.
كما حاولت باديس أن تركز على عمل واحد أكثر من البقية، مرجعة ذلك إلى كون الإحاطة بهذه التجربة غير ممكنة، وتقصي المؤسس لفعل الكتابة لديها صعب، لذلك فهي ستمسك بخيط السمة الغالبة في التجربة، وسيأخذها ذلك لأن تعطي مجموعة أسيري الأخيرة «كتاب الأنثى» حظا أوفر عن بقية المجموعات، وتشير باديس إلى أن «كتاب الأنثى» هو الأفق الذي وصلت إليه التجربة. وعلى ذلك، اتجهت باديس إلى تقسيم ورقتها عن تجربة أسيري إلى قسمين: القسم الأول، تناولت فيه الخصائص العامة لشعر أسيري. والقسم الثاني، ستحاول باديس فيه استخلاص خصائص الكتابة لديها، كما اعتبرت باديس أن خطاب الكتابة النسائية تداخله الكثير من المسبقات الذهنية.
شرعت باديس حديثها عن الأسماء التي أخذتها أعمال أسيري، التي تميز فيها حضور كثيف لاسم طير هو «القبرة»، هذا الاسم حضر على غلاف ثلاثة أعمال لها، ففي الديوان الأول أتى باسم الإشارة «هذي أنا القبرة»، وأتى في الثالث مشيرا إلى الملكية والتخصيص بحرف الجر «للقبرة أسرار صغيرة»، وأما في مجموعتها الرابعة فأتى حديثا يقال له «حديث الأواني للقبرة».
تشير باديس إلى أن هذا الاسم المؤنث أي القبرة وهو الهدهد أيضاً، له دلالته في المخيال العربي الإسلامي، إلا أن لكل تسمية دلالة تاريخية مختلفة، فاسم القبرة يستدعي من النصوص التراثية «القبرة والفيل»، من «كليلة ودمنة»، وهي رمزية للصراع بين القوي والضعيف، و «حجة السلطة وسلطة الحجة»، وبصيغة أخرى «صراع العقل والسلطان»، أما الاسم الثاني وهو الهدهد، فهو مترسخ لاستعماله القرآني، حين كان سفير سليمان النبي لبلقيس، كما حضر أيضاً في الكثير من النصوص الحديثة. كما تشير باديس إلى أن القبرة أيضاً هي النسر القابع في أعماق الشاعرة، المتأهب إلى الانبعاث، لذلك فنرى القبرة تتحول إلى أكثر من طائر، فهي بذلك ليست عجزا وضيق حيلة، بل «هي الوجه المشرق لكائن لا تعوزه الحيلة، وإن ضاقت عليه الحياة».
و «كتاب الأنثى» العمل الأخير المطبوع لأسيري، هو إخلاص التجربة إلى إبداعها كما تقول باديس، والكتاب لغة وفي أجزاء من التراث يدل متى أطلق على معنى الاشتمال والإحاطة، فهي في هذا الديوان تنوع على أصل واحد وهو الأنثى، ما جعل الديوان قصيدة واحدة في ألواح مختلفة، معتبرة أن ترتيبها وقع بحسب تصاعدها عددياً، وفي اختيار أسيري لهذا الاسم، تقول باديس إنه ميل وضاح «إلى اختيار الاسم الإجناسي دون تحققاته الثقافية»، ما يحملنا على التفكير بـ «الجندر»، وكيف يتم التعامل معه بحسب الثقافة، على أن ذلك يستدعي الاستفهام حين نجد الرجل حاضرا في معظم المجموعة، معتبرا أن طريقة كتابة النص في مجموعتها هو «كشف الوجوه المختلفة».
ثم انتقلت باديس إلى دلالة عدد فقرات أو ألواح الديوان، المتكونة من تسعة وتسعين عددا، وهي تشير في الثقافة العربية والإسلامية إلى أسماء الله وصفاته الحسنى، غير أن الاختلاف بينه وبينها أن ألواح أسيري نزلت و «لم تكن كلها مخرجة مخرج الصفة»، والأمر الثاني والكثير من هذه الصفات سلبي، يشير إلى أدنى المنازل وأقلها.
وفي ختام الورقة التي قدم لها الشاعر البحريني علي عبدالله خليفة، تقول باديس: «نلاحظ عندها سعياً إلى بناء معنى لا ينفصل عن النص، بل هو ينبني بانبنائه، فالشاعرة في كثير من نصوصها لا تنطلق من معنى حاصل سابق على النص، تأتي العبارة لتحيط به وتقوله، وإنما المعنى يتخلق في رحم النص فينشئه الشكل، إنشاء لا تدرك الشاعرة نفسها طبيعته ونوعه».
وفي نهاية الأمسية كانت الشاعرة إيمان أسيري تحزم أمتعتها من الملتقى الثقافي الأهلي، متجهة إلى مطار البحرين، وبرفقتها الشاعر أحمد العجمي، لحضور مهرجان شعري في مدينة باريس، سيمثلان فيه شعراء البحرين، كما ستقام لهما أمسيات مختلفة في سائر مدن فرنسا
العدد 1532 - الأربعاء 15 نوفمبر 2006م الموافق 23 شوال 1427هـ