العدد 1538 - الثلثاء 21 نوفمبر 2006م الموافق 29 شوال 1427هـ

«حوري»... «شهد»... «ضحى» 3 شمعات أشعلت الفاجعة في قلوب الناس

وجود «مريم» الصغيرة لدى مرضعتها أنقذها من الموت

لم يتمالك المسعفون الذين نقلوا الشمعات الثلاث «حوري» و«شهد» و«ضحى» مساء أمس الأول (الإثنين) الى مشرحة مجمع السلمانية الطبي أنفسهم أمام المشهد المفجع، إذ اغرورقت العيون بالدموع وهي تنقل أجسادًا صغيرة نضرة الى حيث تتمدد على لوح معدني بلا حراك... تماماً كالشمعة إذ تنطفئ، أو كالزهرة اليانعة التي يصهرها لهيب الشمس.

في مساء ذلك اليوم، وبعيد صلاة المغرب بقليل، كان رجال الإطفاء والمسعفون ينطلقون الى حيث العمارة التي تضم شقة اشتعلت فيها النيران إثر بلاغ من الجيران، وما أن وصلوا بعد وقت طويل بسبب الممر الضيق المؤدي الى المكان حتى اقتحموا تلك الشقة، ليخرجوا الأطفال الثلاثة «حوري» ذا السنوات الخمس، و«شهد» ذات السنوات الأربع و«ضحى» ذات العامين من عمرها... ولم يكونوا فارقوا الحياة بعد... إلا أن محاولات إنقاذهم فشلت لشدة كمية الأدخنة التي تسببت في موتهم اختناقاً، فيما لم تصب أجسادهم بأية حروق.

لماذا تتكرر هذه الحوادث؟

عصفت هذه المأساة التي أشعلت الفاجعة في قلب المجتمع البحريني، إلا أن تفاصيل كثيرة مهمة يلزم الوقوف عندها حتى لا نخسر المزيد من الأطفال... ففي العام 1995 فقدت قرية جنوسان 3 أطفال في حادث حريق مماثل، وقبل حوالي 4 أو 3 أعوام توفي طفلان حرقاً في شقة بالمنامة، وتكاد الأسباب تكون متقاربة والحوادث متكررة، وهنا، تروي شقيقة الأب (أ. ح) مشهداً من القصة عندما تم إبلاغهم بوقوع حريق في شقة شقيقها ووفاة أطفاله الثلاثة، تقول: الأب الذي كان مسافراً لابتياع بضاعة من الفلبين، متزوج من سيدة فلبينية هي والدة الأطفال الثلاثة المتوفين، وطفلة رضيعة اسمها «مريم» عمرها شهور تعودت أمها على تركها لدى مرضعة نظراً إلى انشغالها في العمل وهو ما كتب لها نجاة من الموت. والأب متزوج من سيدة سورية ولديه منها أيضاً ستة أطفال، وكانت الشقة بلا كهرباء إذ كان التيار مقطوعاً بسبب عدم دفع الفاتورة لما يزيد على شهر كامل، وكذلك كان حال الأب صعباً نظراً إلى كونه عاطلا عن العمل. وبحسب المعلومات الأولية، فإن الحريق وقع بسبب استخدام الشموع في الشقة، لكن أقارب الأسرة يقولون إن الوالدة لم تكن تستخدم الشموع اطلاقاً، بل استخدمت مصباحاً يدوياً لإضاءة الشقة ليلاً، وكانت تودعه لدى صاحب البقالة في حال خروجها ثم تعود لتتسلمه.

وتستغل شقيقة الأب الفرصة لتبعث رسالة إلى المسئولين في وزارة العمل بإيجاد وظيفة لشقيقها الذي يعول بيتين، وتطالب بمحاسبة من لم يتعاون مع شقيقها في إعادة التيار الكهربائي الى الشقة والنظر اليه بعين العاطفة نظراً إلى كونه يمر بظروف معيشية في غاية الصعوبة، مع إيمانها أن كل ذلك لن يعيد الأطفال الى دار الدنيا، فإن مراعاة ظروف المواطن الذي يعمل ويشقى أمر واجب على الدولة!

شاهد عيان.. يروي!

«كان المشهد مؤلماً بالنسبة إليه، وكان يعتقد أن حادثاً مرورياً وقع جعل تلك السيدة تركض في الشارع»، فالمواطن (حسين.ت) كان قريباً من موقع المبنى الذي شب فيه الحريق وشاهد الأم تنزل من سيارة أجرة لتهرول ركضاً الى الموقع بسبب شدة الزحام المروري في الطريق المؤدية الى العمارة، وهو ما أدى الى تأخر وصول سيارات المطافئ والإسعاف نظراً إلى وجود ممر واحد ضيق، وبعد ذلك، شاهد الأم أيضاً تصرخ وتركض في حال هستيرية.

الدفاع المدني يحقق في الحادثة

كان السبب الأول الذي وضع في التحقيقات الأولية هو نشوب حريق بسبب استخدام الشموع، الا أن مصدراً بالدفاع المدني أشار الى أن الشموع تأتي من بين الاحتمالات ولكن التحقيق جار لمعرفة الأسباب بالضبط وخصوصاً أن هناك شكوكاً أيضاً في التوصيلات الكهربية للمبنى التي تتطلب فحصاً دقيقاً حتى مع نزع موصل التيار «الفيوز» من مكانه، لأن هناك احتمالا بأن يكون تسرب مياه الأمطار الى نقطة كهربية ما قد تسبب في حدوث الحريق من مصدر من خارج الشقة، ورفض المصدر اعطاء تفاصيل جديدة.

العضو البلدي تابع الحادثة

يبدو أن هناك مشكلات أخرى متعددة ترتبط بالحوادث ذاتها ولذلك فهي تتكرر، فإذا عدنا الى حريق عمارة القضيبية الذي وقع شهر أغسطس/ آب من العام الجاري ولقي فيه 16 آسيوياً مصرعهم وجرح فيه 11 آخرون، فيمكن وضع اليد على خلل في عدم تطبيق الإجراءات الفنية والقانونية لسلامة المبنى، وفي حادث الحريق الأخير حضر عضو مجلس بلدي العاصمة الممثل عن المنطقة صادق رحمة لمتابعة الموضوع، إذ عبر عن أسفه لوقوع الحادث، ولكنه أشار الى أن المنطقة السكنية التي وقع فيها الحريق تعد من المناطق الضيقة التي لا تسمح بالدخول والخروج منها الا من خلال ممر ضيق وقد تمت المطالبة فعلاً باعادة النظر في مداخل ومخارج هذه المنطقة، مشيراً الى أن التحقيقات الأولية تشير الى وقوع الحريق بسبب الشموع ولكن التحقيقات مستمرة، أما من ناحية الأم فقد أصيبت بانهيار شديد بسبب الصدمة ونقلت الى المستشفى وكان متوقعاً عودة الأب مساء أمس (الثلثاء) من رحلته.

الحوادث مخيفة فعلاً

هذا الحادث دفع المتخصصين في مجال الحماية الأمنية إلى التنبيه إلى خطورة الكثير من الأخطاء المهملة، فجاسم السندي، وهو صاحب مؤسسة في مجال أنظمة الحماية، تابع الحريق الأخير كما تابع غيره من الحوادث، وهو يشير الى أن الكثير من الأسر بدأت تهمل اشتراطات السلامة من الحريق، ومنها فئات مثقفة ومتعلمة فمشكلات التوصيلات الخاطئة واستخدام مسببات الحريق لاتزال قائمة على رغم نشاط الدفاع المدني في توعية الناس.

هذا من الناحية الفنية، أما من الناحية الاجتماعية، فيشير جاسم الى أن هناك مسئولية مجتمعية في المشاركة في الحياة اليومية، فيقول: «فعلا، كما تفضلتم، لقد وقع الحادث في منطقة لا يعرف فيها الجار جاره، ولو كان الوضع في قرية لوجدت الناس تهرع وتتعاون مع بعضها بعضا، ولما وجدت الأب أيضاً قد تعرض لمثل هذه الظروف، لكن بودي أن أنبه الى نقطة ليست من اختصاصي المهني ولكنني كفرد في المجتمع أرى أن من يتزوج من أجانب وينجب وهو ليس قادراً على رعاية منزلين وأسرتين وعدد كبير من الأطفال فلا يجدر به فعل ذلك... لو عدنا الى مثل هذه الحوادث فسنجد الإهمال قائماً... أعلم أن الحادث مؤلم، لكن لابد من أن ننتبه، صحيح، أننا نحب الخير ونتعاون، ولكن من غير المعقول أن نفقد أطفالاً في عمر الزهور بسبب أمور ما كان يجب أن تقع».

واقترح جاسم صوغ برنامج توعية مكثف طيلة العام يتم توجيهه الى جميع المواطنين والمقيمين بعد استمرار وقوع الحرائق بسبب تسرب الغاز من الأسطوانات وكذلك بسبب مراوح الشفط وبسبب الشموع والمواد القابلة للاشتعال.

ولعل في مقترح محدثنا نقطة مهمة، فليس يكفينا أن نشعر بالحزن لوقوع مأساة يذهب ضحيتها الأطفال، من دون أن يكون للجانب العقلي، والعاطفي معاً، مكان لحماية فلذات أكبادنا

العدد 1538 - الثلثاء 21 نوفمبر 2006م الموافق 29 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً