العدد 1538 - الثلثاء 21 نوفمبر 2006م الموافق 29 شوال 1427هـ

كشكول رسائل ومشاركات القراء

الانتخابات البرلمانية والأساليب الملتوية

بعد أربع سنوات من التجربة الأولى وبفضل وعي المنتخبين وإحساس غالبية المترشحين بصعوبة العملية الانتخابية إذ دخلت على الخط الجمعيات المعارضة... رأينا بعد كل هذا الزخم تغيرات جوهرية في المفاهيم الانتخابية ما حدا بالبعض لانتهاج أساليب جديدة لجذب الناخبين للخيام الانتخابية وذلك باستضافة بعض المشايخ والسياسيين من الداخل والخارج لإلقاء محاضرات وعمل ندوات بقصد تقوية عضد المترشح وإضفاء الشرعية على العملية الانتخابية. غير أننا وجدنا في بعض هذه اللقاءات أمورا تتنافى والقيم والأخلاق الإسلامية. منها على سبيل المثال أن يقوم الضيف بمدح المترشح وإيصاله إلى مرتبة الصحابة الكرام والأولياء العظام. ثم يقول للحضور إنه يعرف هذا المترشح وإنه يزكيه وإنه أفضل شخص لدخول البرلمان! وفي ذلك يحصل المحظور من عدم جواز تفضيل شخص على شخص أو أشخاص آخرين من المترشحين والمترشحات في الدائرة المعنية من دون العلم بخبرة وأخلاق وكفاءة من ينافس المستضيف. وقد سألت أحد العلماء عن هذا الفعل فأخبرني بعدم جواز أن يمدح شخص شخصا آخر في حضرته وذكر لي أن النبي (ص) قال: «‏إذا رأيتم المداحين ‏ ‏فاحثوا ‏ ‏في وجوههم التراب»

كما روى الإمام مسلم في صحيحه القصة الآتية التي حدثت في عهد ذي النورين عثمان بن عفان (رض): «فقد روى مسلم في صحيحه عن‏ ‏همام بن الحارث ‏أن رجلا جعل يمدح ‏عثمان ‏ ‏فعمد‏ ‏المقداد‏ ‏فجثا على ركبتيه وكان رجلا ضخما فجعل ‏يحثو ‏في وجهه الحصباء فقال له ‏ ‏عثمان: ‏ما شأنك؟ ‏ ‏فقال ‏:‏إن رسول الله ‏(ص) ‏ ‏قال: «إذا رأيتم المداحين ‏فاحثوا ‏ ‏في وجوههم التراب» رواه مسلم في باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وخيف منه فتنة.

وهذا نهي صريح بعدم جواز المدح الذي قد يفضي إلى فتنة. فكيف للمتحدث أن يمدح شخصا آخر وقد يكون هذا الشخص في الظاهر طيبا وفي الباطن سيئا؟! وهذا لا يجوز بالمتحدثين السياسيين فكيف بالعلماء والدعاة؟! فمن باب أولى أن يمتنعوا عن ذلك. وقد روى لي صديق أنه في انتخابات 2002 وفي إحدى دوائر المحرق تحديدا دعا أحد المترشحين أحد الدعاة ليلقى محاضرة في مقره الانتخابي فلما حضر الداعية شاهد صور المترشح معلقة على الجدران فسأل عنها فقيل له إنها للانتخابات البرلمانية، فلما علم بذلك أخبر أنه لم يعلم بذلك وانسحب قبل دخول المقر مع أنه تم الإعلان عن محاضرته في تلك الخيمة ورتب له ذلك من فترة! فلما سأل عن سبب رفضه دخول المقر الانتخابي ليلقي المحاضرة قال: إن ذلك لا يجوز مخافة أن يعتقد الحاضرون أنه (أي الداعية) أتى إلى هذا المكان ليزكي هذا المترشح وقد يكون في ذلك مفسدة كبيرة.

وهذا أمر خطير وجب التنبيه إليه حتى لا نسوق الناس سوقا لانتخاب شخص معين قد لا يكون هو الأكفأ بين أقرانه المترشحين في دائرته الانتخابية وحتى لا يقع الفأس في الرأس ونتحسر على سوء الاختيار لأربع سنوات قائمة، وكل ذلك بسبب إاتباع عدد كبير من الناس توصية أو تزكية من شخصية معروفة لمترشح معين لا تكون بينهما علاقة قوية.

وأذكر في هذا المقام قصة طريفة حدثت مع الفاروق عمر بن الخطاب (رض) عندما ادعى شخص معرفته بشخص آخر إذ قال الرجل لعمر: أنا أعرف فلانا. فقال له عمر: هل سكنت معه؟ قال الرجل: لا، فقال له عمر: هل سافرت معه؟ قال الرجل: لا، فسأله الفاروق: هل تعاملت معه بمال؟ قال الرجل: لا ،فقال له عمر (رض): إذا لا تعرفه!

هكذا كان السلف الصالح في تعاملهم مع بعضهم بعضا أو مع الغير... تعامل صريح وواضح وشفاف لا مغالاة فيه ولا تجريح بل الصراحة والصدق والأمانة. وقد قال الحكماء: ليس «الصديق من صدّقك ولك الصديق من صَدَقَكَ».

لكن الأسوأ من ذلك كله ما تقوم به إحدى الجمعيات السياسية الدينية بتكفير منافسيها الآخرين من غير قائمتها والتشهير بهم في المحافل الدينية ومن على المنابر والضغط على الناخبين لانتخاب مرشحيها فقط والقيام بمسح المناطق وعمل سجلات لأهالي كل منطقة تسجل فيها أسمائهم وبياناتهم الشخصية عناوينهم وأرقام الاتصال. كما وتأمر الناس بأن ينتخبوا مرشحهم فقط في الدائرة المعنية. علما بأن أسلوب التحريض والطعن والتشهير يعاقب عليه القانون وهو في الوقت نفسه أسوأ من الرشاوى وباقي الحيل المبتكرة.

وإذ إن هذا العمل الخطير مناف للأخلاق والأعراف الإنسانية والدولية فإننا ندعو الجهات الحكومية والرقابية في المملكة إلى تقديم تحذير رسمي لكل من تسول له نفسه القيام بهذه المخالفات بأنه سيتم إسقاط اسمه أو أسماء مترشحي هذه الجمعية من القوائم الانتخابية إذا ما استمرت الجمعية في هذا النهج الجائر الظالم المنافي لروح الحياة الديمقراطية التي ضمنها لنا الدستور.

كما يجب التنويه إلى ضرورة أن يكون المترشح قويا أمينا لهذا المنصب المهم، قادرا على إيصال صوت الشعب إلى الحكومة وخدمة الشعب بكل ما أوتي من قوة. ثم إن هذا المنصب هو تكليف وليس تشريفا إذ قال المصطفى (ص) عندما طلب من أحد الصحابة الكرام توليته الخلافة على إحدى الإمارات «إنها أمانة وإنها يوم القيامة حسرة وندامة». وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

عمر عبدالله المختار

العدد 1538 - الثلثاء 21 نوفمبر 2006م الموافق 29 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً