اعتبر محللون صدور عدة أحكام حديثا في حق نواب اتهموا بالفساد الانتخابي مؤشرا على رغبة المغرب الذي يقول انه يعيش انتقالة ديمقراطية في إبداء حسن النوايا للقطيعة مع الماضي الذي يقول سياسيون ومراقبون انه شهد تزويرا لعدد من الانتخابات وبعد أن أصبحت الانتخابات التشريعية المقبلة على بعد بضعة أشهر.
وقال المحلل السياسي والأستاذ الجامعي ميلود بلقاضي «البعد السياسي للحكم على هؤلاء النواب هو أن الدولة تمرر رسائل سياسية مضمونها أن من سيزور الانتخابات المقبلة سيطبق عليه القانون». واعتبر بلقاضي أن «الدولة لأول مرة تكون صارمة وتطبق المساطر القانونية في حق المزورين وهذا شيء ايجابي جدا». وطعنت عدة أحزاب سياسية خاصة اليسارية من قبل في الانتخابات المغربية وقالت إنها مزورة ولا تعكس الخارطة السياسية الحقيقية للبلد.
وأصدرت محاكم مغربية الأسبوع الماضي أحكاما في حق مسئولين ونواب أدينوا بتهم «الرشوة وشراء الأصوات» على إثر انتخابات تجديد ثلث النواب في مجلس المستشارين في البرلمان المغربي في سبتمبر/ أيلول الماضي. وصدرت هذه الأحكام في كل من مدن بني ملال وأسفي وفاس وتراوحت ما بين السجن سنة وسنة ونصف وغرامات وصلت إلى 60 ألف درهم (7500 دولار) كما منع نائب برلماني في أسفي من ترشيح نفسه في الانتخابات لمدة ولايتين متتاليتين. ومن المنتظر أن يستأنف النواب المدانون هذه الأحكام أمام محاكم الاستئناف. وجاءت رغبة المغرب في القطيعة مع كل أشكال استعمال المال والنفوذ في الانتخابات على لسان أعلى هيئة سياسية في البلاد. وقال العاهل المغربي محمد السادس في خطابه الموجه إلى البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الحالية «إننا لندعو مختلف الفاعلين المعنيين بالعملية الانتخابية إلى المساهمة بفعالية في جهود تخليقها والسمو بها عن المزايدات العقيمة وعن الاستعمال اللامشروع للمال والنفوذ مع الترفع عن الحسابات الشخصية والحزبية».
وأعلن العاهل المغربي في نفس الخطاب عن عزمه «ترسيخ الخيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه». وجاء المغرب في المرتبة 79 في سلم الرشوة في سنة 2006 من بين 163 دولة كما جاء وضعه متراجعا أيضا في سلم الشفافية ووقف على قدم المساواة مع كل من بوركينا فاسو وليسوتو ومولدوفا وترينيداد وتوباجو. وقال تقرير لمنظمة الشفافية (ترانسبيرانسي) أن المغرب عرف «تدهورا مقلقا في السنوات الأخيرة» من جانب ترتيبه في سلم الرشوة.
وقال رئيس فرع المغرب في منظمة ترانسبيرانسي عزالدين أقصبي في تعليقه على إصدار الأحكام على النواب المتهمين بالرشوة «هذا شيء مهم لكنه غير كاف لتعبر الدولة عن نيتها في القطيعة مع كل أشكال الرشوة والفساد». وأضاف «نحن بالكاد في بداية محاربة الفساد...لسنا متفائلين ولا أظن أن هذه ضمانة بالنسبة لانتخابات 2007 بأنها ستكون سليمة» مشيراً إلى دراسة أجنبية قال إنها استكملت حديثا وستنشر لاحقا جاء فيها أن «وضع المغرب سيء جدا في مجال الرشوة والفساد». وقال «قضية الرشوة يجب ضبطها من جميع نواحيها القانونية والاجتماعية والاقتصادية».
ومن جانبه، نفى وزير العدل المغربي محمد بوزبع في برنامج تلفزيوني بث أخيرا تداخل الملفات السياسية والقضائية في المغرب وقال «ملفات الفساد المالي كغيرها من الملفات تتم في إطار من النزاهة والاستقلالية ومن دون انتقائية». واعتبر بوزبع أن الخطر على استقلالية القضاء «نابع من استعمال سلطة المال... لذلك عملت الحكومة على تحسين أوضاع القضاة خاصة المادية». ومن جهته، وصف رئيس هيئة حماية المال العام طارق السباعي - وهي هيئة حقوقية مستقلة هذه الأحكام القضائية «بالجريئة» - وقال «المفسدون وناهبو المال العام يرتكبون جرائم ضد تنمية البلاد والدولة مطالبة بحرمانهم من حقوقهم السياسية والوطنية». وأضاف «لكن على الدولة أن تبرهن على صدقيتها بالحسم في عدد من القضايا كقانون تبييض (غسيل) الأموال الذي لم تصادق عليه بعد... وتغيير القوانين الانتخابية وتخليق الحياة العامة»?
العدد 1544 - الإثنين 27 نوفمبر 2006م الموافق 06 ذي القعدة 1427هـ