تشير واشنطن إلى التزامها العسكري تجاه حلفائها دول الخليج العربية في وقت تشهد فيه شراكتهما التي بدأت قبل عشرات السنين توتراً غير معتاد. وأدى الصراع في سورية والبرنامج النووي الإيراني إلى توترات وتريد دول الخليج العربية رداً جازماً بشكل أكبر من الولايات المتحدة لوقف البرنامج الإيراني.
وأدت زيادة استقلال الولايات المتحدة في مجال النفط إلى زيادة تعقيد العلاقة التي تأسست على النفط والدفاع. وبدأت بعض دول الخليج العربية تتساءل عما إذ كان هذا التحالف لا يعدو عن كونه «زواج مصلحة لفترة محدودة من الزمن» وذلك وفقاً لرؤية وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر في مقابلة العام 2007 لعلاقة واشنطن بالمملكة العربية السعودية. وتتحرك واشنطن للقضاء على كل هذه الشكوك مشيرة إلى أن شراكتها العسكرية مع دول الخليج العربية التي تسيطر على ثلث احتياطي العالم النفطي ستظل راسخة حتى إذا جرى تقليصها بخفض الموازنة في الولايات المتحدة. وقال مسئول كبير رافق وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل في جولته في الشرق الأوسط الأسبوع الماضي «لن تذهب الولايات المتحدة لأي مكان. إنها ملتزمة تماماً بأمن كل شركائنا الإقليميين... نتفهم بشكل واضح التهديدات في المنطقة». وبدأ هيغل جولة دامت أسبوعاً بعد أن قالت وزارة الدفاع (البنتاغون) إنها تضع اللمسات النهائية على اتفاق أسلحة حجمه عشرة مليارات دولار ستعزز من جيشي السعودية والإمارات العربية المتحدة وكذلك إسرائيل. وسيؤدي الاتفاق الذي تجري مناقشته منذ أكثر من عام إلى بيع 25 طائرة من طراز إف 16 ديزرت فالكون قيمتها نحو خمسة مليارات دولار للإمارات.
وقبل أيام من الجولة استقبل الرئيس باراك أوباما ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في البيت الأبيض. وفي بيان مشترك أكدا التزاماً مشتركاً «بالتعاون الدفاعي والأمني الوثيق بما في ذلك تدريبات عسكرية مشتركة وتعاون في مناهضة الإرهاب ونشر أنظمة دفاع أميركية قابلة للتشغيل المتبادل. والاتفاق وحفاوة استقبال الولايات المتحدة للشيخ محمد هما أحدث اشارات ترسلها واشنطن للمنطقة بشأن تصميمها القوي على دعم الأسر الحاكمة في دول الخليج العربية حلفائها في مواجهتها مع إيران. وتقول الوكالة الدولية للطاقة إنها تتوقع أن يستمر تراجع واردات النفط الأميركية مع تحول أمريكا الشمالية إلى مصدر صاف للنفط بحلول 2030 تقريباً ومع تحول الولايات المتحدة إلى شبه اكتفاء ذاتي في الطاقة بحلول 2035 .
وقال مسئول أميركي مقره في الشرق الأوسط إنه من المرجح أن يظل تأمين الطاقة العالمية جزءاً مهماً من الاستراتيجية الأميركية. وأضاف أنه بالرغم من أن الصفقات الأميركية من نفط دول الخليج العربية قد تكون تتراجع إلا أن الاعتماد العالمي يتزايد مشيراً إلى أن هذه الحقيقة تفرض الدعم الأميركي.
وقال لس يانكا المسئول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الدفاع والذي يرأس حالياً هيئة استشارية للأعمال في الرياض «لأن صحة الاقتصاد الأميركي مرتبطة بشكل وثيق بصحة الاقتصاد العالمي فهناك مبرر لأن تساعد واشنطن في حماية حلفائها» في دول الخليج العربية.
ولكن الطاقة ليست مثار القلق الوحيد إذ إن التصورات المتعلقة بتراجع الاقتصاد الأميركي وانسحاب القوات الأميركية أولاً من العراق والآن من أفغانستان كلها عوامل أدت إلى عدم وضوح الصورة الأمنية بالنسبة لدول الخليج العربية. والخوف من امتداد الربيع العربي يعني أن السلطات في الدول الخليجية العربية تشعر بتهديدات مستقبلية من قوى داخلية مثلها مثل القوى الخارجية التي كانت السبب الرئيسي للدعم العسكري الغربي.
وقال شاشانك جوشي من المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن إن مسئولين خليجيين عرب على دراية على ما يبدو بأن التهديد الداخلي الذي يواجهم الآن «لا يحرك الأميركيين بنفس الطريقة» التي كانت التهديدات الخارجية تحركهم بها. ومكرراً وجهة نظر العديد من المحللين الغربيين قال روبرت جوردان السفير الأميركي السابق لدى الرياض والمتمركز الآن في دبي إنه يشعر بقلق من رسالة «نحن هنا اليوم وسنرحل غداً» التي قد تشير إلى انسحاب. وتابع «المفاهيم السائدة تتحول إلى واقع في هذا الجزء من العالم».
ويدرك حكام الخليج تماماً انهم يعتمدون في أمنهم على أناس يعيشون على بعد آلاف الأميال ولا يشتركون معهم في الديانة أو أسلوب الحياة وفوق كل هذا يتعاطفون مع دافع إرساء الديمقراطية في دول الربيع العربي.
وفي ديسمبر/ كانون الأول أعلنت قمة لدول مجلس التعاون الخليجي الست خططاً لتشكيل قيادة عسكرية موحدة لتعزيز التعاون الدفاعي. ودول مجلس التعاون الخليجي مسلحة بشكل جيد. وارتفع الانفاق الدفاعي في دول مجلس التعاون الخليجي نحو تسعة في المئة ليصل إلى 74 مليار دولار العام الماضي وفقاً لتقديرات نيكول لوزر المحللة بشئون الشرق الأوسط في مؤسسة فوركاست إنترناشونال.
العدد 3889 - الثلثاء 30 أبريل 2013م الموافق 19 جمادى الآخرة 1434هـ