قال رئيس كلية البحرين الجامعية الشيخ خالد بن محمد آل خليفة في حديث إلى «الوسط» إن قطاع التعليم العالي الخاص تحول في البحرين الى «ضرب من النصب والاحتيال»، مشيرا الى «ان هناك مأساة في البحرين بوجود 12 جامعة خاصة على رقعة جغرافية محدودة! هذا لو افترضنا أن هذه الجامعات هي جامعات جيدة فعلا، لأنه لا توجد نسبة وتناسب بين عدد السكان وعدد الجامعات الخاصة التي تعمل فعليا. في بريطانيا وكندا على سبيل المثال، هناك تمثيل لجامعة واحدة لكل مليون نسمة».
وأضاف «وليسمح لي المسئولون بوزارة التربية والتعليم ومجلس التعليم العالي أن أقول: لا يليق بجهة حكومية أن تتستر على ممارسات خاطئة، وإذا قيل إن هذا غير صحيح، هل يمكن التستر على أمور واضحة وضوح الشمس؟ وخصوصا أن بعض الدول المجاورة ترسل فرق عمل لتقييم أداء الجامعات وتستمع إلى طلبتها وتطلع على الأساليب المتبعة في الدراسة الجامعية وأنظمتها، والكارثة وقعت في الحقيقة بسبب سياسة التستر على الجامعات المخالفة».
سار - سعيد محمد
هذا الحوار، ليس الأول، ولن يكون الأخير قطعا ضمن الحوارات الجارية بشأن الجامعات الخاصة والمؤسسات الأكاديمية في البحرين، وكذلك مع المسئولين في وزارة التربية والتعليم ومجلس التعليم العالي، فنحن أمام قضية مهمة لا يجب أن تهمل، وهي وضع الجامعات الخاصة في البحرين، وما تتعرض له «سمعة التعليم الجامعي» في البلاد إثر ممارسات لم تعد خافية، وكان من بين أكبر آثارها السلبية القرار الذي اتخذته وزارة التعليم العالي بدولة الكويت الشقيقة برفض الاعتراف بشهادات ستةجامعات خاصة تعمل في البحرين، وهي القضية التي شهدت كرا وفرا على مدى الأعوام الماضية، لكن ساكنا لم يتحرك.
في هذا اللقاء مع رئيس كلية البحرين الجامعية الشيخ خالد بن محمد آل خليفة، التي خرَّجت فوجها الخامس حديثا، سنقف عند محطات تهدف إلى إيصال كلام صريح إلى المعنيين... عبر هذه السطور:
كيف تنظرون إلى الضجة المثارة حول قرار وزارة التربية والتعليم الكويتية رفض شهادات 6 جامعات بحرينية خاصة؟ وما أبعاد مثل هذا القرار من وجهة نظركم؟
- في غمرة الضجة التي حدثت بعد قرار وزارة التعليم العالي في دولة الكويت الشقيقة، وما تمخض عنه من رفض الاعتراف بشهادات ست جامعات خاصة، ليس في وسعي إلا القول إن هناك مأساة في البحرين بوجود 12 جامعة خاصة على رقعة جغرافية محدودة! هذا لو افترضنا أن هذه الجامعات هي جامعات جيدة فعلا، لأنه لا توجد نسبة وتناسب بين عدد السكان وعدد الجامعات الخاصة التي تعمل فعليا. في بريطانيا وكندا على سبيل المثال، هناك تمثيل لجامعة واحدة لكل مليون نسمة، أما أن يكون لكل مليون نسمة «درزن» جامعات فهذا ما لا يمكن قبوله! وكل ذلك يعود إلى أنه تم منح تراخيص لما يسمى بالجامعات من دون اعتماد شروط جودة. القليل من هذه الجامعات يمتلك مباني وتسهيلات، وامتلاك المباني من قبل الجامعة يعتبر أحد أهم أركان تقييم جودة هذه الجامعة أو تلك.
في حفل تخريج الفوج الخامس من كلية البحرين الجامعية، أشرت في خطابي إلى الحاجة الماسة إلى عمل حقيقي لتعديل وضع الجامعات الخاصة، بل ووصفت بعض تلك الجامعات بأنها تقوم بأعمال خاطئة، ووصفتها بأنها أعمال مخلة بالشرف والأمانة، وأنا أعني ما أقوله ومسئول عنه... فماذا يعني وجود فصل دراسي جامعي بسعة 30 مقعدا ويسجل فيه حوالي 120 طالبا وطالبة؟! ما تفسير ذلك؟!
والإجابة، أن هذا ضرب من النصب والاحتيال، فليس في وسع الطالب أن يسترجع نقوده حين يرفض هذا الوضع، ويقال له إنه من سياسة تلك الجامعة «استرجاع الرسوم»! علاوة على ذلك، تجد بعض طلبة تلك الجامعة، وخصوصا الخليجيون منهم، يجلسون على الأرض وبعضهم يضطر إلى إحضار مقعده من خارج الجامعة، وكأن الجامعة تريد أن تقول لهؤلاء الطلبة: «ليس هناك من داع للحضور؟!». أضف إلى ذلك، أن بعض «الدكاكين الجامعية» تعتمد أسلوب «أستاذ واحد للصف» يدرس كل المواد، فهل هذا يليق بالجامعة؟
إذا، أليس هذا نصبا واحتيالا؟ ولماذا يزعل البعض حين يقال عن مثل هذه الجامعات، أو يقال إن لديكم في البحرين جامعات «نصابة ومحتالة»؟
وليسمح لي المسئولون بوزارة التربية والتعليم ومجلس التعليم العالي أن أقول: لا يليق بجهة حكومية أن تتستر على ممارسات خاطئة، وإذا قيل إن هذا غير صحيح، هل يمكن التستر على أمور واضحة وضوح الشمس؟ وخصوصا أن بعض الدول المجاورة ترسل فرق عمل لتقييم أداء الجامعات وتستمع إلى طلبتها وتطلع على الأساليب المتبعة في الدراسة الجامعية وأنظمتها، والكارثة وقعت في الحقيقة بسبب سياسة التستر على الجامعات المخالفة، ولا أخفي قولا حينما أقول إنني أسعى للاتصال بمجلس النواب لشرح الموضوع بكامل تفاصيله، باعتباره القناة لإيصال صوتنا إلى صناع القرار، ونحن في الواقع نلتمس من جلالة عاهل البلاد، أن يشكل لجنة للنظر في أوضاع الجامعات الخاصة، وأنا متيقن، كما تعلمنا من جلالة الملك، أن ليس هناك أحد فوق القانون.
لكن، لو دخل البرلمان على الخط هل سيعالج الوضعية؟
- هل يقبل المواطن البحريني على بلاده، بل وهل تقبل وزارة التربية والتعليم أن يقال عنا إن في بلادنا جامعات تبتز الشباب؟ لا طبعا، ولا يمكن أن تقارن جامعات البحرين بجامعات في بعض الدول الآسيوية، ليقال: «اذهب إلى البحرين وستحصل على شهادة».
وماذا عن لوائح مجلس التعليم العالي ودوره، وخصوصا بعد إلزام الجامعات بتعديل أوضاعها أو تطبيق العقوبات عليها في حال عدم التزامها... والكثير من الأمور التي لا يبدو أنها أسهمت في حل المشكلة؟
- إذا افترضنا أن هناك جامعة لديها 7 آلاف طالب وطالبة، وتبلغ كلفة الطالب الواحد في العام الأكاديمي 3 آلاف دينار، فهي تدر في العام 21 مليون دينار، وهي أصلا لا تبلغ كلفتها، أي الجامعة، 2 مليون دينار! فلو صدر قرار بإغلاق تلك الجامعة غدا، ترى هل ستخسر بعد أن كونت عشرات الملايين وحققت ثروة؟ أبدا.
هذه الجامعات، أنشئت في الفترة الواقعة بين العامين 2001 و2004، والمشكلة التي أرجو أن يتسع صدر الاخوة في مجلس التعليم العالي لها، هي أن المجلس ولد معوقا! فهل يعقل أن يضم مجلس تعليم عال أكثر من 20 عضوا؟
في الدول الأخرى لا يزيد عدد أعضاء مجلس التعليم العالي على تسعة أو عشرة أعضاء. وللعلم، تطرقت في حوار صحافي سابق إلى وضعية مجلس التعليم العالي، وقلت إنه ليس هناك قانون فوق النقد، فتضايق بعض الأخوة في المجلس وقالوا إن قانون التعليم العالي صدر بمرسوم ملكي، ولا أدري كيف نظروا إلى أن القانون لا يمكن تغييره، فحتى الدستور له آلية للتغيير. وحديثا، اكتشفت أن قانون التعليم العالي لدينا هو نسخة من قانون معتمد في إحدى الدول العربية(الأردن) حتى في شأن نظام الساعات المعتمدة... إن نظام الساعات المعتمدة المطبق في الجامعات العالمية هو نظام أميركي، وخبراء التعليم العالي أنفسهم يجمعون على أن أفضل نظام جامعي للساعات المعتمدة هو النظام الأميركي وكذلك النظام الكندي، بل حتى بعض الجامعات البريطانية العريقة تعتمد النظام الكندي.
ودعوني أشير إلى حادثة، فقد التقيت أحد «الخبراء» ، وأرجو إعفائي من ذكر الاسم، وتحدثت معه في شأن نظام كلية البحرين الجامعية وقلت إن نسبة عدد الأساتذة إلى الطلبة لدينا هي 1 إلى 18، وفي القانون، فإن النسبة المقرة هي أستاذ لكل 30 طالبا، وهذا يعني أن وضعنا جيد أم لا؟ فكيف يطلب منا مجلس التعليم العالي استقدام 21 أستاذا من حملة الدكتوراه، ومن أين نستقدم هذا العدد؟! فقال لي: «أنا استقدم لك من (...)، وكل واحد منهم يعمل لديك شهرا كاملا»، فأبلغته أن الفصل الدراسي يمتد إلى ثلاثة أشهر، فكيف يعمل الأستاذ لمدة شهر واحد فقط؟! فقال: «اضغط الفصل»! هل هذا كلام خبير قانوني؟! ولربما سيكذب البعض ما أقول، ولكن هذا ما حصل.
ولله الحمد، فإن جامعتنا خرجت على مدى السنوات السبع الماضية 1000 طالب وطالبة، وخمس هذا العدد من الطلبة الدارسين على حساب الجامعة، وقبل أسبوعين تخرج الفوج الخامس، ونحن نفخر بمستوى خريجينا الأكاديمي، وبمستوى أداء الهيئة التعليمية والإدارية، أما بالنسبة إلى معايير قبول الطلبة الدارسين على حساب جامعتنا، فإن الشرط الأول هو تفوق الطالب أو الطالبة، ثم وضع الأسرة المعيشي، وبدأنا أول ما بدأنا بتقديم المنح للجيران، من أهالي قرى سار والجنبية، ثم توسعنا لقبول أبنائنا الطلبة من مناطق أخرى، وخصوصا من الرفاعين والمحرق.
هناك المدينة التعليمية في قطر، بدأت تأخذ سمعتها الكبيرة، واستضافت الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك مؤخرا في حفل تخريج أفواجها، والبحرين هي مهد التعليم، كيف يتم اختطاف سمعتها، ألا نستطيع أن نوقف هذا الأمر؟
- هناك جامعات خاصة في البحرين يجب إغلاقها في الحال لأنها لا تلتزم ولا بشرط واحد مضبوط! أما بالنسبة إلى النموذج القطري، فهو يختلف تماما عنا، فهناك، الدولة هي التي أشرفت على إنشاء خمس جامعات أجنبية، ووفرت لها التسهيلات وهي تدفع لها مبالغ طائلة، في حين أننا في البحرين نمتلك الخبرات، ونعلم أن البحرين أرسلت البعثات الجامعية من أبنائها إلى الجامعة الأميركية في بيروت منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ومع ذلك، نتعامل أيضا مع خبرات أميركية وفرنسية وغير ذلك، لكن من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن نسبة القطريين يبلغ 10 في المئة فقط، والنسبة الرئيسية وهي 90 في المئة من غير القطريين، وأي توجه لافتتاح جامعات أجنبية في البحرين على الأنموذج القطري سيكون مآله الفشل، ولا أشجع افتتاح جامعات أجنبية بهذا الشكل، وأقولها «بالفم المليان»، إن سياسة تشجيع الاستثمار في التعليم العالي فرخت لنا جامعات وهمية تجارية، هابطة المستوى! وأقول أيضا، إن التعليم العالي ليس مجالا للاستثمار، فهو مجال «non profit» أي لا يسعى لتحقيق الأرباح، ولو شجعت التجار على الاستثمار في مجال التعليم العالي فستكون الأرباح هي هدفهم الأول والأخير، وهذا ما يجري اليوم. الجامعات اليوم... تجارية ربحية.
قال نواب ان قطعة أرض (نصف هورة عالي) تم تخصيصها لإحدى الجامعات الأجنبية، ما رأيك في ذلك؟
- نسجل في كلية البحرين الجامعية سنويا ما بين 100 و120 طالبا وطالبة، نصفهم من المملكة العربية السعودية، ولو تساءلنا عن الدعم الذي تحصل عليه الجامعات البحرينية الساعية حاليا للنهوض بمستوى التعليم العالي، فهو دعم «سلبي»، اذ ان فتح جامعات جديدة أمر سلبي، وحين أعلم أن هناك قطعة أرض ستمنح لإقامة جامعة أجنبية، فالأولى أن أتساءل عن الدعم الممنوح لنا. خذ على سبيل المثال، في سلطنة عمان، تقدر نسبة الطلبة المكفولين من قبل الدولة لدى الجامعات الخاصة بـ 20 في المئة، وتصل النسبة إلى 50 في المئة في بعض الجامعات، وتمت مساندة كل جامعة خاصة هناك بمبلغ يقدر بحوالي 12 مليون دينار بحريني، ولكن ما نلقاه نحن هنا في بلادنا هو الترخيص لجامعات مشبوهة، فواحدة تستقر في شقة وأخرى في فيلا، وكأن الأمر اليوم لا يعدو كونه مجرد مبنى وبعض الأجهزة وعدد من الموظفين.
في رأيك، ما رأس المال المطلوب لافتتاح جامعة مرموقة؟
- الكلفة الأكبر هي كلفة الأرض والمباني، تأتي بعد ذلك كلفة استقطاب الأساتذة، ولكن في حال وجود أعداد كافية من الطلبة، فإن رأس المال يتراوح بين 2 و3 ملايين دينار لجامعة لديها 500 طالب وطالبة، ولو افترضنا أن عدد طلبتها ارتفع إلى 1000 طالب وطالبة، فسترتفع الكلفة حينها إلى ما يتراوح بين 4 و6 ملايين دينار.
ولعلني هنا أستحضر موقفا، وهو أنه حين حصلت كلية البحرين الجامعية على شهادة الأداء المميز في مجال تدريس إدارة الأعمال من بين 32 جامعة في منطقة الشرق الأوسط، وهي شهادة تمنح من منظمة التقييم العالمية (ديويونيفيرسال)، توقعنا أن نتسلم التهاني والتبريكات، وبدلا من ذلك، وصلنا خطاب شديد اللهجة يستفسر وفق سؤال: «لماذا لم تعط الجائزة لأية جامعة أخرى»؟ وفي ظني أن هذا السؤال ليس نابعا إلا من «الحسد»... نحن أول دولة في المنطقة من ناحية ريادة التعليم، وعلى مستوى الخليج أيضا نحن ثاني دولة خليجية من ناحية تقدم التعليم الجامعي بعد المملكة العربية السعودية، فليس مقبولا أن نتسلم خطابا شديد اللهجة بدلا من التهاني والتبريكات، وكأننا رهن استجواب.
ماذا عن اتحاد الجامعات الخليجية، ألا يستطيع فعل شيئا لمنع التدهور المستمر للتعليم العالي في البحرين؟
- هذا الاتحاد تشكل ثم اختفى، المهم بالنسبة إلي هو أن أوصل صوتي إلى المسئولين، وأكرر أنني لا أريد إزعاج أحد منهم إذا قلت إن التعليم العالي في البحرين يمر بمرحلة شديدة الضعف، ويوصف بأنه قطاع «محتال ونصّاب»، ومع شديد الأسف أن يكون هذا هو الواقع... وضع التعليم العالي في البلاد يحتاج إلى وقفة حقيقية وصارمة لإنقاذه مما هو فيه.
العدد 2467 - الإثنين 08 يونيو 2009م الموافق 14 جمادى الآخرة 1430هـ