قال رئيس اللجنة العربية لحقوق الانسان هيثم مناع: «لابد في البحرين من إبقاء ثقة الناس بالتغيير، عبر تغييرات دائمة، وإلانصات لهم حتى لاتحدث القطعية، فالحال النفسية للمجتمع أهم من القرار السياسي». جاء ذلك في حديث خاص أجرته «الوسط» أثناء زيارته للبحرين.
اغتنمنا الفرصة للحوار معه، واستثمرنا وجوده للغوص في الشأن الحقوقي المحلي وعن تطلعاته وتنبؤاته لمستقبل حقوق الإنسان في البحرين. وفيما يأتي نص الحوار:
كثيراً ما تحثون الأنظمة على توقيع الاتفاقات الدولية... صحيح إنها ملزمة قانونياً، ولكن الأنظمة تغض الطرف عنها ولا تعيرها اهتماماً ولا تطبق ما جاء فيها... فلماذا كل هذا الإصرار على التوقيع؟
- يوجد مثل انجليزي يقول: «قطعة خبز أفضل من غياب الخبز». نحن نسعى لبناء دولة قانون، تحترم التزاماتها القانونية، إذ إن أي توقيع لديها يصبح له معنى... ودولة القانون هي الدولة التعاقدية، أي دولة الذمة التاريخية الإسلامية، والعلاقة ما بين الدولة والمجتمع لا يمكن أن تكون إلا بشكل تعاقدي، بقدر ما يحترم الحاكم المحكوم، بقدر ما يمكن للمحكوم أن يصل بالتداول السلمي للسلطة، ويقبل به كحاكم، إذاً أي توقيع على اتفاق الهدف منه اقتصاد العنف في رؤوس الناس وممارساتهم أولاً، ولعزل كل أشكال الحكم التي لا تقبل بفكرة القانون كحكم ووسيط في أي خلاف بينها وبين المجتمع ثانياً، إذاً إن لم تحترم أية حكومة موقعة هذا الالتزام فهي التي ستدفع الثمن... وسيأتي الوقت الذي تدفعه فيه.
وكيف ستدفع الثمن؟
- مثلاً... عندما توقع دولة على اتفاق مناهضة التعذيب، ولا يتم تسليم أي شخص، أو معاقبة من قام بالتعذيب، وذهب هذ الشخص لفرنسا أو سويسرا ليقضي صيفه هناك، (في هذه الحال) يحق لي أن أحاكمه في فرنسا، لأن فرنسا ودولته وقعتا على اتفاق مناهضة التعذيب، وفي المادة الثامنة منها تمكنني من إقامة دعوى عليه... إذاً أي توقيع مفيد.
ولو على مدى بعيد...
- طبعاً... فالتوقيع ليس «مسحة نبي»، وليس معجزة، والاستجابة تحتاج إلى عملية تراكمية، والعمل التراكمي يأخذ وقتاً.
الأرجنتينيون عملوا لمدة 12 سنة لتعديل قانون العفو... أنا لا أتمنى للبحرين 12 سنة لتعدل أحد قوانينها... ولكن ليس هزيمة إن لم تستطع التعديل خلال سنتين، فالمسألة مسألة وقت واستعداد وقدرة على تعبئة العامة، فعندما يشعر المجتمع انه معني بما تطالبين به، وقتها سيصبح هناك أقلية في السلطة والمجتمع قادرة على الدفاع عن الشكل الهمجي لممارسات السلطة، وهذه الأقلية تصبح معزولة وضحية ممارسات عبر مبدأ المحاسبة.
ثمة من يستغرب تعويلكم على «الأمم المتحدة» ذات القرارات المسيسة...
- الأمم المتحدة شطران، شطر يتمثل بمجلس الأمن، وهو شطر يقوم على علاقات القوة في المجتمع الإنساني، فالدول الأقوى هي التي تسيطر عليه وتفرض الخط العام، والشطر الثاني هو ما يسمى المجلس الاقتصادي الاجتماعي ويعد هذا المجلس رجل الدين في المجتمع، فهو الذي يحمل الضمير المطالب بالدفاع عن المسائل الأخلاقية والقانونية عندما تجور الدول الأخرى، ونحن نشاطنا الأساسي في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وليس مجلس الأمن، فعلاقتنا به علاقة تظاهر، إذ نقيم مظاهرة ضده عندما يخرج بقرار سيئ.
غالبية الدول العربية لم توقع العهدين الدوليين (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية)...
- مقاطعاً: على الأقل الأمور «ماشية» في العهدين... فأمرها أفضل من المحكمة الجنائية الدولية التي لم توقع عليها إلا الأردن وجيبوتي...
ولماذا الاحجام عن ذلك؟
- يضحك مازحاً: لأنهم يخافون على رقابهم...
من الواضح أنك لا تؤيد حكم الإعدام... على ماذا تستند في ذلك؟
- لا يوجد نص عالمي لمنع حكم الإعدام، هناك نص أوروبي ملحق للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، هذا الملحق يلغي حكم الإعدام عندما يوقع عليه أي بلد أوروبي، أما على الصعيد الدولي فلا يوجد...
المشكلة تعد مشكلة أخلاقية، ابن عربي طالب بمنع حكم الإعدام قبل الأمم المتحدة، وكثير من الأئمة الشيعة اعتبروا حق إنهاء الحياة مسألة ربانية ولا يحق للبشر التدخل فيها... فلسفة إنهاء حكم الإعدام موجودة في الثقافة الإسلامية العربية.
حكم على والدي بالإعدام وعمري 18 سنة، ثم لحسن الحظ خفف الحكم ولم يعدم ولا أستطيع أن أضع ربطة عنق من اللحظة التي سمعت فيها حكم الإعدام في المحكمة.
رفعت في الآونة الأخيرة قضايا على صحيفة «الوسط» و«أخبار الخليج»، وآخرها مثول رئيس تحرير نشرة العمل الديمقراطي رضي الموسوي أمام المحكمة...
قريباً أكثر من الشأن المحلي... ما تعليقك على الإضرابات المتلاحقة لسجناء جو لتحسين أوضاعهم داخل السجن؟
- السجن في حد ذاته عقوبة... وكل ما يضاف إليه من سوء معاملة وتغذية وزيارة، أو تعذيب أو إهانة توجه إلى السجين، تعد انتهاكاً صارخاً لاتفاق الحدود الدنيا لمعاملة السجناء، والتي اتفقت عليها دول العالم، وهذا الحديث يشمل تجار المخدرات كما يشمل السياسيين، والعقاب في حال الإهانة يصبح مزدوجاً أو مثلثاً.
هل من حق منتهكي حقوق الانسان التعبير عن آرائهم؟
- أعتقد أن الجلاد له الحق في محامي، وله الحق في مقابلات صحافية، وابداء ما يثبت من وجهة نظره أنه لم يكن على خطأ... هذا حقه الطبيعي كما أن من حقي الطبيعي أن ألاحقه وأن أبحث عن كل الوسائل القانونية لوضعه وراء قفص الاتهام، الخصومة والعداء لا تحرم الإنسان من حق الدفاع، وحق الدفاع ليس فقط في المحكمة، فحق الدفاع في الإعلام، في الشارع، بل من الممكن أن يصدر الجلاد ذاته صحيفة وهناك جلادون لهم قنوات إعلامية، وليسوا بحاجة إلى صحافيين يزودونهم بل لديهم صحافيون تحت إمرتهم... لا أطالب بإغلاق القنوات... لكني لا أظهر فيها.
محلياً... البعض يشتكي من غياب التنسيق ما بين الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، ومركز البحرين لحقوق الإنسان... ما اثر ذلك؟
- مقاطعاً: أولاً التعددية في حقوق الإنسان، ظاهرة صحية، وثانياً لابد من تنسيق الحد الأدنى في كل القضايا الجوهرية.
ولكننا نلحظ غياب التعاون ما بين الطرفين...
- أعرف ذلك... وأظن أن كل دول العالم تمر بمراحل فتور وبرود وقطيعة أحياناً، وأتمنى كون لي علاقة جيدة بالطرفين، أن تكون العلاقة مختلفة وأن ترتقي إلى الحد الذي تكون فيه مشروعات مشتركة في إطار البحرين، وفي إطار المنطقة.
ما تقييمك لوضع حقوق الإنسان في البحرين؟
- أعتقد أن البحرين خطت خطوات جيدة، وكي يشعر المواطن بأهمية هذه الخطوات لابد أن تكون ضمن عملية مستمرة، وليس انقطاعاً أو عودة إلى الوراء... الإنسان يشعر بأي انجاز مهما كان محدوداً، فقد صدر عفو فردي عني ومع ذلك جاء 10 آلاف شخص يرحبون بي، لأنهم اعتبروا هذا القرار قراراً إيجابياً وفي الاتجاه الصحيح وان كان غير كاف... والناس تطمح باستمرار في صدور قرارات في الاتجاه الصحيح لخدمة حق المواطنة، وكرامة الناس وعندما يحدث أي ارتداد فالمجتمع لا يثق بما حدث من انجازات وينسى ان المبعدين قد عادوا وان السجون مفرغة من المعتقلين السياسيين، والحالة النفسية لأي مجتمع أهم من القرار السياسي، لذلك لابد في البحرين من الإبقاء على ثقة الناس بالتغيير عبر تغييرات دائمة، ومتابعة العملية والاستماع والانصات إلى المجتمع، حتى لا تحدث القطيعة فينسى الناس الخطوة الإيجابية.
وما هو تنبؤك لمستقبل حقوق الإنسان في البحرين؟
- مستقبل حقوق الإنسان في العالم العربي معركة يومية?
العدد 392 - الخميس 02 أكتوبر 2003م الموافق 05 شعبان 1424هـ