العدد 3992 - الأحد 11 أغسطس 2013م الموافق 04 شوال 1434هـ

تونس تتطلع لـ «السيناريو المصري» بعد تجميد المجلس التأسيسي

قال محللون وساسة إن تجميد البرلمان المؤقت قد يقرب تونس مهد ثورات الربيع العربي من «السيناريو المصري» الذي أطاحت فيه المعارضة العلمانية بحكومة يقودها الإسلاميون. وقد تكون الصدمة الأكبر التي تعرض لها حزب النهضة الفرع التونسي لجماع الإخوان المسلمين هي أن الضربة الأخيرة جاءته من أحد حلفائه العلمانيين فيما يشير إلى تصاعد الاستقطاب بين القوى الإسلامية والعلمانية.

وقال المحلل نور الدين المباركي: «هذا مكسب للمعارضة. هذا نقل الأزمة إلى داخل الحكومة الائتلافية». وجمد رئيس المجلس التأسيسي والعضو في حزب التكتل الشريك الصغير في الائتلاف الحاكم، مصطفى بن جعفر أعمال المجلس التشريعي يوم الثلثاء الماضي إلى أن تبدأ المحادثات بين الحكومة والمعارضة. وقال بن جعفر إنه اتخذ هذه الخطوة لضمان الانتقال إلى الديمقراطية. لكن عضو المجلس التأسيسي عن حزب النهضة، نجيب مراد وصف ما حدث بأنه «انقلاب داخلي».

وتواجه تونس أعنف أزمة سياسية وأمنية منذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي العام 2011 وأطلقت شرارة الانتفاضات العربية. وتنظم المعارضة العلمانية التي أغضبها اغتيال اثنين من قادتها وتشجعت بإطاحة مصر بالرئيس الإسلامي بدعم من الجيش احتجاجات حاشدة يومياً في محاولة للإطاحة بالحكومة وحل المجلس. وجاءت هذه الخطوة قبل أسابيع من الموعد المقرر أن ينتهي فيه المجلس التأسيسي من وضع مسودة الدستور وقانون الانتخابات الذي سيمكن تونس من إجراء انتخابات جديدة بحلول نهاية العام.

وقال المحلل التونسي سفيان بن فرحات «السيناريو المصري ليس بعيداً ويبدو ممكناً إذا استمرت الأزمة» لكنه استبعد أن يقدم الجيش التونسي يد المساعدة. وتاريخياً لم يتدخل الجيش التونسي في السياسة من قبل على عكس الحال في مصر. وعزل الجيش المصري الرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي وتحفظ عليه في مكان غير معلوم يوم الثالث من يوليو/ تموز بعد احتجاجات حاشدة مناهضة لجماعة الإخوان المسلمين. وشنت قوات الأمن المصرية حملة واعتقلت عدداً من قيادات الجماعة. وانهارت جهود دبلوماسية دولية لحل الأزمة في القاهرة ما زاد من احتمالات إراقة الدماء إذا ما قررت الحكومة فض اعتصامين مؤيدين لمرسي بالقوة.

وعلى عكس قرارات مرسي بالإسراع بصياغة دستور يميل لصالح الإسلاميين ورفضه اقتسام السلطة مع المعارضة الليبرالية حكم حزب النهضة بالتحالف مع الأحزاب العلمانية وأحجم عن إدخال الشريعة في الدستور. وقال بن فرحات «تجميد المجلس إلى جانب الاحتجاجات الحاشدة يمكن أن يعيد ترتيب أوراق اللعبة السياسية ويقودنا إلى نقلة جديدة أكثر خطورة في الأزمة إذا استمرت المعارضة والحكومة في عنادهما».

وكان حزب النهضة أبدى استعداده لإجراء محادثات لكنه يرفض حل المجلس أو تغيير رئيس الوزراء. وقاطع قادة كبار في المعارضة المحادثات في مطلع الأسبوع الماضي قائلين إنهم لن يتراجعوا عن مطالبهم. وتقول شخصيات من المعارضة إن أساليبهم في الضغط تؤتي ثمارها. وقال الناشط المعارض، سفيان شورابي الذي سطع نجمه في ثورة 2011 التي دفعت الرئيس السابق بن علي إلى الفرار من البلاد إلى السعودية «الاحتجاجات الحاشدة وقرار بن جعفر سيسرع بنا لما حدث في مصر». وأضاف «المعارضة كثفت ضغوطها وبن جعفر استجاب».

وكانت تونس في وقت ما أيقونة التحول بين الديمقراطيات العربية الوليدة. لكنها الآن تواجه انقسامات تزداد حدة وسط أزمة أمنية متنامية بعد أن صعد متشددون إسلاميون هجماتهم في مختلف أرجاء البلاد. ويواجه التونسيون المشكلات نفسها التي يواجهها بلد مثل مصر ومنها كيفية احترام نتائج الانتخابات الحرة والاستجابة للاستياء الشعبي إضافة إلى الضيق العام من الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والتراجع الكبير في السياحة. ويزيد من التوترات المنافسة الضارية بين الجماعات العلمانية المعارضة والأحزاب الإسلامية التي صعدت إلى السلطة في انتخابات شهدت إقبالاً جماهيرياً كبيراً. وينفي حزب النهضة سعيه لتطبيق الشريعة الإسلامية لكن المعارضة تشعر بالقلق وتقول كذلك إن النهضة اتخذ موقفاً ليناً تجاه متشددين إسلاميين يشتبه في أنهم اغتالوا اثنين من الشخصيات اليسارية المعارضة. ويهون قادة النهضة من خطورة تعليق عمل البرلمان ويقولون إن ذلك سيساعدهم على حمل المعارضة على التوصل إلى تسوية من خلال المحادثات. وقال لطفي زيتون وهو سياسي من حزب النهضة إن القرار لم يضعف الحزب بل إنه سيدفع المعارضة إلى بدء المحادثات وتوقع أن تبدأ المحادثات فور انتهاء عطلة عيد الفطر قائلاً إن المجلس لن يظل معطلاً لفترة طويلة. لكن ذلك قد يكون من قبيل التمني فإن المعارضة ترى فيما يبدو أن تعطيل عمل المجلس يبرر موقفها.

وقال رئيس حزب نداء تونس المعارض، الباجي قائد السبسي الذي تربطه صلات بنظام بن علي «رأيتم الناس في الشارع. حل المجلس مطلب شعبي». وأضاف أن اقتراح النهضة إجراء استفتاء ليس جاداً بل مجرد محاولة لكسب الوقت وأن الظروف ستقود إلى حل الحكومة كذلك. ويوم الإثنين الماضي تحدى زعيم حزب النهضة المعارضة، راشد الغنوشي واقترح إجراء استفتاء على بقاء الحكومة والمجلس. ودعا إلى التحلي بالصبر في مواجهة ما وصفه بالثورة المضادة مشيراً إلى أن الانتخابات المقبلة مقررة بعد بضعة أشهر فقط. وقال الغنوشي إن الشارع لا يغير حكومة منتخبة لكن حكومة دكتاتورية فقط وأن حزب النهضة يقبل تصحيح المسار الانتقالي لكنه لا يقبل مساراً غير منطقي أو غياب المسار أصلاً.

ومازال النهضة حزباً يعتد به. ففي مطلع الأسبوع الماضي احتشد أكثر من مئة ألف شخص في ميدان رئيسي في تونس العاصمة لتأييد الحكومة في أكبر احتشاد منذ الإطاحة ببن علي. لكن الحزب يفقد بعضاً من شركائه المؤثرين. فقد ألقى الاتحاد العام التونسي للشغل بثقله وراء تعليق عمل المجلس وساند احتجاجات المعارضة. وقد يكون الاتحاد الذي يضم 600 ألف عضو لاعباً حاسماً في تحديد نتيجة الأزمة نظراً لقدرته على شل البلاد إذا ما دعا إلى إضراب. وفيما يشير إلى احتمال وقوع المزيد من أعمال العنف اشتبك نشطاء من لجنة حماية الثورة مع محتجين معارضين للحكومة في الأسابيع القليلة الماضية. ووسط حالة الفوضى السياسية يراقب المواطن التونسي العادي باستياء ما يراه كثيرون صراعاً قبيحاً على السلطة. وتقول نادية يوسفي (25 عاماً) وهي تقف خارج متجر للبقالة في وسط تونس العاصمة «المعارضة تريد ركوب موجة الأحداث الإقليمية الأخيرة لكنها لا تعرض علينا شيئاً سوى المزيد من الاحتجاجات». وأضافت «لماذا لا ننتظر كلنا بضعة أشهر ونجري الانتخابات؟ النهضة سيئ. لكن الآن المعارضة أسوأ. إنهم يستغلون شبابنا كوقود للتخلص من الحكومة والبرلمان وتركنا في فراغ».

العدد 3992 - الأحد 11 أغسطس 2013م الموافق 04 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:32 ص

      الاستفتاء الشعبي والمراقبة المحايدة

      في جميع الاحوال ان المرونة التي يظهرها النهضة التونسي افضل حالا من اخوان مصر مع من يختلفون معهم

اقرأ ايضاً