العدد 357 - الخميس 28 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ

في ذكرى تأبين الشيخ أحمد الوائلي «رحمه الله»

بالأمس القريب فقدت الأمة الإسلامية عالماً من علمائها ورائدا من رواد الفكر وخطيباً متكلماً بكل المقاييس وشاعراً وأديباً... ألا وهو عميد المنبر الحسيني الشيخ أحمد الوائلي «رحمه الله»...

عُرف الشيخ بجودة البيان والإطلاع الواسع، والأسلوب العلمي، وعذوبة المنطق، والتحدث بحسب متطلبات الظرف، ومقتضيات العصر بكل ما في هذه الألفاظ من معنى رفيع ودلالة جامعة. ولد في النجف الأشرف، وواصل دراسته بجد واجتهاد، في المدارس الرسمية ثم التحق بكلية الفقه، وتخرج منها، وانتقل إلى بغداد، لمواصلة دراسته في معهد العلوم الإسلامية، ونال منه شهادة الماجستير. ثم سافر إلى القاهرة وحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الإسلامية... وهو مع جميع هذه المراحل الدراسية الشاقة كان يصعد أعواد المنابر للتوجيه والإرشاد والدعوة. ويساهم في المؤتمرات والمهرجانات الأدبية ويشنف الأسماع بأدبه الجم، وقريحته الوقادة، وشاعريته الحية التي تهز النفوس وتطرب المشاعر، أقام في السنين الأخيرة في الشام لدوافع سياسية، واستمر في التأليف والتصنيف والبحث.

له: ديوان الوائلي (1 ـ 2). هوية التشيع. أحكام السجون بين الشريعة والقانون. من فقه الجنس في قنواته المذهبية. استغلال الأجير وموقف الإسلام منه. الأوليات في حياة الإمام علي (عليه السلام). وله مؤلفات أخرى...

غير أن الذي جعله مميزاً بين الخطباء هو تحديث الخطاب الديني وربطه ربطاً رئيسياً بالقرآن إضافة إلى أسلوبه الحواري الهادئ في الرد على غالبية الشبهات الموجهة للدين الإسلامي عموماً وللمذهب الجعفري خصوصاً حتى وصفه الإمام الخميني(قدس) بالمكتبة المتنقلة ووصفه البعض الآخر بلسان الشيعة... وفي لقائه مع أحد العلماء البحرينيين في مدينة قم المقدسة سأله: ما هدفك الأساسي من هذا البحث الموسع؟ فأجاب قائلاً: حبي للنبي محمد (ص) يدفعني لأن أقدم فكرهم ورسالتهم واضحة للناس وخالية من الشوائب...

غيرأن المضايقات التي كان يتعرض لها من قبل النظام المخلوع قد أجبره وأجبر غالبية العلماء في العراق للإبتعاد عن موطنه لإجراء البحوث ونشر ثقافة أهل البيت (ع)... وهذا ما لمسته منه عندما كنت أستمع لإحدى محاضراته عندما تطرق فيها لموضوع الوطن إذ قال: (لا تصدقوا من يقول لكم إنه يحب أن يبتعد عن وطنه لأن أصعب ما على الإنسان هو الابتعاد عن مسقط رأسه وهذا ما يستخدمه المجرمون ضد الشعوب)... بعد ذلك أنشد قائلاً:

وطني كيف أنساك وقد سريت بكل قطرة دم في كياني

حتى توقف قليلاً... ثم تنفس الصعداء... وكأني خلت روحه قد جابت سماء العراق في لحظة من الزمن ومرت بذاكرته الأيام التي قضاها على أغلى تربة عرفها منذ مولده... ولذلك أعطاه الله أمنيته بأن يستنشق هواء وطنه لأيام معدودة بعد أن أبت عيناه إلا أن تغمض على تراب ذلك الوطن بعد رحلة علاج طويلة...

تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه الفسيح من جناته وحشره مع من يحب إنه سميع الدعاء وهو على كل شيء قدير...

حسن سعيد

العدد 357 - الخميس 28 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً