على رغم ربحيتها الجيدة وقوتها المالية، فإن البنوك العربية قد تضطر إلى حجب الأرباح عن مساهميها لسنوات عدّة أو خفض توزيعاتها بصورة كبيرة، بهدف استيفاء شروط كفاية رأس المال ومعدّلات السيولة التي تفرضها «بازل 3» ويفترض إنجازها على مراحل تنتهي في مطلع العام 2019.
وجاء في دراسة تنشرها مجلة «الاقتصاد والأعمال» في عددها الأخير، أن البنوك العربية تعتبر استثناء لافتاً عن حال التعثر التي تمرّ بها معظم المصارف الدولية التي مازالت تعاني من جبل الديون الهالكة، وضعف قاعدة رأس المال التي كشفت عنها الأزمة المالية الدولية العام 2008. وردّت الدراسة مصادر قوة البنوك العربية إلى أسباب عدة منها:
- الثقافة المصرفية المحافظة المتوارثة تقاليدها في الأسواق العربية، والتي جعلت من الأسلوب المصرفي المحافظ مدرسة تعتبر الوديعة بمثابة أمانة وتعتبر أولى مسئوليات المصرفي الحفاظ على أموال المودعين واستخدامها على أفضل وجه وليس المغامرة بها بهدف تحقيق الأرباح والتي غالباً ما تتحول إلى خسائر.
- الاعتماد الكبير على السوق المحلية؛ إذ إن معظم المصارف العربية تعمل في أسواق محلية تعرفها جيداً وتعرف زبائنها عن قرب ولا تعتمد إلا في حدود معينة على عمليات في الأسواق الخارجية، كما أن هذه الأسواق تتمتع بحماية نسبية من المنافسة الأجنبية.
- الربحية العالية، بالنظر لعملها في أسواق محلية، فإن معظم المصارف العربية تحقق أرباحاً سنوية جيدة وهي تمتلك احتياطات مالية وسيولة عالية بالنظر إلى توافر قاعدة مودعين واسعة وهو ما يغني البنك عن اللجوء إلى السوق لتعبئة الموارد المالية اللازمة.
- تركّز الملكية، معظم البنوك العربية مملوكة من مساهمين استراتيجيين يشكّلون نوعاً من النادي المتضامن حتى في الحالات التي يمتلك الجمهور نسبة كبيرة من أسهم البنك، وهذا التركّز النسبي في الملكية واستقرار المالكين يجعل هؤلاء ساهرين على البنك كما أنه يقوّي شوكة المالكين في العلاقة مع الإدارة التنفيذية. على العكس من ذلك، فإن تشتت الملكية في المصارف الغربية والطابع المؤسسي للمالكين أعطيا القيادات التنفيذية موقعاً أصبحت فيه هي المتحكّم في البنك ومقدّراته.
- دور البنك المركزي والدولة، تلعب البنوك المركزية العربية دوراً مهماً في ضبط الوضع المصرفي وهي تملك نفوذاً كبيراً يمكّنها من أن تفرض ما تشاء من تدابير الاحتياط والوقاية على المصارف، وكان لقيام السلطات النقدية في عدد من الدول العربية بمنع البنوك من الإتجار بالمشتقات المالية وغيرها من المنتجات العالية المخاطر دور مهم في إنقاذ مصارف المنطقة من كارثة 2008. على العكس من ذلك فقد ثبت أن البنوك المركزية في الولايات المتحدة والغرب كانت خاضعة لنفوذ البنوك الكبيرة التي صمّمت العديد من التشريعات والقواعد بما يخدم مصالح تلك البنوك ويطلق يدها في الكثير من النشاطات عالية المخاطر وهذا ما بيّنته أزمة 2008.
وتشير دراسة «الاقتصاد والأعمال» إلى أن الوضع المشار إليه ينعكس بمفارقة مهمة لجهة «بازل 3» وكيفية التعامل مع قواعدها الجديدة؛ إذ بينما ستجد معظم البنوك الدولية (خصوصاً الأوروبية) صعوبة في تطبيق تلك القواعد بسبب ضخامة موازناتها وحجم ديونها المتعثرة وتآكل قاعدة رساميلها، فإن المصارف العربية تبدو في وضع مريح نسبياً وأكثرها في وضع الجاهز للعمل بالإجراءات الجديدة بسبب متانة الوضع المصرفي في جميع الأسواق العربية، علماً أن أكثر تلك المصارف يتمتع بمعدلات كفاية رأس مال ومعدلات سيولة أعلى مما تنص عليه أحكام «بازل 3 «.
العدد 4026 - السبت 14 سبتمبر 2013م الموافق 09 ذي القعدة 1434هـ