عند تناولك إحدى وجبات واشوكو، فأنت حتماً تستمتع بتجربة ثقافية شاملة العناصر تطورت من خلال الدمج بين الأطعمة وأواني المائدة والبيئة المحيطة وقت تناول الطعام في عنصر واحد. في القسم التالي، نستمع إلى حديث تاكاهاشي إيتشي، وهو يمثل الجيل الرابع عشر من مالكي أحد مطاعم كايسيكي ريوري العريقة التي ظلت تعمل لمدة تزيد على 400 عام، حول الجانب الفني لواشوكو.
وحين تريد تذوق واشوكو لا يكون بلسانك فقط. بل تستمتع أيضاً بتذوقها بعينيك. لقد عمل نوعي كايسيكي ريوري كلاهما، النوع الذي يصاحب طقوس الشاي والنوع الآخر الذي يتم تقديمه في الاجتماعات الرسمية، على تأكيد الخصائص الجمالية التي اتسم بها أسلوب الطهي الخاص بنا عبر التاريخ.
أحد العناصر الرئيسية لهذا الأسلوب هو أواني المائدة. في الغرب، غالباً ما يستخدم الناس أواني المائدة بتصاميم ومواد مماثلة تأتي في مجموعة واحدة، ولكن أثناء تقديم إحدى الوجبات اليابانية، تعرض أواني المائدة المستخدمة لكل نوع من الأطعمة الفرق في المواد، مثل الصلصال (أواني الصلصال) والمواد الصخرية (الخزفيات) والمواد المطلية (الأواني الخزفية) وما إلى ذلك. حتى في حال استخدامنا لأواني المائدة المصنوعة من الصلصال لتقديم أكثر من طبق خلال الوجبة ذاتها، فإنه تقليد اعتيادي أن يكون الطبق مصنوع من قبل صانع فخار آخر أو له تصميم مختلف تماماً. الأسلوب التقليدي المتبع في تقديم إحدى وجبات واشوكو هو وضع كميات قليلة من كل نوع من الطعام في صحون أو أوعية صغيرة بتصاميم مختلفة، ومن ثم ترتيب هذه الأطباق بأناقة في صينية أوزين.
ويجب إعداد كل من الطعام والأواني بحيث يكمل كل منهما الآخر. بالتالي لا يقصر الطهاة المتخصصون بإعداد وجبة واشوكو تفكيرهم على قوائم الطعام الخاصة بهم، بل أيضاً كيف يوافقون بين كل طبق وأواني المائدة وتصاميمها مع الفصل الذي يتم تقديم الوجبة خلاله. على سبيل المثال، نستخدم خلال فصل الخريف أواني المائدة التي تزينها رسومات نباتات مزهرة موسمية مثل زهرة الليسبيديزا اليابانية وزهرة الأقحوان. أما خلال فصل الصيف الحار فنحن نستخدم أواني المائدة المصنوعة من الزجاج لنقل الإحساس بالبرودة إلى الوجبة.
كما يعتبر تزيين وزخرفة الأطباق أمراً له أهميته أيضاً. فيما يخص حجم الطبق، وعلى المرء أن يركز انتباهه على ما يجب أن يكون عليه ارتفاع ومقدار الطعام المثاليين، وذلك بهدف ابتكار أسلوب تقديم الطعام الأكثر جمالاً. يعد وضع الكثير من الطعام في الطبق أمراً لا يبعث على الفخر، ولكن يتسبب وضع القليل من الطعام في أن تبدو الوجبة ضئيلة في مكوناتها. ما يهمنا هنا في هذا السياق هو أن نحقق ما يطلق عليه مسمى «جمال المساحات» من خلال ترك المقدار الصحيح من الفراغ في كل صحن أو وعاء. تتم إضافة أعشاب الزينة إلى الطعام ليس من أجل تحسين المذاق فحسب، بل أيضاً من أجل إضفاء المنظر الذي يجعل الأطباق تبدو فاتحة للشهية بشكل أكبر. من أجل تحقيق هذه الغاية، نقوم في بعض الأحيان بتقديم الطعام على ورقة أو زهرة أو قطعة من الورق أو أننا نقوم بتزيين الطعام بمثل هذه الأشياء.
ويعد جمال البيئة المحيطة بنا أثناء تناول الطعام عنصراً آخر من عناصر عالم واشوكو. ستحتوي غرفة السفرة التي تمثل ثقافة واشوكو حقيقة على ركن توكونوما مزين برقعة ملفوفة معلقة وأزهار تم ترتيبها ببراعة من أجل إظهار حسن الضيافة للزوار. يتم انتقاء الرقعة الملفوفة والأزهار بحيث تتناغم مع فكرة وأسلوب الوجبة ومن أجل نقل الأحاسيس التي يوجدها الموسم إلى الأشخاص الذين يتناولون العشاء.
في المرة القادمة التي تتناول فيها وجبة يابانية، آمل أن تمنح نفسك الوقت الكافي لتستمتع بتجربة عالم واشوكو بأكمله، لتتفحص أواني المائدة وتشاهد طرق تقديم الطعام وتستمتع بترتيب الغرفة.
رفد المجتمعات بثقافة واشوكو
هناك روابط وثيقة بين واشوكو وكل من الفصول الأربعة والعادات السائدة في كل مجتمع محلي. وهو أحد العناصر المهمة لأسلوب الطهي الذي لطالما لعب دوراً في التقريب بين أفراد المجتمع في الفعاليات السنوية والاحتفالات المهمة. يقدم هذا القسم عرضاً للجهود المبذولة والقائمة على تعاضد المجتمع في منطقتين وذلك عبر الاستفادة من ثقافات واشوكو المحلية.
أمهر من يعد الأطعمة المحلية
تسود أنظمة الاعتماد شوكونوتاكومي (أمهر من يعد الأطعمة المحلية) في محافظات إيواتى وتوياما وشيغا وتوتوري، وتعمل هذه الأنظمة، من خلال استخدام المنتجات البحرية والزراعية الإقليمية، على الاستمرار في تطوير الثقافات الغذائية في كل منطقة، آخذة في الحسبان الأطعمة التقليدية والأذواق السائدة محلياً وطرق الطهي المعتمدة فيها باستخدام المنتجات الزراعية والبحرية الإقليمية. كما أنها تشجع مجال الترويج الصناعي وتنمية المجتمعات الإقليمية.
تم وضع نظام الاعتماد شوكونوتاكومي في محافظة إيواتى في العام 1996. وقد حاز ما يزيد على 200 فرد على الاعتماد حتى هذا الوقت. وانهمك المعتمدون حالياً في إيصال ما يملكونه من معرفة حول ثقافة الأطعمة المحلية إلى داخل وخارج المحافظة، وذلك من خلال نشاطاتهم الترويجية إضافة إلى بيع وتصنيع منتجات المحاصيل الزراعية التي يتم حصادها محلياً، أو من خلال عملهم كطهاة في المطاعم ذات الطابع الريفي والتي تقدم المنتجات المحلية لروادها.
السيدة ساساكي مييوكو من بلدة نيشيواغا هي أحد الأشخاص الذين نالوا هذا الاعتماد. لإعداد وجبتها المفضلة نيشيمى، وهو طبق من الخضراوات المطهوة ببطء على نار هادئة، تستخدم ساساكي العديد من المكونات مثل فجل شيمي دايكون وهو فجل خضع للتجميد والتجفيف في الهواء الطلق والخضراوات الجبلية التي يتم حفظها بعد قطافها مثل أودو المالح (نبات الآراليا الياباني) والسرخس المجفف وهو نوع من الخضراوات يطلق عليه اليابانيون اسم زينماي، أضف إلى ذلك استخدامها لسمك الرنجة المجفف. إنها وصفة فريدة من نوعها وتسود بين أعضاء مجتمع تحتضنه الجبال ويشتهر بتوفر الأطعمة الطازجة خلال فصل الشتاء القاسي. فمنذ أمد بعيد تم تقديم هذا الطبق في نيشيواغا في كل المناسبات التي تجمع بين أعضاء المجتمع مثل حفلات الزفاف ومراسم الجنائز. تبيع ساساكي هذا الطبق وغيره من الأصناف الإقليمية التي تم صنعها باستخدام الخيرات التي أغدقت بها الطبيعة ومن خلال المحافظة على العادات المحلية في مطعمها ذي الطابع الريفي. وهي في عمل دؤوب يومياً. آملة أن يكون لمطعمها دور فعال في إيصال الثقافة الغذائية الخاصة ببلدتها إلى الناس في أماكن أخرى من العالم وإلى أجيال المستقبل.
حازت ياماموتو إيكوكو، وهي أحد قاطني البلدة، على اعتماد شوكونوتاكومي وذلك على الوجبة التي تعدها وهي تشيماكي، وهي وجبة من التاريخ العريق يتم إعدادها من خلال طهي كعكة الأرز بالبخار والملفوفة بورقة من شجر الخيزران. تسعى ياماموتو إلى تعليم الآخرين طريقة إعداد هذا الطبق. عندما استفسرنا عن الدروس التي تقدمها، قالت والبسمة مرتسمة على محياها، «ليس من السهل أن تتقن إعدادها فوراً، ولكن يستمتع الجميع بوقته، من خلال التواصل فيما بيننا وإعداد الأطعمة المحلية».
تقوم السيدة كيكوتشي إيمي من مدينة كيتاكامي بإعداد الحلوى اليابانية ماميغينتو، وهي نوع من الكعك المحلى الذي يتم إعداده من السكر وفول الصويا المنتج محلياً. علقت كيكوتشي قائلة، «يطلب المزيد والمزيد من الناس مني أن أعلمهم طريقة إعدادها. لقد كانت ماميغينتو عوناً لي في إقامة علاقات جديدة». هذا مثال حي على دور الأطعمة المحلية في بناء مجتمعات إقليمية متماسكة.
العدد 4057 - الثلثاء 15 أكتوبر 2013م الموافق 10 ذي الحجة 1434هـ