طرح الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى مقترحاً بتشكيل نظام إقليمي عربي لحماية منطقة الشرق الأوسط، مؤكداً على أن التغيير يجب أن يكون قراراً عربياً ولا يمكن تكرار ( سايكس بيكو) من خلال أخطاء (وزراء دول عظمى).
وبنى موسى مقترحه بضرورة تشكيل نظام عربي إقليمي يلزم الاجتماع والتباحث وتدارس الموقف العربي لاختيار النظام المناسب، فخطأ سايكس بيكو في العام 1914 لا يجب أن يتكرر في العام 2014 مع الاعتبار للعولمة والمصالح المتداخلة وفهم المصالح العالمية، إلا أنه شدد على أن هناك مصالح عربية إقليمية وليس فقط مصالح دول عظمى، ما يلزم في حركة التغيير ألا نترك مصالحنا ليس على مستوى السياسة فقط، بل على مستوى حياة الناس ومستقبلهم واحترامهم، ما يدفع لأن نطرق أبواباً مختلفة في هذه المنطقة.
الأمن لن يستقر
وقال في محاضرة قدمها مساء أمس الجمعة (12 سبتمبر/ أيلول 2014) تحت رعاية نائب رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة بتنظيم من جمعية الصحافيين البحرينية بحضور عدد من كبار المسئولين والمدعوين بعنوان: “تطورات الوضع في العالم العربي والشرق الأوسط”، إن المنطقة تتنازعها تيارات كبيرة، وهي على كف (عفاريت كثيرة)، طارحاً نظرته في شأن قيام مبادرة تتعلق بالشرق الأوسط ضمن نظام إقليمي عربي لا تقتصر على البناء العربي فحسب بل وفق نظام أمني باعتبار أن (الأمن لن يستقر في المنطقة طالما أن هناك نظرات منحازة للتقسيم)، أما عن دور جمهورية مصر العربية، فأكد على أن عودة مصر هي عودة للسياسة المتوازنة والقريبة من التعدد وقد دخلت حالة تغيير جذرية.
ودعم قوله بالإشارة إلى أن التغيير حدث فعلًا، متسائلًا: “هل يستطيع التنظيم العربي الحالي القيام بالتغيير أو التعديل الجذري؟ لقد تحدثت مع الكثير من الإخوة من أجل أن نجلس معاً بعصف فكري ثم تشكيل مجموعات عمل لطرح ورقة حول مستقبل المنطقة، يتطلب طرحاً كاملًا يحدد مصلحتنا ضمن ذلك النظام الإقليمي المقترح”.
مقاربتان... ناعمة وخشنة
وتناول الإجابة على جوانب مهمة تكررت في المداخلات التي أعقبت المحاضرة ومنها تساؤل طرحه وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة عما إذا كان النظام المقترح يستبدل الجامعة العربية ويضم العالم العربي وجواره ومناطق التأثير كإيران وتركيا وحتى إسرائيل التي تحتل أرضنا حيث أكد على إمكان التباحث في كل تلك الجوانب بما في ذلك الدول الثلاث المذكورة، لكنه في سياق المحاضرة أكد على أن (لا إيران ولا تركيا يستطيعان الادعاء بقيادة هذه المنطقة)، فهي منطقة عربية ولن تأخذها لا إيران ولا تركيا، فلهما مكانتاهما كدولتين مهمتين لكن لن يكون لهما الرأي الأول والأخير فهذه مسألة بعيدة عن مصلحة العالم العربي التي (نحن فيها أغلبية سكانية)، لكننا نريد أن نوثق عملنا ونلحق بمتطلبات العصر، واصفاً إيران بأنها تستخدم المقاربة الخشنة فيما تستخدم تركيا المقاربة الناعمة، وأنه في هذه المرحلة، من الضرورة أن تضع كل من المملكة العربية السعودية ومصر الجهد سوياً لمنع تأثر أوضاع الدول العربية.
واستدرك ليقول: “أنا متفائل... لكن لا يجب أن نعتبر القضية الفلسطينية مثلًا أمراً من الماضي... فهناك حلول تقوم على الاتزان وطرحنا بعضها في العام 2002 ضمن حل واضح وجريء ومتقدم فالقضية يجب أن تُحل حلًا عادلًا”.
«داعش»... خرجت عن الحدود
وتمكن موسى من الاستحواذ على اهتمام الحضور في المحاور المهمة والحساسة التي طرحها، وتوافقت مع التقديم الذي قدمه رئيس إدارة جمعية الصحافيين البحرينية مؤنس محمود المردي في بداية المحاضرة، والذي وصف فيه عمرو موسى بأنه (جرّاح ماهر) قادر على قراءة الأوضاع التي تعيشها المنطقة العربية منذ مطلع العام 2011 وفق تطورات مذهلة دون أن نعرف الأسباب الخفية للقلاقل الهائلة أو الوقوف على الوسيلة المثلى للمستقبل الآمن الذي ترتضيه الشعوب والحكومات.
وعرج موسى نحو موضوعات مهمة أخرى على رأسها موضوع “داعش”، وقال في هذا الشأن إن ممارسات تلك المنظمة (خرجت عن الحدود)، بغض النظر عن أهدافها الثورية أو الدينية، فهي تمارس الذبح والقتل والترويع، متسائلًا: “هل من المعقول أن نرى في بعض الصحف فتاة صغيرة وتلتقط لها الصور وفي يدها رأس مقطوع؟ هذا عمل خطير جداً ولا يمكن التعايش مع هذه الممارسات الغاية في السوء والتي تهين الإسلام والعرب”.
وشدد على أن الوضع أكثر خطورة بسبب ممارسات “داعش”، إلا أن هناك أسباباً أدت لظهور “داعش” وإذا استمرت هذه الأسباب، فسوف يستمر الوضع ومنها أسباب طائفية وعرقية وحكم دموي فمثل هذه الأمور لا يمكن إلا أن تنتج مثل هذه الممارسات، فالمهم علاج الظاهرة بدءاً وبسرعة من الأسباب وكذلك (الدعم) الذي أعطي أو يُعطى لمثل هذه المنظمات، لافتاً إلى أن محاربة المنظمة ذاتها لن تؤدي إلى نتيجة، فالسبب هو الدفع العنصري الطائفي الذي يتعرض له العالم العربي.
أما بالنسبة إلى الملف السوري، قال موسى: “بعد كل ما حدث لابد أن تكون هناك مقاربة صريحة وأطرحها لأول مرة وهي تقديم مصالح سورية والعراق ليس لطائفة واحدة ولكن لكل المكونات؛ فمن الضروري أن تعود سورية إلى شعبها كله بتشكيل حكم ديمقراطي جديد لإنقاذ البلد وليس للانتقام، فمثلما هناك حكومة وطنية ائتلافية تجمع الكل في العراق، فهذا هو الحل في سورية”.
عنوان «المستقبل المشترك»
وكان موسى قد خصص مساحة لا بأس بها في مستهل محاضرته للحديث عن الأوضاع في مصر، لكنه لفت بادئ ذي بدء بالقول: “أريد أن أكون واضحاً... أنا لا أمثل الحكومة المصرية، ولكن أمثل قطاعاً عريضاً من الشعب المصري يؤمن بالرابطة الوثقى بين مصر والعالم العربي وأن مصر تحتاج إلى العالم العربي، وأن مسئولياتنا مشتركة لتحقيق استقرار وتقدم وأمن هذه المنطقة، في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العالم، وثبت صدق المقولة العربية التي تتحدث عن الجسد كله يعبأ بالدفاع عن عضوه المصاب، وقد تداعى الجسد العربي كله لمصر واضطرب للعراق وتوتر لسورية واليمن وقبل ذلك حين وصلت الحماقة كلها بغزو الكويت، تمامًا كما تأثر بالوضع العربي كله بدايةً في تونس منذ يناير/ كانون الثاني 2011”.
ونوّه إلى عنوان (المستقبل المشترك) فأكد على أن “الواجب علينا بل مسئوليتنا أن نتدبر الأمور برصانة وحسن إدارة، وأن نبتعد عن المزايدات والمشاحنات التي أضرت بنا أبلغ الضرر وأن نرتفع إلى مستوى المسئولية التاريخية في هذه المرحلة الدقيقة الاستثنائية التي يمر بها العالم العربي وشعوبه”، وفي هذا الإطار، تحدث عن مصر قائلًا إنه “من ضمن الدعوات التي لبيتها في هذه الزيارة لمملكة البحرين كانت دعوة من معهد السلام الدولي الذي كان يناقش هو ومثله من المراكز البحثية العالمية موضوعاً يجب أن نضعه في اعتبارنا ونحن نلمسه وهو مرور مئة عام منذ العام 1914 وتقسيم العالم العربي بما سمي (سايكس بيكو)، وحين نناقش الموضوع ونحن في العام 2014، يقفز فوراً إلى الأذهان الوضع في الشرق الأوسط والعالم العربي والوضع في أوكرانيا”، مؤكداً أن الاهتمام بالشرق الأوسط كبير جداً لأن المصالح فيه كثيرة.
نهضة مقبلة لمصر
وخاطب الحضور بالقول: “تعلمون أنه في يناير 2011 بدأت الثورات ضد الحكومات التي قامت آنذاك وأشير إلى تونس وبصفة أخص إلى مصر، المشكلة في مصر كانت في سوء إدارة الحكم، فقد وجدنا حالة تراجع في حياة الناس وفي دور مصر الإقليمي والرغبة في الانكماش ثم المسألة الصادمة أن أقل بقليل من نصف الشعب المصري يعيش حول خط الفقر... لقد قامت الثورة للشعب المصري قابلًا التحديات وقائلًا لقد أسأتم إلى مصر، لكن لظروف كثيرة، انتهت الثورة إلى مسار محدد، وأقول رغم السلبية بالنتائج التي حصلت إلا أن المسار أصبح ديمقراطياً اليوم يقرر فيه الناخبون من يمنحون أصواتهم، ثم سلطة دستورية للمحكمة الدستورية لمراقبة ومتابعة الانتخابات، ووضوح في الرؤية لإصلاح الخلل الكبير الذي حدث”.
وعن حكم الإخوان المسلمين، قال إنه “في العام 2012، تولى الإخوان المسلمون الحكم، إنما الشعب المصري كان يتحدث عن إصلاح الخلل وعن حكم يعيد إلى مصر احترامها لذاتها ويعيد للناس حقوقهم وأن تدار الأمور بطريقة تعالج الفشل، لكن لم يحدث أي إصلاح! وكنا نشاهد ونخشى من مضي البلد من سيّئ إلى أسوأ وأن الخلل المسبب للثورة، تبعه خلل أكبر وهو عدم وضوح في الرؤية، وأنه ليس هناك أي إصلاح، فثار الناس مرة أخرى ضد وضع أصبح أسوأ اضطراباً أكثر من ذي قبل، ولهذا، فمصر اليوم أمام ديمقراطية حقيقية” متحدثاً عن تفاصيل إدارة الدولة وفق الدستور والنقلة النوعية في الإدارة المحلية، وما دامت مصر تسير بدستور ورئاسة قوية ولامركزية مدروسة فالأمل كبير في نهضة مقبلة لمصر.
العدد 4389 - الجمعة 12 سبتمبر 2014م الموافق 18 ذي القعدة 1435هـ