توجه وزير الدفاع الفرنسي جان إيفل ودريان إلى واشنطن أمس الخميس (2 أكتوبر/ تشرين الأول 2014) للتباحث مع المسئولين الأميركيين حول كيفية تعزيز عمل التحالف والارتقاء بمستوى التنسيق الذي ما زال حتى الآن «غير مقنع». وعلم أن التحالف سيقيم في الكويت مركزا لقيادة العمليات العسكرية التي كانت تقاد من قاعدة تامبا العسكرية الواقعة في ولاية فلوريدا. وسيضم مركز القيادة ممثلين عن القوات المشاركة في العمليات العسكرية، حسبما ذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" اليوم الجمعة.
وتشكل قاعدة الظفرة الواقعة في منطقة ميناء الشيخ زايد في أبوظبي التي تسميها قيادة الأركان الفرنسية «القاعدة 104» المرتكز الوحيد للقوة الفرنسية الجوية المشاركة في العمليات العسكرية في العراق في إطار التحالف الدولي. وإزاء الانتقادات التي طالت ضعف المشاركة الفرنسية في هذه العمليات التي اقتصرت حتى الآن على ضربتين لأهداف في شمال العراق وعلى 16 طلعة استكشافية لتحديد الأهداف، فقد قرر الرئيس فرنسوا هولاند تعزيز الحضور الفرنسي عبر إرسال 3 طائرات «رافال» إضافية ليرتفع بذلك العدد إلى 9 طائرات مقاتلة – قاذفة، إضافة إلى طائرة استطلاع وأخرى للتزويد بالوقود. كذلك قررت باريس إرسال فرقاطة دفاع جوي إلى مياه الخليج.
ويبدو ضعف المشاركة الفرنسية واضحا إذا ما جرت مقارنته بما قام به الطيران الحربي الأميركي (أكثر من 200 ضربة) أو الطيران الحليف بمجمله (نحو 250 ضربة) في العراق فضلا عن 100 ضربة في سوريا. بيد أن الجانب الفرنسي يبدو عازما، كما تقول أوساط دفاعية رسمية، على «زيادة وتيرة» المساهمة الفرنسية التي تعاني من 3 نقاط ضعف؛ أولها رغبة باريس في المحافظة على استقلالية قرارها لجهة تحديد الأهداف وتنفيذ عمليات القصف. وثانيها بعد مسرح العمليات عن قاعدة الظفرة حيث إنها تقع على مسافة 1500 كلم مما يعني الحاجة لتزويد طائرات «رافال» بالوقود جوا. وثالثها، ضعف الإمكانات المالية المرصودة لهذه العمليات التي لا يعرف بعد سقفها الزمني.
وقالت مصادر دفاعية فرنسية في لقاء مع مجموعة صحافية إنه «إذا كان جرى كسر دينامية (داعش)، إلا أن هذا التنظيم لم يخسر قدراته الهجومية» بفضل ما حصل عليه التنظيم من أسلحة ثقيلة في هجومه الكبير في شهر يونيو (حزيران) الماضي شمال العراق، وتحديدا على مدينة الموصل.
وبحسب هذه المصادر، فإن «داعش» وضع اليد على 50 دبابة، و150 سيارة مصفحة، و60 ألف بندقية، وعدة آلاف من سيارات النقل، فضلا عن كميات كبيرة من المال ربما زادت على 600 مليون دولار. وتقدر المخابرات الفرنسية أعداد مقاتلي «داعش» في العراق وسوريا بـ25 ألف رجل؛ بينهم 8 آلاف أجنبي (أي غير عراقي أو سوري) منهم ألفا أوروبي. وتعد باريس أنه حتى الآن ما زالت عمليات التحالف في مرحلتها الأولى. ولم تشأ المصادر الفرنسية أن تحدد المهلة الزمنية التي ستستغرقها. ومن الناحية المبدئية، يخطط التحالف لثلاث مراحل، ثانيها استعادة المدن والقرى والمراكز التي سيطر عليها «داعش» بواسطة «القوى المحلية» أي القوات المسلحة والبيشمركة في العراق، والمعارضة السورية المسلحة في سوريا. أما المرحلة الثالثة فهي القضاء على هذه التنظيم.
بيد أن «منطقة الظل» في هذه الخطة تبقى الوضع السوري وموقع الرئيس الأسد الذي تؤكد المصادر الفرنسية أن ما يقال عن إمكانية «التفاهم» معه ليس سوى «تحليلات لا تقوم على أساس». وتقدر باريس المعارضة السورية المسلحة بـ80 ألفا إلى 100 ألف رجل، عيبها الأكبر تفتتها وانقساماتها، وهي تتوزع على 3 مجموعات أساسية: «الجيش السوري الحر (15 ألف رجل)»، «الجبهة الإسلامية (50 ألف رجل)»، و«جبهة ثوار سوريا (من 20 إلى 30 ألف رجل)». وبمواجهة المعارضة، ترى المصادر الاستخباراتية الفرنسية أن قوى النظام «تضعف» وأن مصادر قوته الأساسية هي «حزب الله» والميليشيات العراقية الشيعية والدعم الإيراني، وتشير إلى أن العديد من الميليشيات العراقية يعود للعراق للدفاع عن مناطقه بوجه «داعش». ولذا، فإن نجاح خطة التحالف مرتبط بمدى قدرته على النهوض حقيقة بالجيش العراقي وتأهيله وتقوية البيشمركة الكردية من جهة، ومن جهة ثانية النجاح في تشكيل معارضة سورية موثوق بها ومدربة ومجهزة بشكل جيد لتكون قادرة على الإمساك بالأراضي التي سينسحب منها «داعش» بفعل الضربات الحليفة.
وتعي باريس أن العمليات الجوية «ليست كافية» خصوصا أنها تحصل بمعدل 5 مرات في اليوم. وبحسب خبراء عسكريين، فإن «داعش» أخذ «يتأقلم» مع التطورات العسكرية، والدليل على ذلك أنه «مستمر» في عملياته الهجومية في العراق وسوريا رغم الضربات الجوية التي بدأت تحوم الشكوك حول «فعاليتها» الأمر الذي يدفع بالدرجة الأولى المسؤولين الأميركيين إلى المطالبة بـ«الصبر» بانتظار أن تحقق الضربات أهدافها. وبعد أن كانت باريس ترفض قطعيا المشاركة في العمليات العسكرية في سوريا مشترطة لذلك «غطاء» دوليا، فإنها أصبحت اليوم أكثر «تفهما» وربما استعدادا للانخراط في عمل التحالف الدولي في هذا البلد لما تعده من «تواصل وتداخل» بين الوضعين العراقي والسوري واستحالة التخلص من «داعش» في العراق من غير التخلص منه في سوريا.