العدد 5376 - الجمعة 26 مايو 2017م الموافق 29 شعبان 1438هـ

القطان: رمضان هو الفترة الروحية التي تجد فيها هذه الأمة فرصة لاستجلاء تأريخها وإصلاح أوضاعها

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

الجفير - محرر الشئون المحلية 

26 مايو 2017

قال خطيب جامع الفاتح، الشيخ عدنان القطان، في خطبته أمس الجمعة (26 مايو/ أيار2017): «إن شهر رمضان هو الفترة الروحية التي تجد فيها هذه الأمة فرصة لاستجلاء تأريخها، وإعادة أمجادها، وإصلاح أوضاعها».

وتحت عنوان «رمضان فرصة لتجديد الإيمان»، انطلق القطان في خطبته من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وقال القطان: «يا لها من فرحة غامرة، تعيشها الأمة الإسلامية هذه الأيام، فهي إزاء دورة جديدة من دورات الفلك السيار، والزمن الدوار، وإن في مرور الليالي والأيام لعبراً، وفي تصرم الشهور والأعوام لمزدجراً ومدكراً. تمر الأيام وما أسرعها! وتمضي الشهور وما أعجلها! ويطل علينا موسمٌ كريم، وشهر عظيم، ويفد علينا وافدٌ حبيب وضيف عزيز، حيث يحل علينا شهر رمضان المبارك، بأجوائه العبقة، وأيامه المباركة الوضاءة، ولياليه الغر المتلألئة، ونظامه الفريد المتميز، وأحكامه وحِكَمه السامية، هو من فضل الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة، لما له من الخصائص والمزايا، ولما أعطيت فيه أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم من الهبات، وخصت فيه من الكرامات، كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِين) فيا لها من فرصة عظيمة، ومناسبة كريمة، تصفو فيها النفوس، وتهفو إليها الأرواح، وتكثر فيها دواعي الخير، تفتح الجنات، وتتنزل الرحمات، وترفع الدرجات، وتغفر الزلات، وتحط الأوزار والخطيئات، يجزل الله فيها العطايا والمواهب، ويفتح أبواب الخير لكل راغب، ويعظم أسباب التوفيق لكل طالب، فلله الحمد والشكر على جزيل نعمائه، وترادف مننه وآلائه، إنه فرصة للطائعين للاستزادة من العمل الصالح، وفرصة للمذنبين للتوبة والإنابة، ويا لها من فرصٍ لا يرحم فيها إلا مرحوم، ولا يحرمها إلا محروم، ويا بشرى للمسلمين بحلول شهر الصيام والقيام».

وذكر القطان أن «الأفراد والمجتمعات والدول والأمم لمحتاجون لفترات من الراحة والصفاء لتجديد معالم الإيمان، وإصلاح ما فسد من أحوال، وعلاج ما جد من أدواء، وشهر رمضان المبارك هو الفترة الروحية التي تجد فيها هذه الأمة فرصة لاستجلاء تأريخها، وإعادة أمجادها، وإصلاح أوضاعها. إنه محطة لتعبئة القوى الروحية والخلقية التي تحتاج إليها الأمة، بل يتطلع إليها كل فردٍ في المجتمع، إنه مدرسة لتجديد الإيمان، وتهذيب الأخلاق، وتقوية الأرواح، وإصلاح النفوس، وضبط الغرائز، وكبح جماح الشهوات، إنه مضمار يتنافس فيه المتنافسون للوصول إلى قمم الفضائل، ومعالي الشمائل، وبه تتجلى وحدة الأمة الإسلامية».

وبين أن «الصيام مدرسة للبذل والجود والبر والصلة، هو حقاً معين الأخلاق ورافد الرحمة، ومنهل عذب لأعمال الخير في الأمة».

وأضاف «فما أجدر الأمة الإسلامية وهي تستقبل شهرها أن تقوم بدورها، وتحاسب نفسها، وتراجع حساباتها، وتعيد النظر في مواقفها... ما أحوجها إلى استلهام حكم الصيام، والاستفادة من معطياته، والنهل من معين ثمراته ونمير خيراته».

وتساءل «بماذا عسانا أن نستقبل شهرنا الكريم، وموسمنا الأغر العظيم؟»، وأجاب أن «الناظر في واقع الناس اليوم إزاء استقبال هذا الشهر الكريم يجدهم أصنافاً وأنواعاً، فمنهم: من لا يرى فيه أكثر من حرمانٍ لا داعي له، وتقليدٍ لا مبرر له، بل قد يرفع عقيرته مدعياً أنه قيودٌ ثقيلة، وطقوسٌ كليلة تجاوزها عصر الحضارة، وتطور الثقافة، وركب المدنية الحديثة. ومنهم من لا يرى فيه إلا جوعاً لا يتحمله بطنه، وعطشاً لا تقوى عليه عروقه الرقيقة. ومنهم من يرى فيه موسماً سنوياً للموائد الزاخرة باللذيذ المستطاب من الطعام والشراب، وفرصة سانحة للسمر والسهر واللهو وتضييع الأوقات النفيسة إلى هجيعٍ من الليل، بل إلى بزوغ الفجر، يتبع ذلك استغراق في نومٍ عميق نهاراً، فإذا كان من ذوي الأعمال تبرم بعمله، وإذا كان من أصحاب المعاملات ساءت معاملاته وضاق عطنه، وإذا كان موظفاً ثقل عليه الالتزام بأداء مسئولياته، وقلَّ إنتاجه وعطاؤه».

وتابع «في الأمة بحمد الله وهم الأكثرون إن شاء الله من يرى في رمضان غير هذا كله، وأجلَّ منه جميعه، يرون فيه دورة إيمانية تدريبية لتجديد معانٍ عظيمة في النفوس، من الإيمان العميق، والخلق القويم، والصبر الكريم، والعمل النبيل، والإيثار الجليل، والتهذيب البليغ، والإصلاح العام للأفراد والمجتمعات والأوطان».

وأشار إلى أن «استقبالنا رمضان يجب أن يكون بالحمد والشكر والثناء لله جل وعلا، والفرح والاغتباط بهذا الموسم العظيم، كما قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) استقبالنا رمضان يجب أن يكون بالتوبة والإنابة من جميع الذنوب والمعاصي، وأي عبدٍ لم يلم بشيءٍ منها؟ كما يجب الخروج من المظالم، وأداء الحقوق إلى أصحابها، وفتح باب المحاسبة الجادة للنفوس، والمراجعة الدقيقة للمواقف، والعمل على الاستفادة من أيامه ولياليه صلاحاً وإصلاحاً، وتهيئة النفوس للصيام والقيام والوحدة والاعتصام، والتسامح والتصافي والوئام، والحذر من الفرقة والانقسام، وأعمال العنف والتخريب والاضطراب والخصام، بهذا الشعور والإحساس يتحقق الأمل المنشود، وتسعد الأفراد والمجتمعات والأوطان بإذن الله تعالى».

مستدركاً بالقول «أما أن يدخل رمضان ويراه بعض الناس تقليداً موروثاً وأعمالاً صورية محدودة الأثر، ضعيفة العطاء، بل لعل بعضهم أن يزداد سوءاً وانحرافاً والعياذ بالله، فذلك انهزام نفسي، وعبثٌ شيطاني، له عواقبه الوخيمة على الفرد والمجتمع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ألا فلتهنأ الأمة الإسلامية جميعاً بحلول هذا الشهر العظيم، وليهنأ المسلمون قاطبة بهذا الوافد الكريم... فالله الله عباد الله في الجد والتشمير دون استثقالٍ لصيامه، واستطالة لقيامه، واستبطاءٍ لأيامه، وحذار حذار من الوقوع في نواقضه ونواقصه، أو تعاطي مفطراته الحسية والمعنوية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)... وما أحوجنا يا عباد الله للالتزام بتعاليم الإسلام الحقة، حتى يرحمنا الله، ويدفع عنا ما حل بنا من بلايا ومصائب ونكبات، ونحن نواجه المؤامرات تلو المؤامرات من قوى الشر والطغيان في كل مكان».

وبين القطان أن «الغيور ليتساءل بحرقة وأسى في هذه الأيام: بأي حالٍ يستقبل إخواننا المستضعفون المظلومون في بعض الدول العربية والإسلامية شهر رمضان المبارك، وهم يقتلون ويذبحون ويهجرون، وترتكب بحقهم أبشع الجرائم، على أيدي الطغاة المجرمين، على مرأى ومسمع من العالم المتحضر».

وذكر أن «الواجب علينا شكر نعمة الله على ما نعيشه من أمنٍ وأمان، وأن نقدم لإخواننا المسلمين المضطهدين في دينهم في كل مكان، ما نستطيعه من دعاءٍ وبذل وعطاء لا سيما من ذوي المال واليسار، والغنى والاقتدار، في تلمس احتياجات إخوانهم الذين تربطهم بهم عقيدة الإسلام، كيف لا وقد حلَّ فينا شهر الخير والبركة، وهو شهر الجود والبذل والعطاء، فلنتحسس إخواننا المحتاجين من قريبٍ وبعيد، فنمد لهم يد العون والمساعدة، وهذا من واجب الأخوة الإسلامية... وهمسة محبٍ ناصح في أذن كل من يواقع معصية، أو يقترف خطيئة، فإن شهر رمضان فرصة للإقلاع والندم والتوبة والإنابة، وهو مدرسة الصبر والتحمل والقوة والإرادة، فلنبادر جميعاً إلى الكف عن الوقوع في أي لونٍ من ألوان المحرمات في حقوق الله أو في حقوق عباد الله، لاسيما والأجواء الإيمانية والأوقات الروحانية تعين على ذلك، كيف لا والعمر قصير، والأجل يأتي بغتة. والله المستعان. (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، كما أن الدعوة موجهة وبإلحاح إلى القائمين على وسائل الإعلام، والمسئولين عن القنوات الفضائية في بلاد المسلمين، أن يتقوا الله تعالى في الأمة في هذا الشهر الكريم، فيبثوا الخير والفضيلة، ويكفوا عن الشر والرذيلة، ويحذروا من بث ما يتعارض مع عظمة هذا الشهر المبارك من مشاهد تخدش الحياء، وتشيع المنكر بين الناس، ويقلبوا بذلك شهر رمضان من شهر صوم وصدقة وصلاة ودعاء وقرآن، إلى شهر سهر وعبث ومسلسلات وأفلام ورقص وجنس ومجون وزور في القول والعمل، فصيام رمضان إنما شرع لأجل التقوى، فكل ما يعارض هذه التقوى يعد اعتداءً وبغياً وعدواناً على شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، فلا بد من التأدب والحياء مع قدسية الزمان، ورعاية حرمة شهر الصيام، هذا إن رمنا الاستفادة من هذا الشهر الكريم، وإننا لفاعلون إن شاء الله تعالى».

وفي خطبته، قال القطان: «لقد أظلنا زمان شهر رمضان المبارك، كنّا قد وعدنا أنفسنا قبله أعواماً ومواسم، بالتوبة والعمل الصالح، ولعل بعضنا قد أمَّل وسوَّف وقصَّر، فها هو قد مدَّ له في أجله، وأخّر وأمهل، حتى طل عليه شهر رمضان، فماذا عساه بعد هذا أن يفعل؟ نسأل الله تعالى أن يبلغنا بمنه وفضله هذا الشهر الكريم بالصحة والعافية والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحبه ويرضاه... فكم يا عباد الله نعرف من الأهل والآباء والأمهات، والأبناء والإخوان، والأقارب والأصدقاء والجيران، صاموا معنا في العام الماضي، وهم الآن تحت الجنادل والتراب وحدهم، أتاهم الموت، أتاهم هادم اللذات، ومفرق الجماعات، وآخذ البنين والبنات، فاختطفهم من بين أيدينا، أسكتهم والله فما نطقوا، وأرداهم فما تكلموا، كأنهم والله ما ضحكوا مع من ضحك، ولا أكلوا مع من أكل، ولا شربوا مع من شرب، ولا صاموا مع من صام».

وأضاف «يا شيخاً كبيراً احدودب ظهره، وابيض شعره، ودنا أجله، وهو مصر على المعاصي، ماذا أعددت للقاء الله؟ وماذا بقي لك في هذه الدنيا؟ يقول سفيان الثوري رحمه الله: (إذا بلغ العبد ستين سنة، فليشتر كفناً وليهاجر إلى الله عز وجل)... ويا شاباً غره شبابه وطول الأمل، وأسرف على نفسه بالمعاصي، ماذا أعددت للقاء الله؟ متى تستفيق إن لم تستفق اليوم؟ ومتى تتوب إن لم تتب في هذه الساعات؟ ومتى تعمل إن لم تعمل في هذه اللحظات؟ ألا ترى قصر الأعمار، وموت الشباب، وفجآءة الموت؟ إن الواجب علينا جميعاً أن نتق الله عز وجل ونتخذ من استقبال شهرنا موقف محاسبة وتوبة، ونقطة رجوع إلى الله وعودة إلى حماه، فمن كان تاركًاً للصلاة فليتب، ومن كان عاصياً لله فلينب، ليهتم كل أب ببيته وتربية أبنائه على تعاليم الإسلام، فإنه سيموت وحده، ويبعث وحده، ويحاسب على ما قدمت يداه، ليكن كل إنسان منا مفتاحاً للخير مغلاقًاً للشر، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، وليجعل من نفسه مشعل خير في أهل بيته وحيّه ومن حوله، وفي وطنه، لنكن أمة واحدة كما أراد الله منا حين قال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)... يا أسير الذنوب والشهوات، هذا شهر التوبة. يا عاكفاً على المعاصي والمحرمات، هذا شهر الطاعة. يا مدمن الغيبة والنميمة والنظر والاستماع إلى ما حرم الله، هذا شهر الرجوع إلى الله، يا آكل الربا، يا متعاملاً بالرشوة وآكلاً أموال الناس بالباطل، يا سارقاً ومختلساً من الأموال العامة والخاصة، يا شارباً للخمر ويا متعاطياً للمخدرات، ويا عابثاً بأعراض الناس، ويا مسيئاً لوطنه ومزعزعاً لأمنه واستقراره، هذا شهر الأوبة والإنابة، هذا شهر صوم الجوارح وصونها عن كل ما يغضب الله، هذا شهر القرآن فاتلوه، هذا شهر الغفران فاطلبوه، هذا شهر الصيام والقيام والبر والإحسان فافعلوه».

العدد 5376 - الجمعة 26 مايو 2017م الموافق 29 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً