العدد 1000 - الأربعاء 01 يونيو 2005م الموافق 23 ربيع الثاني 1426هـ

معارك المرأة الخليجية

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

"إن المجتمع العربي في حال تفسخ، وهو ينهار أمام أعيننا على كل المستويات وفي كل مجالات الحياة، إننا في حال ترد اقتصادي واجتماعي خطير، وإن مصدر الأزمة المفجعة التي يعانيها العرب اليوم ليس فقط المصائب والأخطار التي ألمت وتلم بهم، بل فقدانهم القدرة الذاتية على مجابهتها بوعي وإرادة اجتماعية موحدة. .. ان المجتمع الأبوي محافظ بطبيعته ويرفض التغيير، ولا يقبل به إلا في حالين، عندما يفرض عليه من الخارج، كما حدث في مجتمعنا منذ بداية الغزو الأوروبي، وعندما يكون التحديث ضرورة حيوية للحفاظ على الذات، لكنه في كلتا الحالين لا يأخذ بالتغيير إلا جزئيا وبعد أن يكيفه لمقاصده، فيتحول التحديث إلى آلية تحافظ على الوضع القائم بدلا من تغييره. وحداثة المجتمع الأبوي لا تغير البنية الاجتماعية القائمة ولا تمس منها إلا مظاهرها الخارجية. قد تغير الصورة لكنها لا تغير الأصل أو الواقع..." هشام شرابي 1991 في كتابه "النقد الحضاري لواقع المجتمع العربي المعاصر".

عند التأمل بما ذكره شرابي، وبعيدا عما يردنا من التقارير الدولية التي تعتمد المؤشرات الكمية لقياس المستوى الباهر الذي تحقق لواقع المرأة في مجتمعاتنا، وأبرزها تقرير "بيت الحرية" الأخير الذي صنف البحرين في مرتبة متقدمة على مستوى منح الحريات والحقوق للبحرينيات، ولاسيما بعد تعيين وزيرتين، وكم سفيرة ومديرة وعقيد هناك، وبعيدا عن بعض الخطب النسائية الإنشائية المتسمة بالتفاؤل تارة والتغني بما حصلت عليه المرأة الخليجية من حريات ومكتسبات سياسية وحقوقية وممارسة للحريات تارة أخرى، وبعيدا عن الشعارات البراقة وتضخيم الذات، ولاسيما عند الحديث عن "التمكين" ومشاركة المرأة في الشأن العام وخوضها الانتخابات، ناهيك عن الحديث عما تحقق للخليجيات من مستويات تعليمية عالية واختراقهن مجالات العمل والمهن المختلفة. وبعيدا عن كل هذا وذاك، فالمقياس الكمي المعتمد كمعيار لهذه المنظمات لحصول المرأة على الحقوق، هو معيار غير واقعي، ولا يفي بضرورات التحول الاجتماعي في بنية المجتمعات الأبوية، ومستويات التفاؤل لهذه الخطب أيضا بحاجة إلى إعادة نظر ونصب لمناظير وكشافات الضوء لرصد ورؤية الواقع الاجتماعي والحضاري الذي تعيشه المرأة في مجتمعاتنا الخليجية من دون رتوش أو تزيين. طبعا ما تحقق للنساء خطوة متقدمة لا تنكر، لكنها بحاجة إلى تفكيك وتحليل لسلوكيات الشركاء ومقاربة أدوار الجميع والكشف عما إذا كانوا يهبطون بهمة المرأة والعودة بها إلى الخلف أم دفعها إلى المقدمة لتكون الشريك والرفيق الفعلي في تحديث المجتمع.

لا ريب سنكتشف جبل الجليد الحاجز ما بين الأقوال والأفعال، وهو بحد ذاته داء وأداة تخريب للجهود المبذولة من بعض القوى السياسية والاجتماعية المتنورة والطامحة إلى التغيير السياسي والاجتماعي، فمهمة هذه الأداة هو شطب ما تقوم به معاول البناء، وهي - أي الأداة - تكشف عن قناع الكذب والتناقض حيال الأقوال والأفعال، وتعكس صورا مشوهة ومهزوزة لما يجب أن يكون عليه الواقع. أداة التخريب تسعى دائما إلى تحجيم المرأة وإرجاعها إلى دارها معززة مكرمة مصونة، خاضعة في حركاتها وأنفاسها ورغباتها في التعبير عن نفسها وعن الأخريات من بنات جنسها إلى ما تمليه عليها الهيمنة التقليدية الأيديولوجية المتعالية. وخطر التخريب لا يتوقف عند العمل ضد المرأة أو الحجر على مشاركتها في الشأن العام بمختلف الحجج والتفاسير، لا بل الخطورة تكمن في قبول قطاع كبير من النساء بفكرة اختزالهن في نفوذ هذه الهيمنة وتمثلها فكرا وسلوكا، إذ على إثرها تعطل الطاقات وتبدد الجهود وتكون الحصيلة النهائية في جعبتهن صفرا بصفر، سواء حصلن على حقوقهن الدستورية أم لم يحصلن عليها، أكن مواطنات درجة أولى أم لم يكن.

تشير نهى بيومي في مقال لها عن "المرأة العربية والتحدي المعاصر بين التشريعات والتقاليد" إلى "أن التغيير لا يحدث بمجرد "التشريع"! والدلالات إلى ما اشرنا إليه سيل من النماذج التي نصادفها يوميا، منها ما أثير بعيد منح الكويتية حقها السياسي، وأنه لن يجوز إليها ممارسة ذلك الحق إلا بشرطية "الالتزام بالضوابط الشرعية". فعند تفسير الضوابط الشرعية، سنلج في متاهات القوى الاجتماعية المختلفة بطوائفها ومذاهبها وإثنياتها، علاوة على الجدل العقيم المحكوم بفكرة الجائز وغير الجائز.

وفي هذا السياق اعتبر أحد النواب الكويتيين أن ورود اسم الجراحة "فريدة الحبيب" مرشحة لمنصب أول وزيرة كويتية "إهانة". النائب مع أن تكون الكويتية وزيرة أو نائبة ويصر على مبدأ الكفاءة سواء للرجل أو المرأة، وهو أيضا صوت - كما يقول - لصالح هذا الحق ويرفض تشكيل الحكومة على أساس طائفي. وهذا بلا أدنى شك، كلام مريح ومعقول، مبدئيا له كل الحق في ذلك، بيد أنه يتحدث إلينا باسم الطائفة قائلا: "نحن نعتقد أن بين الشيعة رجالا أكفاء قادرين على تحمل المسئولية..." ذلك أنه يرفض أن تمثل طائفته "إمرأة"، مضيفا: "إذا أصر رئيس الوزراء على تعيين امرأة ضمن حكومته ولا يوجد توهين في اختيارها فليجعلها من إحدى القبائل ليرى ردة الفعل، فالسياسة تحكمها أيضا الضوابط وتراعى فيها الحيثيات" "الوسط، 28 مايو/ أيار 2005".

نموذج بحريني اعتبر منح السلطة التشريعية حق قيادة السيارة للمنقبات، فرصة تمنح للمرأة من أجل ممارسة حريتها في المجتمع، وأشار: "والآن أصبحن يتمتعن بكامل الحرية والخصوصية من دون حذر الخلوة أو الاختلاط. كما أتاحت هذه القرارات فرص عمل جيدة للنساء، وهي أعمال تناسب طبيعة النساء وخصوصا ربات البيوت اللواتي يردن تحسين وضعهن المعيشي..." "الأيام، اليوم نفسه".

أما النموذج السعودي، فلا يخفى على المتتبع طبيعة المعارك التي تخوضها السعوديات للحصول على حق قيادة السيارات، انطلاقا من كونه ضرورة اجتماعية وإنسانية واقتصادية تفرضها طبيعة المتغيرات التي حدثت في مجتمعاتنا، يقدن المعركة ضد من؟ ضد من يرون في قيادة السيارة خسارة كبيرة للأعراض ولسمعة المرأة.

إذا عدنا أدراجنا إلى دور المؤسسات النسائية الأهلية والرسمية منها إزاء الحملة التي تشن على النساء، وقاربنا ذلك بالجهود القائمة على تنفيذ برامج التمكين الرائجة في منطقة الخليج هذه الأيام، وإلى ما آل إليه الحال، وإلى المشاركة في عملية التغيير الاجتماعي التي صارت لزاما على هذه المؤسسات خوض معاركها، وخصوصا أن ما تحقق للمرأة من مكتسبات على مستوى الحريات الفردية قد بات أمره في مهب الريح، وغدا يتداول في بورصة المساومات والتحالفات السياسية بين القوى السياسية والاجتماعية وحكومات المنطقة، فصارت المطالبة بحقوق النساء، من سن قانون لأحكام الأسرة، وقانون يحميهن من ممارسي العنف والتمييز، أو تطبيق آلية التمكين "الكوتا النسائية"، أو إشهار الاتحاد النسائي البحريني، كلها غدت قضايا مسيسة خاضعة إلى اللعب السياسية التي يساهم الحكم فيها بشكل أو بآخر، ويحرك أطرافها كقطع الشطرنج في صراعه ومماحكاته مع القوى السياسية والاجتماعية والنسائية. فالتعاطي مع إشهار الاتحاد النسائي البحريني نموذج فاقع لممارسة الحكم هذه، فالوزيرة تصرح بعد مرور خمسة أعوام على مفاوضات الإشهار بالتالي: "... أرسلنا النظام الأساسي للاتحاد إلى دائرة الشئون القانونية بمجلس الوزراء لمعرفة رأيه القانوني... أهم نقطة يجب أن تراعى، إدراك أن هناك هيئة حكومية تعنى بشئون المرأة وهي المجلس الأعلى للمرأة، وأنه من الضرورة بمكان ألا يكون هناك تضارب في الاختصاصات بين الاتحاد والمجلس، بل التكامل في الأدوار..." إلخ.

إذا... الكل انصرف إلى معاركه الخاصة، إلا الحركات النسائية الخليجية التي تعاني من هزال وتبعية لا "يشد بها الظهر" في قيادة معاركها وتثبيت أقدام مؤسساتها في المجتمع، فضلا عن معركة حرية المرأة واستقلالها، ومطالبها، فهي تدور في الساقية، إلى أين؟ لا أحد يعلم، وهي على النقيض من الحال الاستثنائية العربية التي تمر بها الحركة النسائية المغربية التي أبدعت في إدارة تحالفاتها وتشكيل جماعات الضغط وزاوجت بين معركتها الاجتماعية والحراك السياسي ولم تفصل بينهما، "فمدونة الأحوال الشخصية" تحققت بالتحالف والنضال مع الأحزاب السياسية، والاتحادات العمالية والنقابات المهنية جاءت بعد تراكم نضالي اتسم بالنفس الطويل طيلة العقود الماضية. شرابي في حديثه عن واقع الحركة النسائية العربية يشير إلى أن العطل الذي أصاب الحركات السياسية العربية هو نفسه الذي تكبدته الحركة النسائية بسبب تراجعاتها الفكرية في وجه الهجمات الأيديولوجية الدينية، واتخاذها الموقف الدفاعي. لذلك فالمراد تحقيقه من تغيير لواقع النساء والدفع بهن إلى ممارسة النشاط العام، لن يكون إلا باستنهاض روح المقاومة والصراع لدى النساء على أسس مبدئية وإيمانية بعدالة قضية الحقوق والحريات، وتشجيعهن على خوض المعارك في سياق عملية التغيير السياسي والاجتماعي. والأخيرة تحتاج إلى تنشئة اجتماعية وسياسية قائمة على تمثل مبادئ الديمقراطية والمساواة والعدالة والحرية قولا وفعلا، وكسر علاقات التسلط والهيمنة والتدجين، فضلا عن تجديد الفكر والمعرفة وممارسة منهجية التفكير السياسي في نشاط الحركات النسائية، والإيمان بضرورة تحرير المرأة على مستوى القوانين والتشريعات والعلاقات والممارسات الاجتماعية، فالخطأ الفادح يكمن في التفكير أن معركة الإصلاح والتغيير السياسي لا علاقة لها بمعركة الإصلاح والتغيير الاجتماعي، والخطأ الفادح الذي يليه هو ألا نعرف كيف ندير حركة التغيير السياسي والاجتماعي، وهو أيضا عدم إدراك من هو الخصم في كلتا المعركتين؟

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1000 - الأربعاء 01 يونيو 2005م الموافق 23 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً