العدد 1015 - الخميس 16 يونيو 2005م الموافق 09 جمادى الأولى 1426هـ

السادة والعبيد: أيهما أكثر تحضرا... التكنولوجيا أم الإنسان؟

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

"إن الأخلاق القويمة تتوقف على الصفات الأدبية للسواد الأعظم في الأمة، أكثر من توقفها على أخلاق العدد القليل من أبنائها. ويدل على أخلاق الأمة، أخلاق أفرادها. فإذا لم يتحلوا برقي عقولهم، وبالصدق، والأمانة والفضيلة والعزم، استخفت بهم الأمم، وسقطت قيمتهم في العالمين"، "صموئيل سمليز".

منذ أن طل على الدنيا المدعو السيد: الكمبيوتر الشخصي أصبح علامة من علامات الوجود التي لا يمكن إغفالها، وهذه العلامة تميزه عن كثير من العلامات، فقد تميز معه فصيلان من المفردات الخاصة به وحده لا يشاركه فيهما أحد! أحد هذين الفصيلين له علاقة بالبرمجيات التي يبدعها المبرمجون في مختلف بقاع العالم وبمختلف اللغات، برمجيات تقوم بإداء مهمات سهلة في آن وصعبة في آن آخر، رتيبة في كثير من الأحيان ومحفزة للعقل والتفكر في أحايين كثيرة؛ الفصيل الآخر له علاقة بالمكونات الآلية أو بما يسمى بالأجهزة المادية التي يدخل من خلالها المعلومات وتلك التي يخرج بها المعلومات على اختلاف أنواعها من شاشات وطابعات ولوحات مفاتيح وأقراص صلبة لتخزين المعلومات وأقراص لينة أيضا لتخزين المعلومات ومن ذاكرة قصيرة الأمد مؤقتة إلى ذاكرة طويلة الأمد أزلية إلى ناسخات ضوئية ومودمات لتبادل المعلومات عبر أجهزة الاتصال إلى فأرة يتحرك رأسها على الشاشة وتتحرك هي على سطح إسفنجي لتنفذ أوامر لا تحتاج إلى مفردات تكتب، بل إلى إشارة وغمزة ولمزة إلى محرك أقراص مدمجة وكثير من الأدوات التي تعتبر من أولويات المتطلبات لتتم عملية تشغيل هذا الجهاز السحري بكل سلاسة.

وغدت هذه المفردات جزءا لا يتجزأ من مفردات القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، وتبوأت مكانا تحسد عليه في فترة قصيرة زمنيا، وأصبح لها من الصيت والشهرة ما لم يصبح لمفردات سابقة عليها بقرون طويلة. غير أن هذه المفردات ولسرعة نبض التكنولوجيا وتحركها على مستوى العالم وانشغال الناس والعلماء بما تقدمه من خدمات رائعة لم تخضع للفحص الذي خضعت وتخضع له مفردات أخرى اجتماعية وفلسفية وروحية وسياسية. أي أنها وجدت نفسها تتبوأ مكانا مرموقا بين المفردات الأخرى دون حسيب أو رقيب. ويعود أيضا السبب في ذلك إلى أن اللغويين لم يكونوا على علم بهذه التكنولوجيا وبما تقدمه لهم ولم يستطيعوا أن يعرفوا لغتها على حقيقتها، ولم يكن هناك من ثم قواميس ولا موسوعات تتطرق لشرح هذه المفردات الشرح الوافي الكافي. والسبب الآخر المباشر إن مخترعي هذه المفردات والأسماء ليس لهم أي اتصال باللغة وما تحمله في رحمها من معان ربما لا يقبل بها أهل الاختصاص والعلم، ولا يقبل بها الساسة ومن حذا حذوهم.

في الآونة الأخيرة وبعد أن تمكنت لغة التكنولوجيا منا وأخذتنا على حين غفلة كما تفعل الأشياء السريعة، التفت أهل العلم والاختصاص والساسة ومناهضو العنصرية إلى مفرداتها، في محاولة منهم لتنقيتها من الشوائب التي لحقت بها من دون قصد ودراية من أولئك الذين نحتوا لغتها وهم غير الخبراء باللغة ودهاليز معرفتها الصحيحة والملتوية.

من هذه المفردات تلك ذات العلاقة بـ "القرص الصلب"، إذ جبل على تسمية أقسامه وتراتبيته إلى "سيد" و"عبد"، أو باللغة الإنجليزية " Master & slave". إذ "السيد" هو القرص الصلب الرئيسي و"العبد" يمثل القرص الصلب الفرعي أو الثانوي. "السيد" و"العبد" لغة تعني الإنسان الحر الطليق المالك لقرار نفسه أما "العبد" فلغة تعني الإنسان المستعبد الواقع تحت نيران الرق غير المالك لقرار نفسه. في لغة الكمبيوتر تعنى كلمة "السيد" تحديدا: "رئيسي" أو "أولي"، وتعني "العبد": "فرعي" أو "ثانوي".

بداية الوعي بعنصرية هذه المفردات المستخدمة أتت من قبل مسئولين في مدينة لوس أنجلوس، الذين طالبوا المصنعين والمزودين والمقاولين بوقف استخدام هذه المفردات في البرمجيات والإشارة عوضا عن ذلك إليهما بالاولي والثانوي في حال برمجة القرص الصلب لكونها مفردات عدوانية مهينة كريهة وتهجمية، وأشعل الطلب هذا غضب واهتياج بعض المزودين كما أوردت ذلك نشرات الأخبار. يبدو من ذلك ان بعضا من أولئك القوم لا تزال تعشعش في عقولهم بعض الروائح الكريهة القادمة من مزابل التاريخ.

المفردتان تستخدمان حتى الساعة في أدبيات كبرى الشركات مثل "مايكروسوفت" وغيرها، ولحسن الحظ إنها في طريقها إلى الزوال والاندثار، كما اندثرت من حياة الشعوب مفردات عنصرية سيئة للغاية.

المعركة مستمرة الآن وهي على أشدها هناك في العالم المتحضر الذي يفحص مفرداته بشكل دوري ليخلصها من شوائب الغفلة والجهل، غير إنه وللأسف في عالمنا العربي فالمفردة تستعمل ولا كأنها تحمل في رحمها أية إهانة لأحد من هنا أو هناك، ونحن الذين لدينا من مجاميع اللغة ما لا يمكن حصره. أعرف جيدا مصير هذه المناقشات هناك إذ لاجدال في أن تلك المفردات ستستبدل ولن ترى النور هناك على الأجهزة الحديثة، غير أني لا أخفيكم بأن هذه المفردات ستبقى معنا ردحا من الزمن ولن يقف في طريق التعامل بها أحد، فقوانينيننا عاجزة عن إيقاف مفردات مشينة تخص بني الإنسان من تلك ذات العلاقة بالعرقية والطائفية والعبودية واللونية... فما بالك بمفردات لا تخص بني البشر!

من ناحية أخرى اتهمت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس كلا من السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت، بناء على تقارير صادرة عن مؤسسات أصيلة بالمتاجرة بالإنسان، وهي نوع من العبودية الحديثة المنتشرة في أقطار كثيرة من العالم. وأشارت أيضا إلى وجود مثل هكذا تجاوزات غير إنسانية في أميركا نفسها، إذ يتم التعامل مع العمال غير الشرعيين والقاطنين في أميركا بشكل غير قانوني. ووردت أرقام كثيرة في هذا الشأن لا مجال لإدراجها هنا.

وأشارت رايس إلى أن بيع الناس لا يمكن السكوت عنه، فهذه الطريقة المسماة "فري فيزا" هي سلوك غير إنساني أكل الدهر عليه وشرب، وأن المتعاملين بهكذا نوع من المتاجرة ومن الظلم البشري سيلقون جزاء عسيرا.

حتى يأتي ذلك اليوم فإني أراهن على أن التكنولوجيا ستستطيع أن ترمي في البحر تلك المفردات التي ولدت في ظلمة الجهل على غير دراية بما تحمله في رحمها من مهانة، ولن يكون لها عودة أبدا مهما كانت الأسباب، أما بيع البشر بطريقة حديثة: "عبودية عصرية"، فإنه سيزداد خصوصا في عالمنا المسمى بـ "العالم الثالث". وليس اللوم كل اللوم على المتعاملين بهذه الكتلة البشرية بطريقة مهينة، بل اللوم أيضا يقع على الناس الذين يقبلون بشروط مهينة لإنسانيتهم فقط من أجل لقمة العيش التي يحصل عليها كل الحيوانات من دون قيد أو شرط.

الحل في إعلام الناس بإنسانيتهم وبأحقيتهم في نيل كل حقوقهم من دون المساس بجوهر إنسانيتهم من أي كائن كان

العدد 1015 - الخميس 16 يونيو 2005م الموافق 09 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً