العدد 1017 - السبت 18 يونيو 2005م الموافق 11 جمادى الأولى 1426هـ

السوريون بعد مؤتمر البعث

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

انقسم السوريون بصورة واضحة بشأن النتائج التي خرج بها المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث السوري بعد ثلاثة أيام من أعماله في دمشق، وتبلور الانقسام في ثلاثة اتجاهات، أولها اتجاه بعثي، اعتبر أن توصيات وقرارات المؤتمر كانت بمثابة نقلة مهمة على كل الأصعدة وخصوصا السياسية والاقتصادية، ومنها القول بالتوجه نحو قانون للأحزاب في سورية، وإعادة النظر في قانون الطوارئ، وفصل الحزب عن الدولة.

والاتجاه الثاني في تعامل السوريين مع نتائج مؤتمر البعث، يمثله موقف المعارضين ونشطاء المجتمع، وقد كانت غالبيتهم لا تراهن على نتائج جدية يمكن أن يتمخض عنها مؤتمر البعث، وهو تقدير أساسه تقييم هؤلاء غير الإيجابي لجملة السياسات والممارسات المتبعة في السنوات الفاصلة بين المؤتمر التاسع للحزب العام 2001 والمؤتمر الحالي والتي لم تؤد إلى نتائج ملموسة في موضوع الإصلاح إضافة إلى تصعيد السياسة الأمنية وحملات الاعتقال بشكل واسع قبيل انعقاد المؤتمر بقليل. غير أنه وفي سياق هذا الموقف ظهرت إشارات إلى بعض "إيجابيات" في نتائج المؤتمر، لكنها رهنت هذه "الإيجابيات" بالسياسات التطبيقية، التي ستتابعها السلطات في المرحلة المقبلة، وكان التكثيف الشديد لهذا الموقف في مقولة "نريد أفعالا". وكانت الأكثرية السورية هي المعبر عن الموقف الثالث من نتائج المؤتمر القطري، والتجسيد العملي لهذا الموقف كان التعامل بحذر مع انعقاد المؤتمر، وعدم المراهنة على نتائجه، وهو أمر لا يتصل فقط بما في الذاكرة السورية عن نتائج مؤتمرات الحزب، والتي لم يكن لها دور مؤثر على حياة السوريين إلا في مرات قليلة وفي موضوعات تريد السلطات تنفيذها، بل يتصل أيضا بفكرة، أن المؤتمر لن يكون بمقدوره القيام بالأعباء الملقاة على عاتقه في عملية الإصلاح، وهي فكرة تشارك في إقناع الأكثرية السورية بها والترويج لها معارضون وبعض قيادات البعث قبل انعقاد المؤتمر.

وفي الخلاصة، فإن كثيرا من السوريين لم يلحظوا في نتائج مؤتمر البعث ما يساعد في تجاوز ما صار إليه الحال في الداخل من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية تتفاقم، مترافقا مع ترديات في سياسة سورية الخارجية، وقد جاءت نتائج المؤتمر لتدعم تلك الرؤية، كما في موضوع الإصلاحات السياسية، وقد كانت التوصيات المتصلة به باهتة وإشكالية، وهو حال التوصية المتعلقة بإصدار قانون يشرع عمل الأحزاب والجمعيات، وقد أثقلت هذه التوصية بألا تكون الأحزاب دينية ولا قومية، وجزء من المشكلة السياسية في سورية اليوم تتصل بالأحزاب الكردية وبالمنظمة الآثورية وبجماعة الاخوان المسلمين، وكلها ذات وزن مهم، وترغب في الانخراط المباشر في العملية السياسية، وثمة أمر آخر يثقل هذه التوصية ويربكها إلى درجة يمكن القول، إن هذه التوصية قد لا تكون ممكنة التنفيذ، إذ إنه وفي ظل احتفاظ حزب البعث بدور القائد في الدولة والمجتمع وفق نص المادة الثامنة من الدستور، فإن من غير الممكن وجود أحزاب تقف على قدم المساواة مع البعث من ناحية قانونية، ما سيرتب على قانون الأحزاب، إذا صدر شرعنة مستويين من الأحزاب التي يمكن أن تنشط، إضافة إلى تغييبه شرعنة الأحزاب القومية والدينية.

وثمة مثال آخر، يتصل بتوصية الفصل بين الحزب والسلطة، وهو أمر يؤمن أكثر السوريون بأنه غير ممكن بسبب التجربة العملية من جهة ونتيجة التداخلات بين المهمات والمسئوليات لكبار المسئولين في الحزب والدولة. وقد جربت القيادة القطرية السابقة للحزب المضي في هذا الاتجاه، فأصدرت في العام الماضي قرارا يفصل بين الحزب والدولة من دون جدوى، ثم جاءت نتائج انتخابات القيادة القطرية الجديدة لتؤكد استحالة هذا الفصل، بل هي أدت إلى تعميقه بانتخاب رئيس الجمهورية لمنصب الأمين القطري للحزب، ثم رئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الوزراء لمهمتهما، ومدير المخابرات أعضاء في القيادة، وهذا يعني بالبداهية ما يناهض عملية الفصل، بل تكريس سيطرة حزب البعث على السلطة والدولة، وهو أمر بدا أن ثمة محاولة للتخفيف منه في السنوات الماضية عندما جرى اختيار مسئولين كبار في الدولة بينهم رئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الوزراء من خارج أعضاء القيادة القطرية.

إن الحديث عن التغيير في عدد ووجوه أعضاء القيادة القطرية في المؤتمر الأخير، لا يحمل أي معنى تغييري بالنسبة إلى السوريين. وليس صحيحا أن الذين ذهبوا هم من الحرس القديم بمعنى أنهم من المتشددين، ولا القول إن الذين صعدوا هم عكس الاتجاه، ومعظم الذين خرجوا من القيادة كان ينبغي، أن يخرجوا وبعضهم تجاوز السبعين وغالبيتهم حولها، وكلهم كانوا متوافقين مع السياسة التي طبقها حزب البعث ولايزال في سورية. وتخفيض عدد أعضاء القيادة، ليس له من معنى طالما بقيت لها المكاتب والمسئوليات والسياسات ذاتها، وهذه لم يطرأ عليها أي تبديل أو تحوير. إن كان مؤتمر البعث لم يأت بجديد ومهم، فإن هذا سيقود إلى قول، إن السوريين سيظلون على ما هم عليه في المرحلة المقبلة. ستظل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عانى السوريون منها ماثلة، وغالبا أنها ستتفاقم وتستمر متصاعدة مع استمرار قلق السوريين من التحديات الخارجية التي تمثلها الضغوط والتهديدات الخارجية والأميركية وخصوصا وسط حال من القطيعة العربية والدولية لسورية.

وإذا استمر الحال على هذا النحو فإن مطالب السوريين من حكومتهم ستستمر من أجل الإصلاح والانفتاح السياسي والاقتصادي، ولن يستطيع تنفيذ بعض التوصيات التي أصدرها المؤتمر القطري أن يضع حدا لها

العدد 1017 - السبت 18 يونيو 2005م الموافق 11 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً