العدد 1018 - الأحد 19 يونيو 2005م الموافق 12 جمادى الأولى 1426هـ

اسم التنظيمات السياسية وتكوينها... هل يخالف أحكام الدستور؟

حسن علي اسماعيل comments [at] alwasatnews.com

محام بحريني

يستند الرافضون من السادة النواب وغيرهم لمسمى وتكوين التنظيمات السياسية على عدة أسباب، أبرزها مخالفة هذه التسمية والتكوين لحكم المادة "27" من الدستور، كون هذه المادة تنص على حق تكوين الجمعيات والنقابات فقط من دون أن تنص على تكوين التنظيمات والاحزاب. وقد سايرت اللجنة التشريعية والقانونية هذا الرأي فأبقت التسمية كما هي- الجمعيات السياسية - والحقيقة ان هذا الرأى لا أساس له من الصحة، ويخالف ما هو مستقر لمعنى الحق في تكوين الجمعيات وذلك كما سنبينه في الطرح الآتي.

في مصر، وهي عريقة في الفقه الدستوري، لم يكن دستورها ينص وقت صدور قانون الاحزاب، على حق المصريين في تكوين الاحزاب، بل كان ينص على حقهم في تكوين الجمعيات، فالمادة "55" من الدستور المصري تنص على ان "للمواطنين حق تكوين الجمعيات على الوجه المبين في القانون، ويحظر انشاء جمعيات يكون نشاطها معاديا لنظام المجتمع او سريا أو ذات طابع عسكري"، ومع ذلك صدر القانون رقم 40 لسنة 1977 تحت اسم الاحزاب السياسية في مصر، مستندا ضمن مسائل أخرى على النص الدستوري المذكور، وتفسر المذكرة الايضاحية لقانون الاحزاب المصري هذا الاسناد على أساس "ان الحزب - التنظيم - لا يعدو أن يكون جماعة منظمة أو جمعية منظمة أو تنظيما لمجموعة من المواطنين، يعملون كوحدة سياسية لتجميع الناخبين والحصول على تأييدهم لاهداف وبرامج تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامة، وصولا الى الحصول على ثقة غالبية الناخبين"...

تكوين الأحزاب حق دستوري

وبناء على انه من المسلمات في الفقه الدستوري المصري والمقارن، ومن استقراء الدساتير المصرية السابقة ودساتير دول العالم على اختلاف نظمها واتجاهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ان حق تكوين الاحزاب السياسية يعد حقا من الحقوق الدستورية العامة المتفرعة عن حق تكوين الجمعيات أو الجماعات مادام الدستور لا يخصص هذا الحق بنوع معين أو محدد منها، ولا يحظر بالذات تكوين هذا النوع من الجمعيات السياسية بنص صريح يحظر فيه تشكيل الاحزاب السياسية أو يفرض فيه نظام الحزب الواحد.

وتواصل المذكرة الايضاحية لقانون الاحزاب السياسية في مصر ايضاح اسم ووجود الاحزاب السياسية على رغم عدم ذكر مفردة الاحزاب في النص الدستوري بقولها: "كما انه من المسلمات في هذا الفقه، ان حق تكوين الجمعيات وبينها الاحزاب السياسية، ينبثق من الحقوق والحريات العامة التي تقررها الدساتير الديمقراطية بصفة أساسية، وهي حق الانتخاب والترشيح والاستفتاء وحرية الاجتماع وابداء الرأي والعقيدة السياسية بوسائل الاعلام المختلفة باعتبارها حقوقا وحريات حتمية يتعين الاعتراف بها نتيجة التسليم بالسيادة للشعب، وهي كذلك يترتب على التسليم بها حتما التسليم بحق التجمع السياسي في صورة الاحزاب... وان حق المصريين في تكوين الاحزاب السياسية يقوم مستمدا بصورة صريحة من المادة "55" من الدستور التي تقرر حق المصريين في تكوين الجمعيات، وبصورة ضمنية وحتمية من نظام الدولة الذي يقوم في الدستور على الديمقراطية وتحالف قوى الشعب العاملة وان السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات... ومن باقي نصوص الدستور التي تقرر الحقوق والحريات والواجبات العامة وخصوصا حرية الرأي، وحرية الاجتماع والتظاهر وحق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء والمساهمة في الحياة العامة، وحق الهيئات النظامية والاشخاص الاعتبارية في مخاطبة السلطات باسم الجماعات المختلفة...".

تجارب لبنان ودول العالم

في لبنان لا ينص الدستور على إنشاء الاحزاب بل على تأليف الجمعيات اذ تنص المادة 13 من الدستور اللبناني على ان "حرية إبداء الرأي قولا وكتابة وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون". ومع ذلك فان الذى ينظم الحياة الحزبية في لبنان هو قانون الجمعيات الصادر في اغسطس/ آب .1909

وفي هذا الصدد كتب المحامي اللبناني غسان مخيبر في دراسة له عن تنظيم الجمعيات في لبنان، ان الجمعيات تتخذ في الواقع "أسماء مختلفة، تدل عادة على موضوعها: فهي تسمى ناديا، أو حزبا، أو تعاونية، أو هيئة إنسانية غير حكومية، أو منظمة عمل انساني أهلي، أو صندوق تعاضد، أو منظمة، أو مركز دراسات... وغير ذلك من التسميات. فهي كلها من الجمعيات، وهى كثيرة العدد، متنوعة النشاط، بالغة الاهمية في حياتنا الخاصة وفى الحياة الوطنية...".

وعلى مستوى العالم، هناك منظومة هائلة من المواثيق الدولية تكفل حرية التنظيم كأحد الحريات الجوهرية وأحد حقوق الانسان الاساسية الضرورية من أجل حركة المجتمعات الديمقراطية الحقيقية والمفعمة بالحيوية. فهي تحمي الأحزاب السياسية عن طريق ضمان حقوق وحريات واسعة في الرأي والتعبير والتنظيم والتجمع والمشاركة السياسية، وهذه الحقوق والحريات سواء أخذت مجتمعة أو كلا على حدة، توفر حماية واسعة للحق في تكوين الاحزاب السياسية.

وهذه المواثيق الدولية تتشابه تماما في حمايتها لهذه الحقوق والحريات، فجميعها تكفل حرية التنظيم مهما كان الغرض منه، سياسيا أو أي غرض آخر، وإن صوغ مواد معظم هذه الاتفاقات والمواثيق الدولية، لا تشتمل على عبارة الحزب السياسي كأن تقول "لكل شخص الحق في تكوين الأحزاب السياسية"، بل تأتي الصياغة هكذا: "لكل شخص الحق في تكوين الجمعيات".

فالمادة 20 فقرة 1 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، تنص على ان "لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية، ولا يجوز إرغام أحد على الانتماء الى جمعية ما".

والمادة 22 فقرة 1 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، تنص على ان "لكل فرد الحق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام اليها من أجل حماية مصالحه".

والمادة 10فقرة 1 من الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب، تنص على انه "يحق لكل مواطن ان يكون بحرية جمعيات مع الآخرين شريطة ان يلتزم بالاحكام التي حددها القانون".

والمادة 16 فقرة 1 من الاتفاق الاميركي لحقوق الانسان تنص على ان "لكل شخص حق التجمع وتكوين جمعيات مع آخرين بحرية، لغايات ايديولوجية أو دينية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو رياضية أو سواها". والمادة 11 فقرة 1 من الاتفاق الاوروبي لحماية حقوق الإنسان والحريات الاساسية تنص على ان "لكل إنسان الحق في حرية الاجتماعات السلمية، وحرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق الاشتراك في الاتحادات التجارية لحماية مصالحه". وبناء على ما تقدم فان دستور مملكة البحرين حين نص في المادة "27" على ان "حرية تكوين الجمعيات والنقابات، على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية مكفولة وفقا للشروط والاوضاع التي يبينها القانون..."، من دون أن يشتمل هذا النص على مفردة الاحزاب أو التنظيم، فانه لا يشذ إطلاقا عما جاء في المثالين المصري واللبناني المشار اليهما، بل جاء منسجما تماما مع الصياغة ذاتها التي وردت في المواثيق الدولية، على ان حرية تكوين الاحزاب أو التنظيمات السياسية هو حق متفرع من حق تكوين الجمعيات وينبثق من الحقوق والحريات العامة التي قررها الدستور.

وبهذا المعنى فإن ما اشتملت عليه التعديلات الدستورية المقدمة من أربعة عشر عضوا من أعضاء مجلس النواب من تعديل لنص المادة 27 من الدستور باضافة "التنظيمات السياسية" على النص القائم، وان كانت هذه الاضافة تحسم الجدل حول تسمية وتكوين التنظيمات السياسية في مملكة البحرين، تماما مثلما حسم دستور 2002 حق المرأة في المشاركة في الحياة السياسية، إلا أن هذه الاضافة لا تغير من حقيقة ان النص القائم حتى وان لم يعدل يكفل حق البحرينيين في تكوين الاحزاب أو التنظيمات السياسية، كونه حقا متفرعا من حق الجمعيات

إقرأ أيضا لـ "حسن علي اسماعيل"

العدد 1018 - الأحد 19 يونيو 2005م الموافق 12 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً