العدد 1033 - الإثنين 04 يوليو 2005م الموافق 27 جمادى الأولى 1426هـ

إجماع فريد

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

"مازالت أذكر عندما كنت طالبا، وكان أساتذة السياسة المقارنة يتحدثون عن أبرز النظم السياسية الموجودة في العالم، عندها كان السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الطلبة: ما هي طبيعة النظم السياسية في بلدان مجلس التعاون الخليجي؟ وعندما يطرح مثل هذا السؤال المزمن لدى الطلبة فإن الأساتذة يعانون من صعوبات كثيرة في الإجابة عليه، وغالبا ما يكون الرد بأن النظم السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي هي نظم سياسية خاصة لا توجد لها أنظمة مشابهة، وهي نظم لها خصوصيتها في العلوم السياسية".

يستدعي يوسف البنخليل هذا التساؤل في مقاله المنشور في "الوسط" يوم الاربعاء 29 يونيو/ حزيران الماضي المعنون "ملكيات دستورية خليجية". وفي المقال، يناقش البنخليل الامكانية التاريخية في تحول دول الخليج الى ملكيات دستورية بالمفهوم الاوروبي قبل ان يخلص الى ان الاجابة ليست سهلة.

وفي معرض بحثه، يحدد البنخليل ثلاثة تحديات يمكن ان تحدد الاجابة، اولها: عدم وضوح مفهوم الدولة وضعفها مقابل ادوار النخب السياسية التقليدية والافراد، قوة البنى التقليدية القائمة على اتجاهات اثنوطائفية او مناطقية، واخيرا غياب الثقافة السياسية المشاركة المهمة في عملية تطوير النظم السياسية.

في مقاله اللاحق حول الموضوع يقدم البنخليل اجابته إذ يرى ان "إنشاء ملكيات دستورية من دون خلق ثقافة قانونية وتوعية المواطنين بجدوى الالتزام بها في مختلف مناحي الحياة سيتيح المجال أمام جميع القوى التقليدية لتجاوز القوانين بحجج غير مقنعة" ويخلص الى ان "المعطيات الراهنة في الأنظمة السياسية الخليجية غير مؤهلة لإنشاء ملكيات دستورية بالمفهوم الغربي التي سيؤدي تطبيقها إلى إنشاء ملكيات الاستئثار السلطوي". "ملكيات الاستئثار السلطوي - "الوسط" 3 يوليو".

وفي اليوم نفسه، يناقش منصور الجمري مسألة الضرائب كثمرة للتوزيع العادل للثروة ويرى انه "عندما توزع الثروة بصورة عادلة يمكننا جميعا دفع الضرائب". "امران حتميان الضرائب والموت - "الوسط" 3 يوليو". وبحسب الجمري فإن "المشكلة تكمن أساسا في أننا نود أن نكون استثناء مستمرا وحالة خاصة دائمة تختلف عن بقية دول العالم... ونود أن نبتعد عن الضرائب، لأن الضرائب ترتبط بالديمقراطية، إذ لا ضرائب من دون تمثيل سياسي".

لاحظوا ان الاستثناء والخصوصية تمثلان قاسما مشتركا في الحديث عن طبيعة النظم السياسية لدينا وفي دول الخليج. فهي نظم فريدة من نوعها لكن فرادتها لا تنطوي بالضرورة على عوامل ايجابية بل معيقة للتطور. وفي الايام القليلة الماضية، سلطت مشكلة ملكية الأرض الضوء على احد ملامح التفرد والاستثناء في انظمة دول الخليج السياسية واظهرت كيف انها يمكن ان تشكل عنصرا للتأزيم في تجربة مشاركة سياسية لاتزال في بدايتها ويعتريها الكثير من العلل في البحرين مثلا.

هذا الطابع الاستثنائي والخصوصية التي تملكها الانظمة السياسية في دول الخليج هي بالضبط ما يحفز قوة الدفع في المطالبة بالاصلاح. واذا كانت الاصلاحات قد جعلت من البحرين تجربة تستحق الدراسة والاقتداء مثلما يردد المسئولون، فإنها أصبحت ايضا المختبر النموذجي للاصلاحات بالمعنى الاشمل للكلمة.

واذا كانت تجربة السنوات الثلاث او الأربع الماضية في البحرين قد أثبتت شيئا، فهي أثبتت ان القليلين يريدون للدمقرطة والتحديث ان ينجحا. فالحكومة من جهتها، برهنت على توجهاتها عبر كل هذه القوانين التي تقدمت بها وهي كافية للحكم بأن الدمقرطة ليست اكثر من عبء ثقيل يتعين التعامل معه الى حين وليس خيارا استراتيجيا. اما القوى الاجتماعية الفاقدة للثقافة السياسية المشاركة التي يشخصها البنخليل كأحد عوائق النمو، فهي قد برهنت غير مرة انها تملك مفهوما يختزل الديمقراطية الى اقل الحدود وميولا فاشية مخيفة تعيد تذكيرنا بأسوأ الكوابيس.

يبقى استدراك مهم: هل نحن متفقون على السير نحو ملكية دستورية نموذجية؟ ربما تجد أجوبة سهلة في الادبيات والخطاب السياسي، لكن ما يجري على الأرض يثبت العكس. واذا كانت مطالبة الحكومات بالاصلاح والمزيد من الاصلاح امرا سهلا في العمل السياسي، فإن الملكية الدستورية النموذجية هي ثمرة لتطور يبدأ من الاسفل وليست مقدمة لهذا التطور. ففي الملكيات الدستورية لا تنتهك الحريات الفردية ولا العامة ولا تشرعن الرقابة والتلصص على الافراد والسلوك العام، ولا يتم تبرير نزعات الفاشية بأي مبرر لانها مجرمة قانونا. ولا يحاكم الناس في نواياهم، بل يملكون الحصانة الكاملة لإبداء الرأي واحدى الواجبات الاساسية للحكومة هي حماية الحريات.

هنا يكمن الفارق الذي يشخصه البنخليل في غياب الثقافة السياسية المشاركة، في مقابل ثقافة اثنوطائفية لاتزال تبرر إلغاء الآخر واضطهاده وقمعه بسبب لونه او جنسه أو دينه أو رأيه ومعتقده. فلا الحكومة تقوم بنشرها ولا هي في اولويات القوى الاجتماعية والتيارات السياسية. ان هذا يجعل الاصلاحات مفهوما محاطا بالكثير من الالتباس لان كل هذه القوى تتعامل معه بشكل مجتزأ. فما بين الميل نحو الابقاء على الاوضاع القديمة والاستثنائية وما بين السعي لتفصيله وفق مصالح فئوية أو طائفيه أو ايديولوجية، يتحقق اجماع فريد واستثنائي على عدم انجاح الاصلاح والدمقرطة وتفريغه تماما من أي معنى أو قيمة

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 1033 - الإثنين 04 يوليو 2005م الموافق 27 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً