العدد 1058 - الجمعة 29 يوليو 2005م الموافق 22 جمادى الآخرة 1426هـ

محاولة للتفكير بصوت مسموع

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

عندما يوضع هذا الرقم 7106 بمواجهة هذا الرقم ،166,183 فإن النسبة بينهما قد لا تكون مقلقة. فالرقم الأول الصغير يمثل ما نسبته 4,27 في المئة من الرقم الثاني الكبير.

الرقم الأول هو مجموع الجرائم والجنح التي وصلت إلى المحاكم خلال ثلاثة أعوام هي ،2000 ،2001 .2002 أما الرقم الثاني فهو عدد البحرينيين من الذكور والإناث في المرحلة العمرية ما بين 15 إلى 54 عاما طبقا لأرقام إحصاء العام .2001

لكن نسبة هذا الرقم "7106" مقارنة بعدد السكان من البحرينيين "405,667" هي: 1,75 في المئة. أما بالمقارنة مع العدد الإجمالي للسكان شاملا المقيمين تبقى النسبة نفسها بهامش بسيط 1,09 في المئة.

هكذا ترون أن محاولة الخروج بتفسيرات تقودنا إلى نسبة متدنية جدا هي 1 في المئة.

هذه مجرد محاولة للتفكير بصوت مسموع، إنها مجرد محاولة لتلمس بعض التفسيرات بشأن ما أراه من تنام لميول العنف. محاولة من هذا النوع تحتاج لجهد أكبر، جهد أكاديمي تقوم به مؤسسة بحث، عدا أن الأرقام تقترح علينا بعض التفسيرات وإن كانت في صيغة عمومية غير مفصلة.

الفئة العمرية ما بين 15 - 54 عاما، عينة عشوائية على اعتبار أنها تشمل أولئك الذين يتعامل معهم القانون كأحداث مرورا بالشباب والرجال. أي تلك الفئات العمرية التي يمكن أن تتورط في مخالفة القانون أكثر من غيرها. وفي مقابل عدد الجرائم والجنح المسجلة "طبقا لصفحة البحرين الحكومية الإلكترونية" فإن مجموع تلك الجرائم في ثلاث سنوات هو .7106 وهي مصنفة ضمن 14 نوعا مع تصنيف إضافي تحت خانة: أخرى. أي أن المجموع 15 نوعا.

أبسط ما يقترحه الرقمان هنا هو أن نحو 4 في المئة من السكان "بحرينيين وأجانب" من الفئة العمرية ما بين 15 - 54 عاما تورطوا في جرائم وجنح خلال ثلاث سنوات. لكن النسبة تتراجع مثلما رأينا إلى 1 في المئة بالمقارنة مع عدد السكان شاملا المقيمين.

الاستنتاجات التي يمكن أن يخرج بها المرء من هذه الإحصاءات قد لا تقدم تفسيرات نهائية. وإذا ما تعلق الأمر بإحصاءات الجرائم والجنح في أي مجتمع معاصر، فإن الاستنتاج الأول الذي يمكن أن يخلص إليه الباحث أو الفرد العادي هو أن الجريمة أمر طبيعي في أي مجتمع. وإذا ما تعلق الأمر بالإحصاءات المتوافرة لدينا، فإن الأرقام موجودة لكن الدراسات غائبة. أي ذلك الجهد الدؤوب من البحث والاستقصاء والتحليل العلمي الذي يلي نشر الإحصاءات والأرقام. الدراسات التي يمكن أن تحفزها أسئلة لا تتعلق بارتفاع حوادث السرقة مثلا بل بتكرارها والفئات العمرية المتورطة فيها والأوساط الاجتماعية التي تنتمي إليها ومستوها المعيشي والدراسي مثلا.

شهدت السنوات القليلة الماضية تغيرات نوعية في الجرائم والجنح أصبحت مثار قلق الجميع. ولربما بدا أن في الأمر مفارقة. فانتشار ذلك النوع من جرائم السرقة الصغيرة والتافهة أحيانا "سرقة 10 دنانير" والسطو على محطات البنزين ومحلات البقالة تزيد من القلق. السبب واضح، انها أصبحت متكررة من جهة ولا تحتاج لكثير من التخطيط من جهة ثانية. وفيما يخص تنامي ميول العنف، علينا باستقراء تلك الأرقام المتعلقة بذلك النوع من الجرائم التي تمثل اعتداء على سلامة الغير أو انتهاكا لحقوق الآخرين كالاعتداء على الممتلكات والاتلاف.

ربما تحمل الأرقام مؤشرات إيجابية. فخلال ثلاثة أعوام لم تسجل سوى جريمة اغتصاب واحدة. مرة أخرى علينا أن نستدرك، فحوادث الاغتصاب نادرا ما تجد طريقها إلى المحاكم بتأثير التقاليد والعادات. لكن انظروا إلى حوادث الاعتداء مثلا، خلال ثلاثة أعوام بلغت قضايا الاعتداء 1004 متفوقة على قضايا المخدرات التي بلغت 750 خلال الأعوام الثلاثة نفسها. أما قضايا الاتلاف فقد بلغت 234 حادثا أو قضية. قضايا القتل العمد بلغت 12 خلال 3 أعوام. والقتل الخطأ 4 قضايا.

وإذا كانت هذه أرقام الجرائم القائمة على تهديد سلامة الآخرين، فإن هذه القضايا يقابلها أيضا معدل مرتفع في نوازع العنف اللفظي. لقد بلغ مجموع قضايا السب والقذف خلال الأعوام الثلاثة 112 قضية. ربما أن الرقم عادي، فالشجار والمنازعات لا تتوقف في مجتمعات اليوم، لكن المؤكد أن قضايا العنف الجسدي والعنف اللفظي مؤشر واضح على تنامي ميول العنف.

الأرقام قد لا تفسر سبب شكوانا المستمرة من الجريمة ونوعيتها المستجدة في السنوات الأخيرة. وهي إن كبرت أو صغرت فإنها تصطدم بتلك الصورة المتداولة عن البحرينيين كشعب مسالم وليس ميالا للعنف.

أحسن التفسيرات ستقول إنها ضريبة النمو والعيش في مجتمعات عصرية منفتحة على العالم ولربما أنها الطبيعة البشرية البعيدة عن الكمال. هذا صحيح، لكن المجتمعات العصرية هي نفسها التي تملك أدوات أخرى لفهم الانحرافات التي يمثلها الميل للجريمة في أي وقت. إن محاولة بسيطة مثل هذه ترينا أن نسبة الجريمة هي في أدنى الحدود ولربما تبدو أكثر من طبيعية. وهذا يقترح علينا جملة من الاستنتاجات المطمئنة لربما. لكن هذا لن يغنينا عن الدراسة والفهم ومقاربة الظاهرة بالتحليل، هذا ما ينقصنا بالضبط. فالأهم من محاربة الجريمة وميول العنف هو القضاء على دوافعها أصلا والعوامل التي تؤدي إليها والبيئة التي تحتضنها والثقافة العامة التي يمكن أن تبررها

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 1058 - الجمعة 29 يوليو 2005م الموافق 22 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً