العدد 1087 - السبت 27 أغسطس 2005م الموافق 22 رجب 1426هـ

التغيير المسئول بين عالم يأفل وعالم ينهض

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ثمة تحول إيجابي في الوعي بالذات والتعرف على "الآخر" يعيشه عالمنا الإسلامي والعربي على رغم كل الأخبار والتقارير السيئة التي تتوالى يوميا عن سوء أحوالنا السياسية والعسكرية والأمنية في معادلة موازين القوى العالمية.

فإذا كان صحيحا أن ما بات يعرف بظاهرة "الإرهاب" أحيانا وبدورة "العنف والعنف المضاد" أحيانا أخرى والتي ألصقت بديننا وبثقافتنا وفكرنا كلازمة من لوازم تكويننا الذاتي! زورا وبهتانا، أضر الكثير بسمعتنا وجعلنا نتراجع في مواقع عالمية عدة ربما بما ساهم في إضعافنا عالميا كما وردت الإشارة، فإن "شيئا ما" له علاقة بالوعي والمعرفة بدأ يتحرك في داخلنا رويدا ما جعلنا نقديين بعض الشيء تجاه مسلمات اعتدنا على التعايش معها سواء عن أنفسنا أم عن الآخرين.

من جملة ما تعلمناه أو بدأنا "نهضمه" على الأقل كثقافة أخرى بديلة عن الثقافة السائدة والراكدة هو أن ما يقوله أو ينطق به أو يشرعه أو يقره "الزعيم" أيا كان مقامه الزمني أو الروحي ليس من المسلمات التي لا تقبل المناقشة والجدال والمساءلة.

أيضا فإن العاصمة في بلد ما ليست هي كل البلد ويحق لها أن تختزن وتحتكر كل السلطات والثروات والصلاحيات والميزات والامتيازات.

أيضا فإن قوم "الأكثرية" العددية ليسوا هم وحدهم الذين صنعوا الثقافة العامة في البلاد المعنية وصانعي الحضارة الوحيدين ومن عداهم من الأقوام الأخرى المتعايشة و"المتزاوجة" والمتثاقفة مع قوم "الأكثرية" لم يكونوا سوى "قوم تبع"! وبالتالي لا حقوق ولا ميزات ولا امتيازات لهم.

أيضا فإن "الآخر" ليس كتلة واحدة متراصة لا هم ولا شغل لها إلا التخطيط ضدنا من أجل استئصالنا! وإنه لا حل لهذا الاستقطاب المتنافر إلا بالقضاء المبرم على طرف لصالح الطرف الآخر. كما هي تقسيمات واصطفافات "دار الحزب" و"دار السلام".

لكن هذا الوعي وهذا التعلم لم يصبح بعد ثقافة عامة لا عرفا ولا تشريعا ما يجعله عرضة للتحول من ظاهرة إيجابية بالأساس إلى "معضلة" قد ينشأ عنها في حال عدم التعامل معها بالهدوء والاعتدال والحسنى مادة قد تشعل حربا أهلية داخلية في هذا البلد أو ذاك، لماذا؟

أولا: لأن بلداننا أو أقطارنا بتعبير أدق ليست في غالبيتها - إلا ما ندر - سوى تعبيرات توافقية مؤقتة بين مكوناتها الداخلية قامت على قواعد وظروف تاريخية محددة قسرية كانت وليست إرادية ما يعني أن أي زوال فجائي لتلك الظروف قد يعني تكسر "المظروف" الذي كان تجمع داخل ذلك الظرف.

ثانيا: لأن الثقافة "الجديدة" لم يتم التوافق عليها بعد، أي لم تصبح ثقافة توافقية بديلة للثقافة التي سبقتها، فإن مكونات المجتمعات القديمة قد تبدأ بالتصارع وتاليا التصدع على قاعدة الطبع يغلب على التطبع أو بسبب دخول عوامل خارجية طامعة وطامحة متحفزة تقف أساسا بالمرصاد لمثل هذه الظروف لتوظيفها في مشروع ثقافي - سياسي - فكري جديد هدفه إعادة صوغ للهيمنة والسيطرة على الموارد والطاقات برموز ووجوه وأشكال وصور جديدة بعد تآكل القديم وتحلله.

ما يجري في بلداننا أو بالأحرى أقطارنا العربية والإسلامية عموما وتحديدا في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان من "نقل وانتقال" للطبقات والقوى الاجتماعية وأحيانا من تبادل مواقع في ظل تبدل عام في الظروف المحيطة واضطراب للرؤية مصحوبا بقسوة العامل الخارجي في التعامل مع هذه التطورات ما هو في الواقع سوى تعبير صارخ عما هو حاصل في وعينا ومعارفنا العامة فيما مر ذكره. فإن لم ننتبه وإن لم نحذر وإن لم نحسب لظروف هذه المرحلة الانتقالية والسيالة فإن النتائج التي نرجو أن تكون إيجابية سرعان ما تتحول إلى نتائج سلبية بل كارثية.

إن مكونات شعوب المنطقة الإسلامية جميعا متنوعة الأعراق والأقوام والملل والنحل والطوائف وأشبه ما تكون بالموزائيك أو "المنمنمات" المرصوفة إلى جانب بعضها بعضا بشكل فني رقيق وظريف، ولطالما تعايشت وعاشت مع بعضها بعضا بسلم وأمان وصنعت حضارة عظيمة كانت الثقافة العامة هي ثقافة الاعتدال والقبول بالآخر وانحسار دور الاستبداد والدكتاتورية و"جبرية" الحكم، فيما كانت تتصارع وتخوض حروبا أهلية وكلما سادت ثقافة القيمومة الفكرية والسياسية أو الدينية لطرف على حساب طرف أو أطراف أخرى، وكلما كان العامل الخارجي قويا في تدخلاته كانت النتائج كارثية أكثر.

تأسيسا على ما تقدم يمكننا القول إنه لا الداعون إلى التمسك والتخندق خلف كل ما كان سائدا من مسلمات ونظم سياسية وفكرية والحفاظ عليها من دون تعديل، هم على صواب ولا الداعون إلى طرد ونبذ كل ما هو قديم وسابق على المرحلة الجديدة بكلياته، على حق، ذلك أن ما يجري من تحول لايزال أساسا في المرحلة الانتقالية ومن ثم فإنه يجري في حال من الغليان وكأنه في مرجل لا أحد قادر على السيطرة عليه بمفرده أو يزعم قدرته على إطفاء نيرانه أو خفض درجة سخونته متى شاء أو قرر ذلك.

التحول في النظرة إلى "الذات" وإلى "الآخر" أصبح ابن اللحظة ووحدة الزمن في التغيير أو التغير صغرت بعشرات المرات أو حتى بمئات المرات ربما. هذا بالإضافة إلى تداخل وتشابك عناصر التأثير والتأثر في الزمان والمكان، فمن هو في صف الأكثرية في بلد أو قطر قد يكون في صف الأقلية في حسابات جيرانه والعكس صحيح، كما أن من هو ضعيف اليوم أو مستضعف في قطر قد يتحول في لحظة من الزمن إلى الطرف الأقوى بل والمتحكم في معادلة التغيير في قطره سواء بسبب تحالفاته الإقليمية أو الدولية بعد أن باتت عوامل التغيير والتغير مفتوحة على بعضها بعضا بشكل لا محدود تقريبا.

ليس من السهولة بمكان إذا أن تقول أنا عراقي أو فلسطيني أو لبناني أو إيراني أو سوداني، وهذه هي قناعاتي في التغيير والتحول ولا شأن لي بالآخرين! فالآخرون باتوا عندك وأمام بابك إن لم يكونوا تحولوا إلى عنصر داخلي لديك. لكنك أيضا لا تستطيع أن تسقط رؤى الآخرين على ما هو "داخلي" أو خاص عندك هكذا من دون استئذان أو توافق مع صاحب الدار وأهله في اعتبار أنهم المعنيون بحمل هذا المشروع والقيام بعملية "النقل والانتقال" في عالم المراجل التي تغلي بالتغيير والتحول اللامحدود.

* رئيس "منبر الحوار العربي - الإي

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1087 - السبت 27 أغسطس 2005م الموافق 22 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً