العدد 1089 - الإثنين 29 أغسطس 2005م الموافق 24 رجب 1426هـ

عراق الاحتلال

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

تفيد آخر تقارير القتل اليومي في العراق، أن عشرات من العراقيين سقطوا قتلى وجرحى في الانفجارات والتفجيرات، وآخرين من القتلى والجرحى سقطوا بقذائف الاحتلال في اليوم نفسه، ويضيف تقرير آخر، أن اعتقالات ومداهمات في أنحاء مختلفة من العراق، أدت إلى اعتقال كثير من العراقيين، فيما أشار التقرير إلى أن محاولات خطف واغتيال، تمت بحق أشخاص مختلفين في مناطق مختلفة.

وترسم هذه المعلومات الملامح الأهم في الصورة الدموية للحياة العراقية، وتكاد تتكرر يوميا في التقارير الإخبارية التي تتناول حال العراق بعد عامين ونصف العام في ظل الاحتلال، هي جزء من تفاصيل أخرى في صورة العراق تحت الاحتلال لا تقل بشاعة من صورة الدم التي ترسمها تقارير أخبار القتل والخطف والدمار.

والأبرز في تفاصيل صورة العراق تحت الاحتلال، يبدو في التدهور والتردي السياسي الذي يعيشه العراق. وهو تدهور عام يظلل الواقع السياسي في العراق، إذ الانقسام إلى سلطة ومعارضة، وثمة انقسام داخل كل واحدة منها، ثم تتوالى الانقسامات إلى أصغر الوحدات السياسية، التي ربما تصل إلى مستوى الكادر السياسي الواحد.

ففي المستوى المحسوب على السلطة العراقية، ثمة كثير من الانقسامات بحيث ينقسم الحاكمون إلى كتل وجماعات قومية وسياسية ومذهبية، كما ينقسمون إلى شيع داخل انقساماتهم تلك، ما منع اتفاق الأطراف على مشروع الدستور العراقي الذي بات إقراره إحدى ضرورات الحكومة الحالية وواحدا من متطلبات السياسة الأميركية في العراق، وقد أكدت مساعيها من أجل إقرار الدستور بالسرعة القصوى.

وانقسامات السلطة وتشتتها يوازيه انقسام مماثل في صفوف معارضيها من حيث انقساماتهم القومية والمذهبية، بل إن الأخطر في انقسامات هؤلاء بشأن موقفهم من العنف الدموي، إذ يذهب بعضهم إلى حد تحليل العنف وتبرير القيام به إلى أقصى الحدود في العراق، وثمة من يعارض ذلك في صفوف معارضي السلطة العراقية الحاكمة، فيؤكد الطابع السلمي للعمل السياسي وللمشاركة في الحياة العامة.

ويجد الانقسام والتشتت السياسي، الذي يعكس أزمة في إدارة الحياة العامة له نسقا موازيا في الحياة الاقتصادية لعراق مدمر البنى ومعطل الفعاليات والأنشطة، إذ البنى التحتية تعمل في حدود دنيا نتيجة نقص الكهرباء أو غياب الأمن على الطرق، فيما القطاعات الاقتصادية وخصوصا الإنتاجية ومنها قطاع النفط تعاني مشكلات لا حلول لها، وكله يعكس تدهورا في حال الاقتصاد العراقي وحال الإنسان العراقي، فتزداد معدلات البطالة، وقد تجاوزت الخمسين في المئة من قوة العمل، فيما ارتفعت نسبة الفقر لتطال أكثر من نصف العراقيين، كما تذهب التقديرات، ويترتب على أوضاع كهذه تنامي الكثير من الظاهرة المرضية والإجرامية، التي كانت بعيدة وغريبة عن المجتمع العراقي وقيمه الاجتماعية والأخلاقية.

لقد أشارت مصادر رسمية، إلى أن التعليم في العراق يشهد زيادة غير طبيعية في أعداد الطلبة المتسربين من المدارس وخصوصا الابتدائية بسبب الأوضاع التي يمر بها العراق وخصوصا من الإناث، وقالت المصادر، إن تسرب طلبة المدارس بمستوياتهم كافة "جاء نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العراق وتدهور المستوى المعيشي للأسرة، إضافة إلى ارتفاع معدلات عبء الإعالة، ما يضطر كثيرا من الطلبة إلى تأجيل دراستهم أو التخلي عنها لغرض العمل".

ويتوافق مع تدهور الوضع التعليمي وما يؤدي إليه من تزايد الأمية في بلد كان تجاوزها في سبعينات القرن الماضي، تدهور في أوضاع النساء العراقيات، وقد لاحظت ممثلة "المنظمة من أجل حرية النساء في العراق" هوزان محمود في حديث لها عن الدستور الجاري بحثه في العراق، أن العراقيات "لا يحظين حاليا بحقوقهن"، و"أن الدستور الجديد الذي يجرى صوغه حاليا لن يبدل الأمر"، وقالت محمود، إن النساء يتعرضن اليوم لعنف قوي، لافتة إلى وجود جماعات سياسية وأحزاب "تتذرع بالاحتلال لإرهاب المجتمع وإرهاب النساء وقطع رؤوسهن وقتلهن وإرغامهن على وضع الحجاب". وقالت مؤكدة: "كل هذا يحصل اليوم في العراق".

عراق الاحتلال، كما تبدو صوره البسيطة هو عراق الصراعات والتناقضات المتعددة، وهو عراق القتل والاختطاف والخلافات السياسية والدمار الاقتصادي والاجتماعي، ولهذا كله ربما يكون من أولى مهمات العراقيين هو الخروج من أسر الاحتلال، ليس فقط بحثا عن الحرية والاستقلال، بل من أجل البحث الجدي عن معالجات لمشكلات العراق، التي وإن لم يكن الاحتلال خلقها جميعا فلا شك أنه فاقمها وجعلها تدخل في قائمة المتواليات الهندسية في تصاعدها

العدد 1089 - الإثنين 29 أغسطس 2005م الموافق 24 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً