العدد 1106 - الخميس 15 سبتمبر 2005م الموافق 11 شعبان 1426هـ

سيرة جسدت معاني القيم النبيلة لكل المواطنين

الحاج عيسى حسن سلمان

قرية الدير هي إحدى قرى جزيرة المحرق الجميلة الخلابة تعوّد أهلها على أصوات الطائرات العملاقة التي تحلق في سماء أجوائها وتحط على أرضية مطارها «مطار البحرين الدولي» أصوات وهدير وازعاج لا يهدأ ولا ينقطع ليل نهار بل كل ساعة ولحظة، فتأقلم الأهالي مع هذه الظروف منذ أن حطت أول طائرة على أرض المملكة.

هي قرية لا تختلف عن باقي قرى البحرين في العادات والتقاليد وحتى المهن إذ زاول الديريون في القدم مهنة الغوص وصيد السمك والزراعة والنجارة... إلا أنها تتميز بطابع خاص وفريد بمناخها الطبيعي، فهي غنية بالنخيل والأشجار والبساتين الممتدة على طول الشاطئ الساحلي حتى قرية سماهيج، واشتهرت بمياهها العذبة وببحرها الهادئ الجميل ومن خيراته السمكية كالصافي والشعري والهامور فكثيراً ما كان يجلب إلى الاسواق وبكميات كبيرة وسرعان ما ينفذ لما لهذه الاسماك من طعم ومذاق خاص نسبة إلى المنطقة المعنية.

كذلك المواقف الوطنية النبيلة والعظيمة لأهالي القرية عندما سقطت الطائرة المنكوبة قبيل سواحلها، إذ هب الأهالي لنجدة وانتشال جثث الضحايا، ذكرى أليمة لشعب البحرين ومغروسة في أذهان وعقول الأهالي، قرب مسافة الموقع لهم وما عايشوه من محنة، مأساة وكارثة لن تغيب عن الذاكرة ولن تنسى تلك المواقف المشرفة لأبناء قرية الدير أبداً.

قرية الدير هي مسقط رأس مناضلنا الوطني عيسى حسن سلمان «أبوحسن» أسم غريب على الكثير من جيل هذا اليوم إلا أنه اسم له وزنه ومكانه في المجتمع فهو شعلة من الحماس والعمل التطوعي والنضالي وبداخله كومة من الأفكار والروح الوطنية والغيرة الشديدة على بلده وأرضه مسقط رأسه.

ولد الحاج عيسى العام 1918م في أسرة متوسطة الحال تتكون من الأب والأم وولدين وبنت واحدة وكان ترتيبه الثاني بين اخوته وكان محبوباً من أسرته ومن كل أبناء القرية.

أيام صباه عشق البحر وساحله الجميل وكان ملاذه الذي يقضي أكثر أوقاته على رماله فتشبع بملوحة مياه بحره وخصوبة تراب أرضه ومنه استلهم القوة والعزيمة.

في تلك الفترة لم يحظ هذا المناضل من نصيب التعليم النظامي لكنه ومنذ صغره كان يتعلم على يدي والدته التي ربته أحسن تربية فاكتسب منها الكثير وخصوصا حفظه للقرآن الكريم وكان معظم أبناء القرية آنذاك قد تعلموا أو حفظوا القرآن على يديها، ما ترك انطباعاً طيبًا لهذه المرأة وأصبحت إحدى النساء الخالدات في القرية لما لها من دور كبير في تعليم وتثقيف وتنوير الكثير من أولاد وبنات القرية وبالمناسبة فهي أيضا تملك مأتماً كبيراً في القرية يحمل اسمها وهو مأتم «الحاجية». والحاج عيسى وما يمتلكه من وعي وذكاء عمد على تثقيف نفسه بالقراءة والاطلاع فقد نهل من جميع العلوم واهتم كثيراً بالمعرفة وخصوصاً التاريخ والعلوم الدينية وكثيراً ما كان يختلط برجال الدين والعلماء والمشايخ للاستفادة من آرائهم وكان محاوراً جيداً في الأمور الفقهية والشرعية على رغم بساطة وتواضع معرفته، وكان نموذجاً يحتذى به في كثير من الأمور مؤمناً بالعلم واثقاً بقدرة هذا الشعب على التطوير والتقدم وتحقيق الاستقلال وبناء النظام الديمقراطي.

وتزوج الحاج مرتين انجب من الأولى ابنته الكبرى إلا أن الظروف لم تخدمهما للاستقرار معاً فانفصلا، بعدها تزوج بأخرى لتفيض على حياته السعادة والبهجة فأنجب منها 4 بنات و4 أولاد لم يبق منهم سوى ثلاث بنات وولد واحد وهو حسن.

وبجانب هذه الأفكار النيرة والثقافة الجيدة التي يمتلكها الحاج عمل في بداية حياته في مهنة الغوص يغيب عن أهله ووطنه عدة شهور لكن قلبه وأحاسيسه تظل دائما على البحرين وشعب البحرين.

بعدها عمل في مهنة صيد الاسماك وكغيره ارتحل للعمل في السعودية (رأس تنورة) بصفة نجار، كذلك زاول مهنة الشريطي متنقلاً بين الهند والبحرين ذلك فتح له متجراً صغيراً في سوق المنامة ومع هذا إلا انه لم يترك العمل السياسي إذ اسندت إليه الكثير من المهمات وقد أدى دوره النضالي بكل أمانة وإخلاص.

وعن قريته فإنه لم ينسها وخصوصا أبناءها فساهم مع بعض الأصدقاء في تشكيل فريق عمل يتابع أمور القرية من نواقص واحتياجات وكثيراً ما كان يخاطب الجهات المعنية من أجل الخدمات الضرورية للقرية، وأهمها بناء مدرسة للبنات وفتح مستوصف صحي يخدم الأهالي على رغم ما كان يسود القرية من أن تعليم البنات ليس ضرورياً والاكتفاء بتعليمهن في المطوع فقط فإن الحاج ورفاقه ألحوا على الأهالي بتوعيتهم وبالقبول والرغبة الشديدة في تعليم البنات وسرعان ما تعاطف معهم الأهالي وكانت بداية التعليم بمدرسة قلالي الابتدائية للبنات.

كذلك الصحة والنظافة فقد اهتم الفريق بهذه الناحية المهمة وطالبوا إدارة الصحة بفتح مستوصف صحي في القرية يخدم الأهالي والقرى المجاورة ومخاطبة إدارة الاشغال من أجل مد خطوط صرف المياه (المجاري) كل ذلك تحقق بفضل الجهود التي بذلت من قبل الأهالي وعلى رأسهم الحاج أبوحسن.

في العام 1968 فوجئ الأهالي باعتقاله وساد الخوف القرية وظهرت ملامح العجب عند الكثير من الناس وترددت بين الاوساط انه لديه نشاط سياسي سري.

اعتقل الحاج لصلته الوثيقة ببعض أعضاء إحدى المجموعات وبقي في السجن عدة شهور حاولت المخابرات الاستفادة منه إلا أنهم فشلوا في اقناعه ورفضه القاطع لكل المحاولات الاغرائية لتجنيده واعتبرها خيانة وطنية عظمى.

وبعد فشلهم في الحصول على أية معلومات منه ولعدم كفاية الأدلة أطلق سراحه، وعندما عاد إلى القرية رحب الأهالي به ووصفوه بأحد الرموز البارزة في القرية.

ظل الحاج قرابة العشر سنوات منعزلاً عن المجتمع محارباً من قبل المخابرات في رزقه وسدوا عليه الطريق لكي لا ينهض ثانية محاولين تحطيم معنوياته، لاحقوه في كل خطواته ولقاءاته لكنه صمد في وجوههم وتحمل كل ذلك من أجل مبادئه وأفكاره وتعهده بالمضي قدماً في الطريق الذي سار عليه الرفاق من أجل الاستقلال والحرية.

واجه التحدي بشجاعة وصبر وواجه حملات التشويه والعزل التي شنت ضده وتمكن من كسب شريحة واسعة من ابناء القرية وقفوا بجانبه للعمل صفاً واحداً إلى آخر يوم من حياته إذ توفي في 23 يوليو/ تموز 1986 وشيعه الأهالي إلى مثواه الأخير في جنازة لم تشهد لها قرية الدير مثيلاً نظير أعماله الوطنية الخالدة.

لقد أسهم بقسط وافر من نشاطات مواطنيه الاجتماعية والثقافية، وشارك بهدوء وصمت وبعيداً عن الضجيج بالمهمات الصعبة التي كان يتطلبها النضال الوطني، وكان يؤدي أخطر المهمات بجرأة وإرادة قوية ولم يخفق في أداء أية مهمة أوكلت اليه على رغم انتمائه إلى صفوف مناضلي جبهة التحرير الوطني البحرانية في سن متأخرة فإن دوره في نضالهم كان ملحوظاً ومؤثراً. وستبقى بصماته على هذا الطريق ثابتة يرسخها مرور الزمن ولا يمحوها.

إن المناضل المرحوم الحاج عيسى حسن سلمان هو نموذج للمناضل الصلب والخارج من صفوف الشعب والمتمسك بحقوقه وتطلعاته في الحرية والديمقراطية والتقدم، إن سيرته تجسد تلك القيم والمعاني النبيلة التي كافح من أجلها وضحى في سبيلها ذلك الرعيل الشجاع من مناضلي جبهة التحرير الوطني البحرانية والحركة الوطنية البحرانية.

ونحن اليوم نسير على خطى ومبادئ أولئك الرفاق مناضلي الجبهة، متخذين من المنبر الديمقراطي التقدمي درعاً قوياً نحتمي إليه ونقتدي به.

فمن نشرة المنبر الشهرية والتي كعادتها تطل علينا في كل عدد بأخبار ومعلومات عن الرفاق المناضلين والشهداء الخالدين اخترت هذا الموضوع كمصدر للمعلومات.

علي الواد

العدد 1106 - الخميس 15 سبتمبر 2005م الموافق 11 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً