العدد 1113 - الخميس 22 سبتمبر 2005م الموافق 18 شعبان 1426هـ

خطاب إلى "الزرقاوي" وجنوده والراكبين قافلته

سادة الحكمة والحلم والنفس الطويل:

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

اذا شئت يومـا أن تسـود عشيرة بالحلـم سـد، لا بالتسرع والشتم وللحلم خــير، فاعلمن، مغبــة من الجهل الا أن تشمس من ظلم لا أعرف من أين نبت "الزرقاوي"، ولا أعرف ماهية فكر "الزرقاوي" فهو لا إسلامي بكل تأكيد، ولا أعرف إلى من ينتسب "الزرقاوي" فهو بالنسبة الي ليس ممن ينتسبون إلى الشيطان ولا إلى الإنسان، فالشيطان من أمثاله براء، فالشيطان يغوي الناس جميعا إلا من تحصن بالعقل والحكمة، ولا يقتل بيده الأبرياء وإنما يقتل الشياطين والنكراء من أمثاله. والشياطين والأبالسة والمغرورون بقوة السلاح والجهل على مدى التاريخ نعرفهم ونعرف صورهم ونعرف صور أفكارهم جلها. إنما "الزرقاوي" فليس بشيطان أبدا إنما هو أخطر من ذلك وأشنع ليس على الشيعة التي يخيل له بأنه قادر على المساس بكرامتهم وبنضالهم الطويل عبر سنوات الإسلام كلها ضد الطغاة والمتجبرين والمتكبرين، وضد الأفكار التي تستبيح دم الإنسان وضد الفرقة والتشتت، وضد الجهل والحماقة، بل هو خطر على المسلمين وغير المسلمين جميعا. هو خطر على العالم أجمع. فإن كان لا يعي ذلك ولا يؤمن بذلك فله ولأمثاله التاريخ جله فلينظر فيه ومن معه من أية زاوية شاءوا فإنك معهم لابد واجد لا محالة ما يثبت لك ولهم ذلك، وإن سد هو ومن معه بصيرته وبصره بما يظن ويظنون بأنه سيحيد رؤيتهم عن رؤية الحقيقة الوضاءة. أجزم إن هو لم يجد ذلك في الكتب الدينية فإنه لا محالة واجده في العمارة، وإن لم يجده في العمارة فأجزم بأنه واجده في الفن الرفيع من خط قرآني وتزيين زخرفي وفكر نوراني وجهاد عظيم مع النفس ضد الموهومين عبر التاريخ. وإن لم يجده في كل ذلك فإنه من دون شك واجده في كنوز العلوم والمعرفة، وفي قنوات الفلسفة وأنهار الحكم. أخالني محقا إن قلت إنه واجد ذاته غريقة في بحر الفكر النير العظيم وحينها ستظهر له حقيقته المرة، ألا وهي انه لا يعدو كونه قشة جافة لا روح فيها طافية على هذا البحر ليقلها إلى بر الأمان، كما نقل الموهومون من قبل إلى بر الأمان نفسه وأعظم ناقلي الموهومين الرسول العظيم "ص" حين قال لموهومي مكة وجاهليها بعد أن ظهرت حقيقتهم جلية أمام أبصارهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". من هذا المنطلق الرحيم ينطلق المسلم الحق الذي نعز ونجل ونحترم. وإذا كان التشيع للإمام علي بن أبي طالب، ذلك الذي قال فيه الرسول العظيم "أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي"، أي أن الإمام علي بن أبي طالب "على خلق كريم" كما النبي، والشيعة الداعي أنت ومن تبعك إلى تصفيتهم جسديا كما حلا إلى الموهومين من قبلك عبر التاريخ، منذ أن ظهر بعد وفاة الرسول لما رأى الناس في علي الذين يتشيعون له إماما للعدل وناهجا لنهج الرسول ذاته في الرحمة والحكمة، إنهم إنما يتشيعون ويتبعون من هم على خلق عظيم. ويبدو جليا وواضحا وضوح الشمس في عز النهار انكم معشر "الزرقاوي" وصاحبكم بعيدون جدا عن قراءة التاريخ ناهيكم عن فهمه. فلو قرأتم التاريخ لعرفتم حقيقة التيه الذي أنتم واقعون فيه ومنقادون به إلى الجحيم الذي سيلتهمكم كما التهم كل الجاهلين بحقيقة التاريخ وسطوة نقمته وثأره. إن السيف الذي شق رأس علي بن أبي طالب لتوهم صاحبه بأنه بذلك يطفيء نور صاحبه، والسم الذي دس للإمام الحسن بن علي لإطفاء نوره أيضا، والسيف الذي قطع رأس الحسين بن علي وأصحابه وجميع السيوف التي قطعت رؤوس العظماء الصالحين من الناس، لم تجد لها طريقا لتعزيز روح الانتقام والثأر عند أصحاب الرؤوس ومريديهم، بل إن كل تلك المصائب البشرية زادت من إيمان تلك الجماعات بأهمية الحلم والعفو وسياسة النفس الطويل. وما أدل على ذلك مما رأينا في بدايات القرن الحادي والعشرين، كيف ضرب لنا الشعب العراقي أروع مثال لاحتكامهم إلى العقل لا إلى السيف، في شأن المعتقل الكبير والخطير في آن والمنتظرين جميعا محاكمته على أحر من الجمر. فإذا لم يسعفك عقلك بعد هذا في معرفة سياسة الحلم والعفو والكلمة الطيبة والتي هي ذاتها منذ تلك اللحظة التي دخل فيها الرسول العظيم محمد بن عبدالله مكة المكرمة حتى هذه الساعة فلن يسعفك شيء آخر. المشكلة لا تنتهي هنا عند إعلانك الصريح بضرورة قتل الشيعة فهذه المصيبة أمرها هين وسهل لكونها لن تتحقق ما بقيت على الأرض دابة تتحرك، غير ان المصيبة العظمى التي لا نعرف لها وجها نعلن حياله الرضا أو الرفض هي سكوت الحكومات العربية والإسلامية حيال ما أعلنته أنت وأمثالك، ما يجعلني أظن وأنا العارف بـ "ان بعض الظن إثم"، انه من علامات الرضا، وهذا بربي عظيم جدا. أرجو أن أكون غير مصيب فيما ذهبت إليه. ختاما اترككم مع كلمات الإمام حسن البنا، لعل هذه تفيدكم في شيء في قادم أيامكم: "ان الخلاف في فروع الدين أمر لابد منه ضرورة، ولا يمكن أن نتحد في هذه الفروع والآراء والمذاهب لأسباب عدة، منها: اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه، وإدراك الدلائل والجهل بها، والغوص على أعماق المعاني، وارتباط الحقائق بعضها ببعض، والدين آيات وأحاديث ونصوص يفسرها العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها، والناس في ذلك جدا متفاوتون، فلابد من خلاف". وأترككم مع هذه الأمنية... صرح كثير من علماء الشيعة في العراق بأن الزرقاوي "مات". وصرح آخرون بأنه "صنيعة استعمارية"، وشخصية هلامية ليس لها وجود. أتمنى ذلك من كل قلبي قبل أن يخرج سيف الجهل من غمده

العدد 1113 - الخميس 22 سبتمبر 2005م الموافق 18 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً