العدد 1160 - الثلثاء 08 نوفمبر 2005م الموافق 06 شوال 1426هـ

فتشوا عن الاقتصاد... ثم اختلفوا!

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

"فور ما تولد يجعلونك تشعر بأنك صغير، لا يمنحونك أية فسحة من الوقت بدلا من تكريس الوقت كله لك". "جون لينون - مغني وموسيقي أميركي" في "خطوط التماس" للقاص العراقي محمود البياتي، وهي قصة قصيرة ضمن مجموعته الرائعة "جغرافية الروح" وردت هذه العبارات: "... كل واحد منا يخلق في لحظة متعة خاطفة، عابرة، ثم يشقى طوال حياته بحثا عن خبز ومأوى وحنان وعدالة مفقودة..."، وقلت له: "لا عدالة إلا في جمهورية برياني"... وألقى نظرة ذات مغزى على قدح فارغ، وسألني بهزل "حقا، ومن أين السيد؟"... تذكرت العجوز وابتسمت "من بغداد... كدت أن أضيف: لا أستطيع الرجوع إلى بغداد فارتعشت في عيني دمعة كبيرة منعتني من الكلام". "ص 21" زمان، كان الاستعمار يستخدم "الخلافات الفقهية" بين الطوائف المختلفة، والطائفة الواحدة فيما بينها، وبين الإنسان وذاته أيضا لإلهائهم عن أمور كثيرة، أهمها الحديث في هذه الخلافات بدل مقاومته "الاستعمار"، لأنه يعرف مدى الحساسية المفرطة للخوض في هذه الموضوعات وإعطائها الأولوية في التفكير على مصالح الناس الخاصة والعامة، ومصلحة الوطن والمواطن، وبالتالي يقدمون خدمة جليلة من حيث لا يدرون، على طبق من ذهب إلى المستعمر وأصحاب المصالح الكبرى في استمرار وجود هذا المستعمر، لأن الحديث لا يتعرض لهم، لا من بعيد ولا من قريب، ولا يتعرض لا لاستبدادهم، ولا لفسادهم، فيصبح المهم عند العامة في أمة نصفها أميا، الأهم هو: "يجوز شرعا، أو لا يجوز شرعا"، وكأن النهب والسلب لخيرات البلاد والعباد "تجوز شرعا" وترضى بها الشرائع السماوية أو العقائد الأرضية والأخلاقية على اختلاف مشاربها؟! أين يكمن بوجه الدقة انتهاك تفكيرنا؟ دعونا نفكر بإعمال العقل في هذا الوقت بالذات ونتساءل أيضا: ما مصلحتنا في اجترار الماضي الاستعماري والحنين إليه، واستخدام الأدوات القبيحة نفسها لشغل الناس بمسائل لا تدر نفعا لهم، بل تقدم لهم تخلفا ينفع المتنفذين؟ لماذا لا نفتش في اقتصاد المشاركة، ومصطلحه الحديث "الباريكون"، حسبما طرحه مايكل أربت في مقاله: "هناك بديل" المنشور في صحيفة "فرانكفورتر روندشاو" الألمانية في 27 يوليو/ تموز ،2005 ومن ثم نختلف على الأرقام المفقودة؟ أيهما أجدى للمواطن، مناقشة عنوان الزميل محمد العثمان السبت الماضي: "أراضي البلاد كعكة في عيد الميلاد!"، وعناوين كبيرة لحجم الفساد الإداري والمالي المتفشي في البلاد، بحسب أرقام إبراهيم شريف رئيس "وعد"، وأرقام الأراضي "المنهوبة والموهوبة"، والمسألة الدستورية والتجنيس، وفقدان 98 في المئة من سواحلنا، أو التمييز والقضايا الوطنية الأخرى، أم طرح موضوعات مثل: ذلك سني وهذا شيعي، وذاك شيرازي، وآخر شريعة مداري، وذاك "خواني"، وهذا شيوعي وذاك قومي، وهذا وطني وذاك انبطاحي... إلى آخره من المسميات، وآخرها وليس آخرها موضوع "الأحوال الشخصية" مثار الجدل، من أنه يتعارض مع الشريعة من عدمه، ليتصدر "أم القضايا" في وطننا، وكأن البلاد ليس بها قضية/ قضايا رئيسية كبرى تستحق الدماء والعرق والجهد والكفاح غير "قانون أحكام الأسرة" المزمع إصداره؟! لننظر بماذا يفكر الغرب، وبماذا نفكر نحن في الشرق الحبيب. يقول مايكل أربت في "هناك بديل" لمناهضة النظام الرأسمالي وتخفيف وطأة الظلم والاستبداد: "اقتصادات المشاركة، أو الباريكون، هو طريق بديل لتنظيم الحياة الاقتصادية. الباريكون لديه دخول، وظروف، وفرص، ومسئوليات منصفة لكل المشاركين. كل مشارك في الباريكون لديه نصيب عادل من السيطرة على حياته الخاصة وعلى كل الناتج الاجتماعي المشترك. والبار يكون ينهي الانقسام الطبقي". ويضيف أربت "النظام الرأسمالي يدمر التضامن، ينمط التنوع، يجتث الإنصاف، ويفرض هرما عنيفا من السلطة. إنها قمة ثقيلة تهيمن على السلطة والفرص، وإنه لقاع سحيق متسع من الألم والكبت. فعلا، الرأسمالية تفرض على العمال درجة من الضبط والربط أكبر مما يحلم به أي دكتاتور في عمره أن يفرضه سياسيا. من سمع أبدا بمواطنين يطلبون الإذن بالذهاب إلى الحمام؟ وهو أمر معتاد بالنسبة إلى العمال في كثير من الشركات". هناك إذا، من يريدكم أن تختلفوا، وأن تتناطحوا، وأن ينام هو في العسل على خلافاتكم "الفقهية" من دون حسيب أو رقيب، أو حتى إشارة من هنا وهناك إلى حجم الظلم الواقع عليكم في غياب مفهوم "المواطنة" والذين يغيبوه قسرا وعمدا وتفاهة باستخدام لغة مشبوهة تنضح بالسموم، ولدغة هذه اللغة تنتقل بنا في الحال من الفهم إلى القبر! ففتشوا في اقتصاد المشاركة... ثم اختلفوا ما شئتم في صالح تطوير حقوق المواطنة الحقيقية، والبحث عن العدالة المفقودة، بدل تفتيت التفتيت. ونعرف سلفا أن العدالة "لا تسقط ناضجة من السماء"، بل تتكون تدريجيا عبر النضال على أرض الواقع، والكشف المستمر عن المفسدين حتى يحاكموا في بلد "وما نعنيه بلدنا" أقر أخيرا بوجود الفساد، ولكن من دون المفسدين، كما أقر في السابق بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان، ولكن من دون منتهكين!

العدد 1160 - الثلثاء 08 نوفمبر 2005م الموافق 06 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً