العدد 1168 - الأربعاء 16 نوفمبر 2005م الموافق 14 شوال 1426هـ

"إعلان دمشق"... وثقافة الأكراد السياسية

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

إعلان دمشق الذي فاجأته الأحزاب والمنظمات: التجمع الوطني الديمقراطي في سورية، التحالف الديمقراطي الكردي في سورية، ولجان إحياء المجتمع المدني، الجبهة الديمقراطية الكردية في سورية، حزب المستقبل "الشيخ نواف البشير"، والشخصيات الوطنية مثل: "رياض سيف، جودت سعيد، عبدالرزاق عيد، سمير النشار، فداء أكرم الحوراني، عادل زكار، عبدالكريم الضحاك، هيثم المالح، نايف قيسية، إضافة إلى الشخصيات الديمقراطية والمهمة في الخارج كبرهان غليون وغيرهم" أثار سيلا من النقاشات في أوساط الأكراد في سورية، منها ما كان ايجابيا خدم الإعلان ودعمه بين أوساط المثقفين الكرد الذين يوجد غالبيتهم في مقاهي المدن السورية الكبرى "دمشق، حلب"، ومن النقاشات ما خدم الاتجاه الكردي المتطرف الذي يوجد منذ فترة نتيجة بعض الرهانات الخاسرة على الظروف الدولية، وسيل لعاب بعض الاتجاهات الكردية للأوضاع والظروف الدولية، التي ليس شرطا ان يستفيد منها الأكراد. وربما لا تفسح هذه الظروف للأكراد أن يصبحوا لاعبين ليس على المستوى القطري فحسب، بل ربما على المستوى المحلي الضيق، أي على مستوى المناطق الكردية. لم لا، فمن يتابع الاوضاع سواء في العراق أو حتى في لبنان، يدرك تماما أن "الجنة" ليست موعودة، ولذلك يبدي اللبنانيون خوفهم من أية صفقة ربما تتم بين سورية والولايات المتحدة الأميركية. المهم ان بعض الفصائل الكردية وكعادتها أرادت أن تستغل عواطف الأكراد المهتاجة، والتي تغذت في غالبية الأوقات على الشعارات غير الواقعية، والتي قامت على براءة الأفكار والقيم الريفية التي لا علاقة لها بالسياسة اليومية التي تحدث بشكل تراجيدي غير متوقع. فالأكراد حتى هذه اللحظة لم يتعلموا ممارسة السياسة، وربما لم يتعلموا الحزبية أيضا على رغم انهم أصحاب عدد من الأحزاب منذ الخمسينات الماضية، ولو كانوا غير ذلك لقيموا "إعلان دمشق" بشكل صحيح وموضوعي. ربما لا نكون من المخطئين إذا قلنا ان الحركة الكردية منذ أن ولدت للمرة الأولى وبعض الاحزاب تمارس السياسة بشكلها المطلوب والصحيح. ومن الطبيعي أن يعارض البعض "إعلان دمشق"، لأن الأمية السياسية والفكرية طاغية في الأوساط السياسية الكردية، فهذا هو قدر الأكراد. أراد ان يبقوا أميين في السياسة، وأن يفتقروا الى الثقافة السياسية. وليست هذه هي المرة الأولى التي يقعون فيها في فخ الامية، ولعل عناوين بارزة تكشف "أمية" بعض الاتجاهات الكردية، وأهم هذه حوادث القامشلي التي فاجأتهم، فلم يجدوا لهم صديقا ولا متضامنا من العرب، ولا حتى من أقرب الأقربين. العنوان الثاني، اختطاف الشيخ معشوق الخزنوي الذي أرادت بعض الفصائل الكردية ان تصطاد في الماء العكر وتعمل من قضيته مثل قضية الحريري في لبنان. ونتيجة لهذا التفكير "المتخلف والساذج" قامت هذه الفصائل بتوريط الشارع الكردي "وهو الذي دفع ثمن اغلاط وصبيانية بعض الأحزاب" وزجه في دوامة صاخبة. يقول القائل ان هذه الحوادث أتت لخير هذه الفصائل لانها كانت على وشك الافلاس الشعبي، والمفارقة ان الحزبين اللذين يعارضان اليوم إعلان دمشق، هما الحزبان نفسهما اللذان ورطا الكرد في القيام بالمظاهرات في القامشلي، بينما لم تكن تسمح بذلك الظروف الموضوعية ولا الذاتية. والمفارقة الأخرى ان هذين الحزبين اللذين يعملان بالـ "روموت كونترول" من شخص اسمه صلاح بدرالدين، ادعى انه استقل من السياسة. والسياسي الكردي الواقعي أصبح من البديهيات لديه ان يفكر بان من مصلحة الكرد ان يكونوا مع العرب، وان مصلحتهم تتماهى مع المصلحة العربية السورية، ولو فكر الأكراد بغير ذلك فانهم يرسمون لأنفسهم دائرة الموت. الكردي الواعي من الأولى له ان يفكر بانتمائه لهذا الوطن، ولهذا المشهد السياسي السوري. فالقضية الكردية السورية هي جزء من القضية الديمقراطية السورية، وانطلاقا من هذه المعادلة فإن الأكراد مجبرون على أن يكونوا إلى جانب كل ديمقراطي ووطني في هذا الوطن. فماذا يريد الأكراد بعيدا عن إعلان دمشق؟ ألا يريدون حقوقا دستورية ضمن اطار وحدة البلاد؟ ألا يريدون أن تحل قضيتهم حلا عادلا؟ ماذا يطلب هؤلاء من الاعلان وما وجه الخلاف بين اعلان دمشق وبرامجهم السياسية "الحزبية"؟ أعتقد انه حان الوقت ليفكر الأكراد بخروجهم من اطار مدنهم "القامشلي، كوباني وعفرين" ويندمجوا مع المشهد السياسي والديمقراطي السوري. لقد حان الوقت ان يخرج الأكراد من عزلتهم السياسية وان يخرجوا من انطوائيتهم المؤذية والسلبية، وفي ضوء ذلك خير ما فعلت القوى الكردية الأساسية والشرعية التي وقعت على "إعلان دمشق"، وهو الإعلان الذي ينتقد من قبل البعض يحظى باحترام في أوساط كبيرة بين الأكراد لأنه - إعلان - يدافع عن "حرية الأفراد والجماعات والأقليات القومية في التعبير عن نفسها، والمحافظة على دورها وحقوقها الثقافية واللغوية، واحترام الدولة لتلك الحقوق ورعايتها، في إطار الدستور وتحت سقف القانون". ولأنه "إعلان" يبحث في "إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سورية، بما يضمن المساواة التامة للمواطنين الأكراد السوريين مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسية والثقافة وتعلم اللغة القومية وبقية الحقوق الدستورية والسياسية والاجتماعية والقانونية، على قاعدة وحدة سورية أرضا وشعبا. ولابد من إعادة الجنسية وحقوق المواطنة للذين حرموا منها، وتسوية هذا الملف كليا". المهم وقبل ان نختم، بدا واضحا ان للأكراد اتجاهين سياسيين: اتجاه يعمل بصمت ويرفض سياسة الشعارات الصبيانية ويدعو إلى التلاحمية المتقدمة التي تحمي خصوصيات المجتمع، وهو اتجاه صاحب مصلحة في التعاطي مع المسائل في سورية بروح وطنية جامعية، لأنه لا يرى بتاتا ان القضية الكردية ستحل يوما من الأيام على طاولة لا يكون مكانها في دمشق. وهو تيار وطني وله تجربة سياسية منذ عقود. أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه يحمي نفسه من خلال استغلاله للتناقضات الحزبية، ويستغل العواطف وحماسة الكرد البريئة المختلطة بطين الريف، وهو اتجاه يريد ان يصبح الأكراد جسرا ليعبروا عليه لتحقيق مصالحهم الحزبية الضيقة. ومن سوء الحظ لهذا الاتجاه ان الشارع الكردي بدأ يدرك مصالحه، وهو غير مهيأ للتهور وتكرار الأخطاء. لذلك فإن الأكراد مدعوون إلى التلاحم والتفكير ولو لوهلة في مصلحة أبناء هذا الشعب الذي أصبح بين خياري التطرف والواقعية. لقد حان الوقت ليقول الشارع كفى مروغات ومغامرات ومهاترات.

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 1168 - الأربعاء 16 نوفمبر 2005م الموافق 14 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً