العدد 1192 - السبت 10 ديسمبر 2005م الموافق 09 ذي القعدة 1426هـ

إنها العدالة الاجتماعية المفقودة...

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

فرنسا، هي بلد الحضارة وحقوق الإنسان و"الديمقراطية السياسية" العريقة، غير أن مدنها وأحياءها الفقيرة شهدت حوادث غاضبة وعنيفة وفوضوية قد "تسهل" على دعاة حقوق الإنسان رفضها واستنكارها بسبب العنف والفوضوية، لكن الأسئلة هنا تتقافز وأهمها: لماذا يجري كل ذلك في فرنسا التي يحلم جلنا بجواز سفر مواطنيها، ونيل جنسيتها لينعم بـ "ديمقراطيتها السياسية"؛ ومع ذلك نصطدم بحقيقة مفقودة في هذه البلاد، مفادها: ما جدوى الديمقراطية السياسية العريقة إذا لم ترافقها العدالة الاجتماعية؟ إذا، إنها العدالة الاجتماعية وسوء تطبيقها. فرنسا تعاني "فكيف بالبحرين؟!"، من عقلية رأسمالية جشعة حاكمة تفتقر لفهم ما يمكن أن يؤدي الفقر بها في غياب العدالة الاجتماعية، غير أن ملايين العاطلين والفقر والحرمان والتمييز الديني والعنصري والغضب والاستنكار بسبب الظلم الاجتماعي. وتماما مثلما عبر الكاتب عبدالهادي مشتاق في مقال عنونه بـ "انتفاضة الفقر والحرمان والجوع في صحيفة "طريق الشعب" اليسارية العراقية نشر أخيرا، حين قال: "فخلف النيران والدخان المتصاعد من السيارات المحروقة في الشوارع... هناك بطالة واسعة، هناك فقر وحرمان، هناك تمييز ديني وعنصري، وهناك إهمال شديد وطويل لمطاليب الشباب ولاحتياجاتهم الإنسانية الأساسية". ويضيف الكاتب في إشارة تحذيرية لفرنسا ولغير فرنسا: "على الحكومة الفرنسية، وعلى الدول المجاورة لها أن تدرك الحقيقة وتعالج المشكلة جذريا، فلا التدابير الاستثنائية، ولا إنزال الجيش إلى الشوارع، ولا الإعلام الرأسمالي، ولا الأحكام الصارمة تحل المشكلة وتشبع الجياع". يبدو أن ما جرى في فرنسا سيكون درسا من الواقع للجميع، للجالسين على كراسي الحكم، وللطبقات السياسية، فحين يتجاهلون المغبونين والمحرومين والفقراء دون توزيع عادل أو "شبه عادل" للثروة، أو تأمين الغذاء للجميع، وتأمين العمل والسكن ودخل معقول للأسر، والرعاية الصحية وبيئة سليمة للجميع، فإن النتائج معروفة سلفا، فهؤلاء الجياع لا يملكون ناقة ولا خيل يخسرونها. وحين نقرأ قراءة متأنية لبيان الجمعيات الأربع "وعد، الوفاق، القومي والعمل الإسلامي" عن مسيرة "الحقوق والكرامة" التي انطلقت الجمعة، نجد مفردات تذكرنا بما جرى في فرنسا، وبعض أسباب انتفاضة "الفقر والجوع والحرمان"، تلامس واقعنا: هناك بطالة وهنا كذلك، هناك تمييز، وهنا أكثر بكثير، وهناك فقر وحرمان وجوع، وهنا "عدد واتعب"، ونزيد عليهم هنا بـ "الطاق طاقين" في قضايا كثيرة منها ملف الأراضي والردم لبحارنا وسواحلنا "المنهوبة والموهوبة" أو توزيعها على من لا يستحق، ما أنتج زيادة الأثرياء في ثرائهم، وإفقار الفقراء وزيادة جيشهم العرمرم. فرنسا، "صاحبة انتفاضة الفقر والجوع والحرمان"، خالية من ملفات ضحايا التعذيب، أو إنصاف العائدين، والاستيلاء على الأراضي دون غطاء قانوني في البر والبحر لمتنفذين فاسدين، بينما في البحرين: "كل الطرق تؤدي إلى المهرجان!". ومثلما عدد بيان الجمعيات الأربع قضايا مثل "حق العمل بشروط عادلة، وحق السكن المدعوم لذوي الدخل المحدود، والحق في الأرض"، إلى جانب قضايا أخرى تتعلق بمفاهيم المواطن الحر الذي "لا يرضى على عرضه، ولا يرضى على داره"، وطالب بإيجاد حلول لهذه المشكلات، تساءل البيان، ومعه الحق في ذلك، ليعرف الناس إلى أين يسيرون، وإلى أين تؤدي بهم هذه السياسات المناقضة لمبدأ العدالة الاجتماعية، ويتساءلون مع البيان: "كيف نتوقع ممن لا يجد عملا أو أرضا يقيم عليها مسكنا، لا يخرج محتجا ومتظاهرا، وهو يرى أراضي بمساحة مدن توهب لأفراد، ووظائف في الداخلية والدفاع تذهب للأجانب، وكل هذه الثروة التي تكشف عنها ناطحات السحاب الجديدة والقصور والفلل الفخمة والسيارات الفارهة التي تمتلئ بها البلاد والتي تفضح سوء تقسيم الثروة والفساد؟". ترى هل يكفي لمعالجة هذه القضايا وغيرها، أن نضع نصا في مادة دستورية مثل: "حق على الدولة أن توفر العمل لجميع المواطنين بشروط عادلة"، وهو ما نصت عليه المادة 13 من الدستور، في حين تبقى هذه المادة حبرا على ورق دون ملامسة للواقع؟ وهل تكفي المادة 9 من الدستور التي تعطي "حق السكن المدعوم لذوي الدخل المحدود"، بينما توزع الأراضي وتوهب لمن لا يستحق ولا يحتاج، وتئن الغالبية العظمى من معاناة الأمرين: فلا هي تملك، ولا هي تستطيع شراء قطعة أرض للسكن بسبب غلاء طفرة أسعار الأراضي، التي وصلت ذروتها إلى أبعد الحدود يعذر من خلالها موظف متوسط الدخل شراءها، فكيف بالفقراء الذين لا حول لهم ولا قوة؟ جل البحرينيين يرفضون أساليب "البلطجة" والممارسات الفوضوية، ويدينونها، لكن مشكلة المشكلات عندنا تأجيل المشكلة، والملفات الدسمة التي توجع البحرينيين تحتاج إلى معالجة من جذورها حتى نتعافى. والحل لا تخطئه العين ولا الحكمة؛ بل هو في متناول أصحاب القرار بتطبيق نظام الرعاية الأساسية والعدالة الاجتماعية، لا بالأحكام المفرطة في استخدام القوة، والمفلسة أخلاقيا، سواء أكان بالخطف أو الاعتداء الجسدي بالضرب، أو الاعتداءات الجنسية القبيحة، أو فصل الناشطين من أعمالهم، أو إدخال الفقراء أو المحتجين إلى السجون والمعتقلات... فكل ما نحتاجه لمعالجة هذه القضايا: قليل من العدل، وقليل جدا من التوزيع العادل لثروة البلد، وصولا إلى العدالة الاجتماعية التي تزخر بها كل دساتير العالم، لكن تطبيقها للأسف... مفقود، مثل العدالة المفقودة التي دائما تفجر المجتمعات

العدد 1192 - السبت 10 ديسمبر 2005م الموافق 09 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً