العدد 1218 - الخميس 05 يناير 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1426هـ

ما هي الأغراض الحقيقية من وراء موجة المقالات «الصفوية»؟

كتاب الفتنة وترويج مصطلح «التشّيع الصفوي»... «شنشنة نعرفها من أخزم»

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

يلجأ البعض إلى استخدام مفردة «التشيّع الصفوي» لأغراض لا تخفى على اللبيب، وما يدفع لتناول الموضوع تكرار استخدام المصطلح، حتى كأن وراء الأكمة عصابة تكمن لإضرام نار الفتنة بين طوائف المسلمين.

لم تكن لديّ رغبة في الرد على كتّاب أعمدة الفتنة ومثيري الأحقاد، إلاّ أن ما حفّزني على ذلك، تصريح لأحد النوّاب ممن له احترامه ومكانته، حين انساق وراء تلك الموجة الكريهة، فردد كالصدى ما يردده المفجوعون بسقوط بطل القادسية وقائد أم المعارك، من اللاطمين واللاطمات حزناً وكمداَ على عروبة العراق التي ضاعت يوم القبض على الرئيس المهيب الركن صدّام حسين، الذي اضطر من شدّة حرصه على البقاء حيّاً، إلى اللجوء إلى جحرٍ لا تلجأ له سوى الفئران.

كانت كلمات الثكل والفجيعة تخفق بين الأسطر، وأنفاس الغضب تشيع بين الكلمات التي تبحث في جنون مستعر عن طريق تتنفس فيه وتطلق صرخاتها الطائفية المكبوتة، وأخيراً وجدت ما يحقق لها المطلوب... فماذا وجدت؟

إنها مفردة «صفويين»، ذلك المصطلح الذي أطلقه المفكر الشهيد علي شريعتي، فسرقته كاتبة تعرفونها، وانطلق الملأ من خلفها يصفقون ويطبلون معها: «صفويون... صفويون»! أبرز هؤلاء التابعين رجل متقلّب المزاج، مضطرب العقل، يسير كل يوم في زقاق، فمرة إسلامي وأخرى قومي عروبي. ولم يكن يخفي في عموده البائس، طائفيته المركزة، وكان يعبر بصراحة مطلقة عن مكنونات قلبه المفعم بالحقد الطائفي، ما جعل أقرب المقربين له ينفرون منه، وإن اكتفوا بالتصفيق له من بعيد!

ووجد الرجل في هذا المصطلح ما يجعله ينطلق في جنون أكثر، فصار ينفخ، ويكرر أوهامه، حتى صارت لديه قناعة بوجود مدّ صفوي يتهدد وجوده. ولا تجد هدفاً لهذه الكتابات سوى في إشعال نار الكراهية الطائفية. وفي سعيهم هذا، لم يتورع هؤلاء من اللجوء لتزييف التاريخ وقلب الحقائق من أجل رمي كل ما لا يعجبهم في الآخرين بالتأثير الصفوي، فراح بعضهم يسفّه الكثير من عقائدهم والانتقاص منهم بنسبته للتشيّع الصفوي. بل تجرأ بعضهم على تحريف الوقائع التاريخية، ونسج الأساطير من مخيلة طائفية مريضة. وما يثير العجب، أن بعضهم بعيد عن الإسلام فكراً وروحاً ومنطقاً، لكنه يتقدم الصفوف للدفاع عن الإسلام وعروبة العراق.

بعض هؤلاء لجأ إلى بعثرة الصفحات السوداء من التاريخ من أجل تأليب طائفة على أخرى، فتحت العنوان العريض: «الصفويين»، يتم تشويه طائفة كبيرة من طوائف المسلمين ممن شهد التاريخ بعطائها الفذ في رفد الإسلام بمختلف العلوم بما لا يليق. ومصطلح كهذا يحتاج إلى إثبات ممن أطلقه من كبار المثقفين، فضلاً عن أشباه المثقفين وأنصاف المتعلمين ممن نصبوا أنفسهم كتّابا ومفكرين.


الاستبداد وفتاوى تبيح الدماء

ولو تمعنّا التاريخ، لوجدنا أن المستفيد الأول من وراء كل صراع طائفي هم أنظمة الحكم الاستبدادية، فما ذنب الشيعة بما قام به بعض الملوك الصفويين، وما ذنب أهل السنّة بما ارتكبه بعض الخلفاء من أمثال سليم الأول العثماني في القرن العاشر الهجري (هـ) من مجازر في حق الشيعة. ولو كان الإنصاف ديدن هؤلاء الكتّاب، لأوردوا ما قام به أمثال السلطان العثماني سليم الأول وصلاح الدين حينما يسطرون ما قام به بعض الملوك الصفويين من أعمال قمعية، وهم يعلمون يقيناً أن هذه الحوادث من خلفها الأنظمة السياسية مباشرة، وحتى بعض الفتاوى التي أباحت الدماء والأموال والأعراض، كان للحكم آنذاك علاقة بها، وذلك لتوظيفها من أجل إخماد الثورات وللحصول على دعم أو على الأقل تحييد الطرف الآخر من الشعب.

ثم إن الحوادث كثيرة، لا تقتصر على الفتن بين السنّة والشيعة التي تعتبر حوادث قليلة ونادرة مقارنة مع توّجه الأنظمة السياسية، وهذه الفتن تحدث حتى من داخل الطائفة الواحدة كما يشهد بذلك التاريخ. وتاريخ ابن خلدون وابن الأثير وغيرهما فيه ما يُشبع نهم أي كاتب في هذا المجال، فحوادث الكرخ من بغداد في القرن الرابع الهجري، والفتن بين الشافعية والحنابلة سنة هـ، وبينهم وبين الأشاعرة... مع أن هذه وغيرها من الكثير من الحوادث والفتن قد سبقت مجيء الصفويين بقرون عدة.

وربما من المفيد نقل بعض ما قاله الشيخ حسن الصفّار من المملكة العربية السعودية في مقابلة مع «العربية نت»: «لماذا يحاكم بعضنا بعضاً على ما ورد في كتب أسلافه؟ علينا أن نقرّر تجاوز هذا الجانب المظلم السلبي من تراثنا سنة وشيعة، ونركز على الجانب المضيء الإيجابي منه الذي يساعدنا على إصلاح أمورنا ومعالجة مشاكلنا وتدعيم وحدتنا وألفتنا». وأضاف: «مقولات التجريح والطعن والسب والشتم لا تقتصر على بعض كتب التراث الشيعي، فهي موجودة في بعض كتب التراث السني، فكتاب (السنة) لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل ( - هـ) على سبيل المثال، فيه فصل كامل يبلغ صفحة في ذم الإمام أبي حنيفة، واستحباب بغضه ووصفه بالكفر والزندقة واتهامه بأبشع التهم، فهل يعني ذلك أن يحصل النزاع والخلاف الآن بين الأحناف والحنابلة؟ وكذلك لو راجعت كتاب طبقات الشافعية لوجدت فيه نقلاً كثيراً لتجريح وخصومات بين علماء الحنابلة والشافعية. وفي كتب الشيخ ابن تيمية كلام عنيف ضد الشيعة وضد علمائهم وزعمائهم، فهل نعيش آثار هذه المعارك الموجودة في كتب التراث الشيعي والسني، ونتخذ المواقف من بعضنا بعضاً على أساسها؟».


أكاذيب تتبعها أراجيف

إن المخلصين لهذا الوطن يركّزون على الجوانب المضيئة فيما يربط الطائفتين، أما أولئك البعيدون عن روح الإسلام والحرص على مصلحة الوطن، فديدنهم النبش بين الأوراق العفنة، حتى يستخرجوا من بين أروقة التاريخ، نتفاً يسترون بها عوراتهم وأهدافهم المخفية من وراء توظيفهم السيئ لهذا المصطلح (التشيّع الصفوي).

ودفع مرض الوهم والهلوسة بعض هؤلاء الكتّاب إلى حد الزعم بوجود تشيّع صفوي وآخر علوي، وفي غمز متعمّد للمراجع من أصول فارسية، ادّعى بعضهم بأن النجف الشريف بها تشيّع عراقي أصيل ممثل في عائلات عراقية معيّنة مثل الخالصي والعطّار والبغدادي والصدر. ولكن كما يقال: حبل الكذب قصير، وقد تجرّ كذبة واحدة غبية صاحبها إلى الوقوع في سلسلة من الأكاذيب الأخرى للتغطية على كذبته الأولى! وهذا ما حدث مع تلك الكاتبة حين حاولت التفريق بين ما أسمته بـ «التشيع العلوي» و«التشيّع الصفوي»، إلا انها اعترفت في النهاية بأنه لا يمكن التمييز بين الشيعة الصفويين والشيعة الجعفريين!

ولو سلمّنا مع الكاتبة بوجود فقهاء ذوي تشّيع صفوي يختلفون عن الفقهاء من الشيعة العلويين كما زعمت، فما الفرق بين كتب الفقه وخصوصاً الرسائل العملية لفقهاء التشيّع العراقي الأصيل (حسب تعبير الكاتبة)، وتلك المنسوبة لفقهاء التشيّع الصفوي؟! المهم أن تطلق الكذبة ثم تدافع عنها!

ثم إن كتب الحديث الأساسية المعتبرة لدى الشيعة الإمامية أربعة مشهورة: «الكافي» لثقة الإسلام الكليني (توفى سنة هـ)، و«من لا يحضره الفقيه» للشيخ الصدوق، (توفي سنة هـ)، و«تهذيب الأحكام»، و«الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار»، وكلاهما لأبي جعفر الطوّسي الملّقب بشيخ الطائفة (توفي سنة هـ). والسؤال الذي ينتظر من يطبّل لمصطلح «التشيّع الصفوي» ويرقص على نغمات من يردده، وخصوصاً هذه المدّعية، هو: هل وجد هؤلاء الكتّاب في فقه وعقائد من أسموهم فقهاء التشيّع الصفوي خلاف ما في هذه الكتب الأربعة؟


نماذج من تزييف الوعي

ومن المهم التذكير بأن هذه الكتب الأربعة التي تعدّ الأكثر أهمية ومكانة في مذهب أهل البيت (ع)، كتبت قبل وجود الصفويين بما لا يقل عن ستة قرون، فأي خطل وترّهات يسوقها هؤلاء الكتّاب المزوّرون؟

ومن أجل مزيد من تزييف وعي القرّاء، وتسويق الأكاذيب، يقوم بعض هؤلاء باختراع مقدماتٍ من عندياتهم، ثم يقدّمون للقارئ نتائج من سنخ تلك المقدّمات، فلا يتردد هؤلاء في مهاجمة كل ما يمس العقيدة وتسفيه كل ممارسة لا تعجبهم، ثم نسبها للتشيع الصفوي والزعم بأنها غريبة على «الشيعة العرب الأصلاء». ومن ذلك ما قامت به هذه الكاتبة، حين قفزت على حقائق التاريخ وقلبتها رأساً على عقب، بالذات عندما زعمت أن مواكب العزاء والخروج في الشوارع واللطم عل الصدور من مبتدعات التشّيع الصفوي.

ولنا وقفة سريعة مع هذا التحريف للتاريخ، فعهد الصفويين كان في القرن العاشر الهجري (السادس عشر للميلاد)، بينما يذكر التاريخ بأن أول من أخرج مواكب العزاء للشوارع، هم أمراء بني بويه في بغداد، وتم تعطيل الأسواق يوم العاشر من محرّم في عهدهم الذي امتد من سنة هـ وانتهى سنة هـ. كذلك قام أمراء بني حمدان بإحياء مراسيم العزاء في دولتهم في القرن الرابع الهجري، ولم تتخلف الدولة الفاطمية عن إحياء العزاء على سيد الشهداء (ع) في مصر حتى القرن السادس الهجري، وإن اختلفت الطرق والأساليب.

إذاً، أين هذه التواريخ من ذلك الإفك المبين؟ أم أن المسألة لا تتعدى فتح باب لمهاجمة طائفة مهمة من المسلمين واستعداء أبناء الوطن ضد بعضهم وضرب أسفين الشقاق بينهم تحت ابتداع مصطلح «الشيعة الصفوية»؟


اللجوء إلى المستشرقين

ولمثل هؤلاء الكتّاب جرأة كبيرة على الكذب والتدليس وإلقاء الكلام على عواهنه، فحتى التزواج بين الشيعة والسنّة نسب تحريمه للتشيّع الصفوي، مع أن التحفظ على مثل هذا النوع من الاختلاط يشمل فئات واسعة من الطائفتين، وفي كتب الأقدمين ممن سبقوا مجيء الصفويين بقرون من يرفض هذا النوع من التزاوج، ونحن في غنى عن ذكر ذلك حتى لا نقع في مطب الفتنة الطائفية الذي نعتقد أنه الهدف الأساسي لمثل هذه الكتابات، وهذه الإثارات المخطط لها تحت جنح ظلام المصطلح الملغوم.

أما الزيف الأعظم الذي حاول بعض هؤلاء بيعه علينا وهو لم يتعد كونه بضاعة مزجاة جلبها أصحابها من مطارح بعيدة، فيتمّثل أحسن تمثيل وتجسد أروع ما يكون في الحيرة التي أخذت بعقول هؤلاء، والتناقض الذي أوقعوا أنفسهم فيه، فمرّة يزعمون مرددّين صدى صوت طاغية

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1218 - الخميس 05 يناير 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً