العدد 1219 - الجمعة 06 يناير 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1426هـ

«مثلث الماس الإيراني» وسر السيناريو رقم

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

حذر أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني أوروبا مما أسماه باللجوء إلى «السيناريو الثاني» إذا ما اختارت الترويكا الأوروبية التشدد مع إيران ومنعها من نيلها حقوقها المشروعة في دورة نووية كاملة كما تنص معاهدة حظر الانتشار النووي، وإذ لم يوضح لاريجاني مضمون هذا السيناريو فإنه قال عنه: «إن السيناريو الذي نحدث عنه تم التخطيط له بشكل بحيث اننا إذا ما لحقت بنا هزيمة ما فإن الآخرين أيضاً ستحلق بهم الهزيمة في المنطقة...». كما ورد في تصريحات أدلى بها المسئول الأول عن الملف النووي الإيراني للتلفزيون الإيراني الرسمي المخصص للبث الخارجي «شبكة جام جم».

وتأتي تحذيرات لاريجاني في الواقع في لحظة حرجة بالنسبة إلى الترويكا الأوروبية فيما تشعر فيها طهران بأنها مرتاحة و«متمددة» على غير عادتها على حد وصف أحد المحللين السياسيين المطلعين على مطبخ صناعة القرار الإيراني، وذلك بسبب انشغال خصومها التقليديين بأكثر من ملف معقد واستغراقهم تماماً في المستنقع العراقي!

فاللحظة حرجة فعلاً بالنسبة إلى الأوروبيين الذين بدأوا يفقدون زمام المبادرة بعدما خطفها منهم الروس بعد اقرار الأميركيين بعجزهم في خيار التصعيد العسكري والأمني ضد طهران والطلب من الترويكا الأوروبية البحث عن حل حواري مناسب في الوقت الإسرائيلي الضائع أي من الآن إلى ما بعد منتصف شهر مارس/ آذار المقبل حيث موعد التئام مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة النووية مجدداً.

الإيرانيون الذين التقطوا خيط المبادرة الروسية القاضية بالتخصيب فوق أرض الشريك المتعهد باكمال محطة بوشهر النووية لتقطيع الوقت حتى نهاية العام م وهي المدة التي تعهدت فيها موسكو للإيرانيين بتأمين الوقود النووي اللازم لتشغيل المحطة لمدة عام على الأقل بعد اتمامها كما هو مفترض في نهاية العام م فإنهم - اي الإيرانيون - اغتنموا فرصة «ضياع» الترويكا الأوروبية بين الحليف الامني المتعثر في العراق الشريك الاقتصادي المناكف لهم بالغاز وبغيره، ليعلنوا عودتهم الكاملة عن خطوتهم التطوعية المعروفة بخطوة بناء الثقة، وذلك باعلام مدير الوكالة الدولية محمد البرادعي بأنهم سيستأنفون خلال الأيام القليلة المقبلة «نشاطات البحوث والتطوير بشأن برنامج الطاقة النووية المعلق في أصفهان»، مغلقين الباب سلفاً على أية تنازلات بهذا الصدد من خلال إعلان المسئول الأول عن الملف المذكور أن هذا الأمر غير مطروح على طاولة المفاوضات مع الأوروبيين في التاسع من يناير/ كانون الثاني الجاري مطلقاً!

في هذه الاثناء، ظلت تصريحات أحمدي نجاد «الصاروخية» تتواصل سواء بشأن «المحرقة» المزعومة على حد قوله أو بخصوص المسألة الفلسطينية عموماً، والذي أضاف إليها أخيراً قوله: «إن العالم كان بحاجة إلى صدمة من الحقيقة حتى يخرج من الكسل والخمول الذي ساد التعامل معها المحافل الإقليمية والدولية...»، مصعداً لهجته لأول مرة ضد ما أسماه «سياسة التودد لأوروبا» التي انتهجها سلفاه رفسنجاني وخاتمي، والتي قال إنها «لم تحقق شيئاً يذكر، بينما خفضت من مكانة إيران في العالم الإسلامي»، كما ورد في مناقشة له مغلقة مع البرلمان الإيراني.

هذا الكلام الجديد نسبياً من أحمدي نجاد إذا ما تم وضعه إلى جانب الخطوات الجدية والصارمة المتخذة من جانب مجلس الأمن القومي الإيراني بخصوص الملف النووي، في إطار ما سمع أخيراً من خالد مشعل في طهران من جبهة متحدة تضمه إلى جانب طهران ودمشق وحزب الله، فإن بعض مضامين السيناريو الثاني الذي يتحدث عنه لاريجاني ويحذر منه الأوروبيين يصبح مفهوماً.

إنها استراتيجية «الردع الشامل». إذاً، والتي سبقت الاشارة إليها في مقالات سابقة، إذ يعتقد مقربون من مطبخ صناعة القرار الإيراني بأن أحمدي نجاد وفريق عمله الجديد وعلى رغم التزامهم المعلن بسياسة الحوار والصراحة مع المجتمع الدولي فإنهم على استعداد كامل أيضاً لأي خيار قد يفرض عليهم أو على أي من حلفائهم الإقليميين ولاسيما ضلعي «مثلث الماس» الإقليمي الآخرين، أي دمشق وبيروت بعدما اعتبر أحمدي نجاد في تصريحات له أخيراً أن طهران مسئولة ليس فقط عن امنها القومي بل وعن الأمن القومي لحلفائها أيضاً.

كل المؤشرات اذاً تفيد بأن طهران ليست بصدد التخلي عن حقها الذي تعتبره مشروعاً وملزماً للمجتمع الدولي بالحصول على «دورة نووية كاملة» من بين بنودها الحق في تخصيب اليورانيوم على أرضها. والخطوة الأولى في هذا الطريق الذي يقرر فريق أحمدي نجاد اليوم استئنافه هو في العودة إلى مهمة التحقيقات والبحوث وتطوير البحوث في مجال الطاقة النووية المصرح بها، والتي كان معمولاً بها أيضاً تحت اشراف كاميرات اللجنة الدولية للطاقة النووية. وإن لدى طهران من أدوات الروع الكافية بنظرها ما يجعل أي منع لاستمرار برنامجها تصاب فيه بالضرر أو «الهزيمة» أن يفضى بالضرورة إلى «هزيمة» مماثلة تلحق «بالآخرين» في المنطقة.

هل هو اذاً المبدأ الذي يقول «إن ثمن المقاومة أقل من ثمن الاستسلام» الذي بات يجمع بين طهران ودمشق وبيروت وما يجمع بينهم من «الثابت» الفلسطيني الذي يبدو انه سيظهر من جديد في العام م ليكون الملف الأكثر سخونة بعد استراتيجية الانسحاب الأميركي من العراق!

مدير معهد الحوار العربي - الإيراني

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1219 - الجمعة 06 يناير 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً