العدد 1234 - السبت 21 يناير 2006م الموافق 21 ذي الحجة 1426هـ

سورية... وضمير الأمة!

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

الحال السورية ربما كانت اكثر الحالات، التي تضع الجمهور العربي امام مسئولياته. ذلك انها مرشحة لحدوث تطورات سلبية في المستويين الداخلي والخارجي على السواء. ويستند احتمال التطورات السلبية في الداخل السوري الى انسدادات سياسية واقتصادية واجتماعية متفاقمة، كانت بين عوامل تصاعد الدعوات السورية الى اعتماد الاصلاح لمواجهتها، وهو امر توافقت عليه اوساط سورية مختلفة، ضمت المعارضة في الداخل والاخرى الموجودة في الخارج، وانضم الى هذه الدعوات اصحاب النظام الحاكم بمن فيهم الرئيس بشار الاسد، وان كان انضمامهم محكوما بفهمهم وتكتيكاتهم السياسية في اهدافها الداخلية والخارجية على السواء. وتستند احتمالات التطور السلبي للواقع السوري في المستوى الخارجي، هي الاخرى الى تردد واخطاء السياسة السورية في علاقاتها الاقليمية والدولية، وهي حال صارت وتكرست بفعل عدم استيعاب مراكز صنع القرار جملة المتغيرات التي شهدتها المنطقة والعالم في السنوات الاخيرة وخصوصاً الحادثين الكبيرين اللذين هزا العالم والمنطقة، وهما حوادث سبتمبر/ ايلول الاميركية والحرب الاميركية ­ البريطانية على العراق وما اعقبهما من تداعيات على الصعيدين الدولي والاقليمي وابرزها «الحرب على الارهاب». لقد عمل النظام في سورية في المستويين الداخلي ­ الخارجي على تجديد نفسه بالاستناد الى المنظومة ذاتها التي حكمت سياساته في العقود السابقة من دون ان يكون له المنظور الدقيق في رؤية الحوادث والتطورات والتعاطي معها بالاستناد الى المعطيات والبيئات المحيطة في مستوياتها الداخلية والاقليمية والدولية، وهو ما جعل السياسات السورية غير واضحة وغير مستقرة، ويغلب عليها التردد وخصوصاً في مواجهة القضايا الساخنة، كما ظهر الامر في الموقف من القرار 1559 وفي موضوع الانسحاب من لبنان، وفي التعامل مع لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري. وعلى رغم تصادم رغبات اكثرية الجمهور العربي في الحفاظ على سورية وحمايتها مع ناتج السياسات السورية في المجالين الداخلي والخارجي، فقد ذهب كثير من العرب الى تأييد سورية ضد الاتهامات والتهديدات الخارجية ولاسيما الاميركية، خصوصاً وان اصحاب هذا الموقف مازالوا يتابعون بكل الالم والخوف ما يجري في العراق من حوادث مأسوية، تركت اثارها العميقة والطويلة المدى على المجتمع والدولة في العراق، وقد تجاوز بعض هؤلاء، أو اتجهوا لنسيان، ان ماصار اليه العراق، ليس محصلة لما قام به الاميركيون والبريطانيون وحلفاؤهم فقط، بل هو ايضا ثمرة مرة للسياسات التي تابعتها ديكتاتورية ودموية وصلافة نظام صدام حسين وحكومته في تعاطيها مع الشأنين الداخلي والخارجي وخصوصاً في الفترة التي اعقبت الحرب العراقية ­ الايرانية. غير ان موقفا عربيا آخر، كان أكثر تعبيرا عن ضمير الأمة في الموقف من سورية والخوف عليها بلدا وشعبا، وهو موقف عبرت عنه اوساط واسعة ابرزها اوساط المثقفين العرب ولاسيما في لبنان والاردن وفلسطين ومصر والخليج، حيث ربط هؤلاء بين سورية الداخل والخارج، مؤكدين ان مواجهة الضغوطات والتهديدات الخارجية، يرتبط بتصحيح السياسات السورية الداخلية والخارجية، وهو ما أكدته بيانات ومقالات كثير من المثقفين العرب في الفترة الماضية، وقد جاء بيان المثقفين والصحافيين الاردنيين الصادر حديثاً تأكيداً جديداً لتلك الروح بإعلان رفضهم «المساس بالسيادة السورية، وأية عقوبات او حصار او تدخل عسكري» ضد سورية، معتبرين، انه ليس من طريق للخروج من الأزمة الحالية والمواجهة المحتملة مع المجتمع الدولي، الا عبر سياسة داخلية، جوهرها الاسراع في إجراء إصلاح سياسي حقيقي، وفتح المجال للحريات العامة، وإعادة الاعتبار لحقوق الإنسان وحرية التعبير والرأي، والقيام فورا بالإفراج عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والتعبير، وإيجاد بيئة سياسية تكفل إطلاق تعددية سياسية حقيقية، تفضي إلى انتخاب مجلس نواب، يعطي السوريين حقهم في المشاركة في صنع القرار. ولم يغفل المثقفون والصحافيون الاردنيون عن متممات هذه السياسة في بعدها الاقليمي وخصوصاً ازاء لبنان الذي تبدو تطورات الحوادث فيه ذات تأثير كبير على سورية، فأكدوا ضرورة مساندة سورية وحق اللبنانيين في الوصول إلى الحقيقة في اغتيال رفيق الحريري، وما تلاه من اغتيالات طاولت شخصيات لبنانية بينهم الصحافيين سمير قصير وجبران تويني، اضافة الى التعاون المطلق والكامل مع لجنة التحقيق الدولية في جريمة الاغتيال، واحترام استقلال لبنان وحقه في السيادة والحرية والأمن، ومعاقبة كل من يثبت تورطه في استباحة أمن لبنان وحريته. وكما هو واضح في مطالب المثقفين والصحافيين الاردنيين، فانها تعبير عن انتصار لسورية وخوف عليها من خلال محاولة تصويب سياساتها، وهو نهج مضى في اتجاهه كثير من المثقفين والصحافيين العرب في الاعوام الاخيرة بتأكيد حرصهم على سورية وشعب سورية، مجسدين بذلك روح الامة وضميرها

العدد 1234 - السبت 21 يناير 2006م الموافق 21 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً