العدد 1236 - الإثنين 23 يناير 2006م الموافق 23 ذي الحجة 1426هـ

هل هو تحديث أم تزييف؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

«هشام شرابي» الذي يصادف مرور عام على وفاته من هذا الزمن يشير في كتاب له بعنوان «النقد الحضاري لواقع المجتمع العربي المعاصر» إلى أن المجتمع الأبوي «البطركي» بطبيعته محافظ ويرفض التغيير، ولا يقبل به إلا في حالتين، عندما يفرض عليه من الخارج، كما حدث في مجتمعنا منذ بداية الغزو الأوروبي، أو عندما يكون التحديث ضرورة حيوية للمحافظة على الذات، ويستكمل قائلا: لكنه في كلتا الحالتين لا يأخذ بالتغيير إلا جزئيا وبعد أن يكيفه لمقاصده، فيتحول التحديث إلى آلية تحافظ على الوضع القائم بدلاً من تغييره، لذلك فالحداثة هنا مزيفة ولا تسير بالمجتمع إلى الحداثة الحقيقية لماذا؟ لأنها ببساطة شديدة لا تغير من البنية الاجتماعية القائمة، ولا تمس منها إلا مظاهرها الخارجية، قد تغير الصورة لكنها لا تغير الأصل أو الواقع، التصريحات والنشاط الدؤوب القائم على قدم وساق بشأن مشاركة المرأة في الانتخابات المقبلة وما له صلة ببرنامج التمكين السياسي، مشاهد حية تستفز المرء لاستحضار أقاويل «هشام شرابي» الخطيرة، فبرنامج التمكين المعلن عنه منذ عام، والممول بآلاف الدنانير من مكتب الأمم المتحدة الإنمائي في إطار المشروع الأميركي ­ الأوروبي لتحديث المجتمعات العربية والإسلامية، قد دفع بمكتب الأمم المتحدة لأن يضع بيض برنامج التمكين موازنته في سلة المجلس الأعلى للمرأة كمؤسسة تنفيذية رسمية، يراها داعمة لقضايا تحرير المرأة البحرينية ومشاركتها في الشأن العام، وربما يتأمل ونحن معه، من أن يتحقق ما عجز عن تحقيقه طيلة العقد الماضي. بيد ان التعاطي مع الدعم والمساندة، وعند تقييم البرنامج والأداء، سيضع المعنيين في دائرة المساءلة عن مدى جدية الدعوة لمشاركة المرأة سياسياً، شكلاً ومضمونا، لاسيما وان البعض ينظر إلى المشروع وإن لم يصرح بذلك علناً، على انه اختراق وجزء لا يتجزأ من منظومة مشروع التغيير المفروض من الخارج على مجتمعاتنا، وفي السياق ثمة ما يستدعي المراقب والمحلل لمقاربة الواقع العملي مع عملية تطبيق برنامج التمكين السياسي الطموح للمرأة، كما يدفعه إلى الذهاب بالأسئلة بعيداً وتحديداً نحو ما أشار إليه سلفا «شرابي» بشأن الحداثة الحقيقية. وعليه، هل التمكين يعني ابتلاع كبسولة قناعات وآراء في ظل بطء حركة الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي؟ أم هو سيرورة تبدأ من الطفولة؟ أم ان ما يتم هو عملية مزيفة من أصلها وفصلها، تمس القشور والمظاهر الخارجية من دون أن تعبأ بالجوهر؟ بالإمكان الإجابة وبحماس وغيرة شديدة «بلا كبيرة»، ذلك طبعاً إنصاف للجهود المبذولة من الأطراف الرسمية والمنظمات الدولية، فضلاً عن الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، فما يجري ويدور ليس بزيف أو تزييف، ليس قشوراً إنما لبا ذا قيمة مضافة لرصيد الوطن من ناحية ولرصيد نساء البحرين من ناحية أخرى. ولكن مهلاً، هل جوهر دعوة التمكين وبرامجها العملية في تقاطعها مع الواقع ستؤدي حتماً إلى نقل مجتمعنا إلى عصر الحداثة وتحقيق مساواة المرأة بالرجل بحسب ما جاء في دستور البلاد؟ بلا ريب، هناك ما يستوجب الملاحظة والإشارة إليه والتفكيك قبل إطلاق الأحكام «بنعم أو لا»، هنا وهناك: (1) من المتوقع أن تصادف النساء اللواتي عقدن النية على الترشيح في الانتخابات وأثناء تحركاتهن شتى صنوف المصاعب وربما بشدة أكثر مما صادفهن في المرة السابقة. الصعوبات ستبدأ من المؤسسة الدينية التي ستفرض سلطتها استناداً إلى التفسيرات المختلفة للنص، ولمسألة ولاية المرأة في الإسلام، وبالتالي ما هو حلال وحرام، جائز ومقبول وغير جائز ولامقبول، كما ستكون أداة النص وتفسيراته حاضرة كسيف مسلط مدعوم بروح العرف والتقليد على رأس من تتجرأ وتشد بعيداً في خطابها وبرنامج عملها عن السائد والمتوتر والمرغوب لاسيما ذو الصبغة الطائفية. حينها يتحتم السؤال: هل نوعية برامج التمكين السياسي بما تتضمنه من تدريب وأساليب توعية ودعاية لدعم المترشحات، وتغيير الصورة النمطية للمرأة كفيل باجتياز الحواجز والمعوقات وإلى أي مستوى؟ هل هي بقادر على الإقناع وخلق جيل متفتح على ثقافة التغيير والتحديث والديمقراطية في المجتمع، وقبول المرأة شريكاً وعدم ممارسة التمييز ضدها؟ (2) هناك احتمالية كبيرة لتعطيل قد تتكبده عناصر قيادية نشطة في الحركة النسائية عند التفكير في خوض الانتخابات، يكمن سبب التعطيل في كون قرار مشاركة بعضهن يتوقف على قرار قطعي من المرجعية الايديولوجية الدينية وفي غير صالح ترشحهن. ففي رد لرئيس جمعية «الوفاق» عما قدمته جمعيته في ملف التمكين السياسي للمرأة قال: «هناك عضوات فاعلات في الإدارة واللجان، وهذا يعد مساهمة عملية ميدانية، وتنفيذ لعدد من الورش لإنضاج المرأة وتعزيز مساهمتها في العمل السياسي، إن الرؤية الدينية للوفاق متضمنة على العمل السياسي، وهي تمهد لمشاركة المرأة في الممارسة السياسية، ولو كانت الوفاق دينياً أو فتوائياً لديها رؤية أخرى لكانت الأمور قد سارت بشكل معاكس، وهذا الدور يرجع للعلماء، أكثر من «الوفاق»، توصيل نساء إلى المجالس المنتخبة إذا قررت الجمعية المشاركة، تفاصيله راجعة للعملية الانتخابية المحكومة بإرادة وبواقع» (مقابلة في الوسط 8 يناير/ كانون الثاني 2006). أحد أعضاء مجلس إدارة جمعية «الأصالة الإسلامية»، بدوره نفى وجود نساء من الجمعية سيترشحن للانتخابات البلدية أو التشريعية (الوسط 3 يناير 2006). هل نذكر بأن ازدواجية الخطاب والرغبات والنفي، ما هي إلا دلالات صارخة تعكس خلفيات ثقافية وتعبر عن ذهنية سائدة في التعاطي مع المرأة كإنسان وشريك ناقص الأهلية؟ (3) التعطل قد تتعرض له بعضهن عند بقائهن في حال انتظار لقرار متذبذب من قبل إدارة مجالس بعض الجمعيات السياسية التي ينتمين إليها، والتذبذب لا يعني الإعلان عن قرار المشاركة أو المقاطعة فقط، إنما يشمل ترجيح ترشيح تلك المجالس لعناصر رجالية يمثلونها عوضاً عن النسائية بحجة الخبرة والكفاءة، واحتمالية عدم فوزهن في الانتخابات، وبالتالي «لما المخاطرة بزج عنصر نسائي». وحتى لا يسبقنا المعارضون لما نسوقه بالرد والدفاع، نؤكد، ليس في ذلك من عيب حينما يحسم قرار الجمعيات السياسية جماعياً ويخضع للإرادة السياسية والديمقراطية لأعضائها، فمن سيخوض الانتخابات ممثلاً عن جمعيته رجلاً كان أم امرأة، لابد أن يخضع بالمنطق للإرادة الجماعية التي يفترض فيها اعتماد مبدأ المواطنة والقدرة على تمثيل مصالح الجمعية السياسية والكفاءة والمعرفة والدراية والحنكة السياسية لا المزاجية والمحسوبية. ولكن، ماذا لو كانت رغبة وقناعة تلك النسوة مغايرة لما جاء به القرار الجماعي والتوجه الايديولوجي والديني القائل بـ «لا، وغير جائز»، عندها هل ستخالف النسوة القياديات ذلك القرار ويعلن عن أولوية أجندة قضايا المرأة والمجتمع؟ هل يتجرأن؟ (4) من أسف بعض الخطب السياسية والنسوية المتناثرة هنا وهناك تدور باستمرار حول نفسها على صعيد الحيز العام، وقرار خوض المرأة الانتخابات من عدمه مايزال في خانة السلطات الأبوية المتنوعة، كما ان الإرادة الفردية لبعضهن مغيبة، ذاك ما تدلل عليه بوضوح التصريحات المنشورة في (الوسط 3 يناير 2006)، فرئيس جمعية المنبر الوطني الديمقراطي أكد: «دعم جمعيته لمشاركة المرأة في الانتخابات»، بيد ان لا منبرية ناشطة في الشأن السياسي والنسائي أعلنت عن ترشحها إلى الآن. أحد أعضاء مجلس إدارة جمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد»: «أمل بمشاركة أكبر عدد من النساء في الانتخابات، مؤكداً ان هناك وجوهاً نسائية ستشارك وسيتم تحديد أسمائهن في القريب العاجل، علماً بأن قرار الجمعية الرسمي بالمشاركة أو المقاطعة لم يعلن إلى الآن». وعليه ولا عنصر نسائي ناشط على مستوى قضايا حقوق المرأة من الجمعية قد أعلنت عن ترشحها أو عدمه حتى لحظة كتابة هذه السطور. الجميع في حال انتظار. عضوة جمعية «الوفاق» ورئيسة جمعية المستقبل النسائية «شعلة شكيب» تصرح بدورها لـ «الوسط»: «إن قرار مشاركة أو مقاطعة الانتخابات النيابية لا يزال قيد الدراسة في التيار الإسلامي، وإنه من أجل نجاح العنصر النسائي في الانتخابات لابد وأن تكون لدى المرأة النية للترشح وأن تلاقي الدعم من الجهة المساندة لها إلى جنب الدعم العلمائي، إذا ما كانت تنتمي للتيار الإسلامي، وتضيف: على رغم عدم وجود فتوى تحرم تولي المرأة لمنصب بلدي، فإن رئيس المجلس العلمائي لا يحبذ مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية وأننا نحترم بل ندعم رأيه». نقطة على السطر؟ هناك ضرورة للنية، وهناك عدم تحبيذ واحترام ودعم له، أهي مفارقة أم التباس؟ وماذا عن المفاهيم التي يتم التنظير لها وتداولها بكثافة منذ أكثر من 4 سنوات بشأن الديمقراطية والمواطنة الكاملة والمساواة... الخ؟. بلا أدنى شك، هناك ثنائية وازدواجية ما بين التمني والتصريحات الراغبة في خوض المرأة للانتخابات والداعية إلى تجاوز الواقع وتحريك طاقات النساء وإدخالهن في عملية الصراع السياسي. هناك مفارقات عدة تتصادم مع آليات تفعيل تلك الرغبات والبرامج، لا بل هناك غياب ملموس لنشاط المرأة المباشر في الجمعيات السياسية انعكس على غياب صوتها. البعض يعزوه إلى احتكار الرجال للنشاط السياسي، وتطويع النص الديني والأعراف والتقاليد لتهميش النساء، أو إلى عزوف النساء أنفسهن أو الأسباب مجتمعة. من دون شك، النساء مشغولات ولاهيات بشئون الحيز الخاص، الأسرة والواجب ومسئولية البيت والكد والعمل، على رغم فتح كل أبواب الجمعيات والمنتديات لهن، والآخر مرتاح من استمرار الوضع القائم بل يعمل على تكريسه. تذكر المرنيسي في كتابها «الحريم النسائي» إن عملية التحرير تتطلب تغيراً جذرياً في صميم المجتمع وليس عملاً إصلاحياً، هناك قانون الأحوال الشخصية، المساواة في فرص العمل والأجور... الخ، واستراتيجية تحريرية للمرأة لا يمكن أن تشيد إلا إذا استرجعت المرأة ما ضاع منها: الزمن والكلام عن تحوله وتغيراته وتطوراته وحركيته واستهلاكه وتوظيفه لتخطيط المستقبل». أما

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1236 - الإثنين 23 يناير 2006م الموافق 23 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً