العدد 1237 - الثلثاء 24 يناير 2006م الموافق 24 ذي الحجة 1426هـ

حتمية الاختلاف: تاريخية الحكمة الكويتية ودستورية الاختلاف

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

«إن الديمقراطية منحت الشعب الكويتي القدرة على الفهم والتفاهم، القدرة على التأقلم مع مستجدات العصر والأخذ بها وفق المعايير الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتعارف عليها، دون القفز على المعطيات الحاضرة أو تحجر ورفض للمفاهيم المعاصرة والمكتسبات الإنسانية بتنوع مصادرها. والتجربة الكويتية أثبتت أن الخيار الديمقراطي هو الذي نأى بالدولة، بعد توفيق ورعاية الله، حتى في أحلك ظروف الاحتلال عن دائرة العنف السياسي والاجتماعي والصراع على السلطة كالذي تتعرض لـه بعض البلدان في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحرجة التي تمر بها المنطقة». يبدو أن التاريخ كما يقال ­ وهذا ليس لنا شأنٌ فيه ­ يعيد نفسه» ومن صور هذه الإعادة والتكرار التي ما فتئ التاريخ يكررها علينا حتى نتعلم غير أننا لم نتعلم بعد لسوء الحظ، وضع وشرعية الحكم في الدول العربية الإسلامية عموماً» والكويت خصوصاً اليوم، تمر بهذه الإعادة في تجربتها بشأن بيت الحكم والخليج عموماً مر هو أيضاً ويمر مراراً بمثل هكذا إعادة وتكرار. غير أنه مع هذا العدد الكبير في إعادة التاريخ وتكرار حوادثه يجب علينا الأخذ في الاعتبار «حكمة القادة» التي أظهرها لنا حكماء الخليج في مجمل القضايا ذات الاتصال الوثيق بالموضوع، ألا وهو التاريخ. لقد مر الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح المولود في العام 1930 وهو الابن الأكبر لـ «حكيم الكويت» دونما منازع الشيخ عبدالله السالم الصباح، الذي حكم الكويت بموقف كهذا من قبل، فالتاريخ يعلمنا بأن العائلة الحاكمة في الكويت اختلفت في شأن من سيكون ولي العهد يوم انتقل إلى الباري عز وجل سمو الراحل الكبير الشيخ صباح السالم الصباح، وتقليد الراحل من بعده الشيخ جابر الأحمد الصباح أميراً لدولة الكويت، الذي زكّى الشيخ سعد العبدالله الصباح لولاية العهد وتبوئه بجدارة في الثامن من فبراير/ شباط 1978. يجدر بنا الإشارة هنا إلى أن حكماء الخليج كان لهم دورهم المشكور في هذا الشأن، وخصوصاً دور المغفور له بإذن الله الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة حاكم البحرين. الكويت وبيت الحكم بالذات لم يتعود على الانقلابات العسكرية أو الانقلابات المباغتة التي تأخذ كثيراً معها على حين غرة، والصورة التي نراها اليوم للخلاف بشأن الرئاسة في البلاد لا تعدو عن كونها «انقلاباً أبيض»، ضمن القوة المحركة للعائلة الحاكمة مدعومة من قبل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، مع عدم ظهور تحرك السلطة القضائية على سطح الحوادث بعد. ومع هذا «الانقلاب الأبيض» المبارك بعدد لا يستهان به من قبل أفراد العائلة الحاكمة يبقى الكثير منهم مصرون على أن الرجل الذي يحاولون عزله عن سدة الحكم نتيجة عدم قدرته على قيادة البلاد نتيجة وضع صحي قد يستطيع الطب الحديث إيجاد علاج شاف له لو منحنا نعمة الصبر، لا يستحق ما يجري وبإمكان العائلة الحاكمة في الكويت بطرقها الحكيمة المعهودة إيجاد مخرج عائلي لهذا الوضع. يستشف المراقب الحصيف مع هذا الوضع أن «روح الممارسات الديمقراطية» التي يذكر كثير من البحاثة التاريخيين قد بدأت العام 1752، ولن تعجز هذه الروح ذات البعد التاريخي عن إيجاد صيغة مشابهة لذلك التاريخ، حين «وافق المجتمع في تلك الفترة على تنصيب آل الصباح حكاماً على الكويت عن طريق ما عرف بالإجماع والشورى»، إذ قال الشعب كلمته في شأن من «سيحكم الكويت» من دون وصاية من أحد. منذ ذلك التاريخ حتى الأمس القريب، يوم دخل الجار ابن العم والفارس المغوار أراضي الكويت بحجة دعوة الكويتيين زوراً وبهتاناً لتخليصهم من مؤسسة الحكم في الكويت، إذ وقف الشعب وقفة رجل واحد وقالوا كلمتهم التي لن ينساها التاريخ في ردهات صفحاته. الدستور الكويتي المصدق عليه في الحادي عشر من نوفمبر/ تشيرن الثاني 1962 بعد نيل الاستقلال التام في التاسع عشر من يونيو/ حزيران 1961 ليقف بكل شروطه الدستورية خلف القيادة الكويتية في بيت الحكم لتقرير مصير من سيتولى سدة الحكم في الكويت، من دون أن يدخل طرفاً في المشكلة سوى الإبقاء على رئيس الدولة «ذات مصونة»، وله سلطاته التي يتمتع بها عن طريق وزرائه ورئيس وزرائه الذي يعينه، ويبقى هو القائد العام للقوات المسلحة وله صلاحية إعلان الحرب الدفاعية وإصدار الأحكام العرفية في «أحوال الضرورة» وحقه في «إبرام المعاهدات». إن بعد النظر الذي تتمتع به العائلة الحاكمة في الكويت أشادت به كل المجالس النيابية التي جاءت نتيجة انتخابات حرة ونزيهة، وهذا المجلس لن يشذ عن هذه القاعدة المؤسسة على تاريخ مسجل ومعترف به إذ قال المجلس كلمته في هذا الخلاف، برجاء أن «توافق الأسرة الحاكمة على وحدة الصف والكلمة والمحافظة على مقتضيات المصلحة الوطنية العليا بما تستوجبه من التحلي بالحكمة وبعد النظر». وهو ما عبّر عنه رئيس المجلس جاسم الخرافي حين قال: «أؤكد لكم أن الكويت ستظل بإذن الله دولة مؤسسات وتحكمها أسرة بايعناها منذ 300 سنة، وأيضاً يحكمها دستور نستطيع أن نسير من خلاله، وأنا على يقين بإذن الله أن حكمة حكماء الأسرة ستسود، وستكون الكويت دائماً في بالهم وأهل الكويت الذين ائتمنوهم على الكويت سيكونون في بالهم، وسنصل بإذن الله إلى النتيجة المرجوة لاستقرار البلد». وطمأن إلى أن «الكويت بإذن الله» ستكون مجال اهتمام الجميع، وأهل الكويت سيكونون في بال كل من لديه القرار، والاستقرار بإذن الله سيكون هو السائد، وبلدنا بلد مؤسسات ودستور، وهذا ما سيسود، وأنا على يقين أن هؤلاء الحكماء ينظرون إلى مصلحة الكويت وأهلها... ونأمل إن شاء الله أن نسمع في القريب العاجل ما يساهم ويساعد على أن تمر هذه الأوضاع لما فيه مصلحة الكويت». * كاتب كويتي مقيم في البحرين

العدد 1237 - الثلثاء 24 يناير 2006م الموافق 24 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً