العدد 1248 - السبت 04 فبراير 2006م الموافق 05 محرم 1427هـ

الأمن المائي في مملكة البحرين

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

بدأ ظهور مصطلح الأمن المائي في العالم العربي منذ ما يقارب الثلاثة عقود عندما كثر الحديث عن مشكلات مياه الأنهار المشتركة، واعتماد بعض الدول العربية الواقعة في منطقة المصب، مثل سورية والعراق ومصر، على الإيراد المائي لهذه الأنهار في تلبية جزء كبير من متطلبات خططها الإنمائية، والتي هي بمثابة شريان الحياة والاقتصاد بها. ومع زيادة المشكلات السياسية في المنطقة العربية في ظل أجواء الاستقطابات السياسية والصراع العربي الإسرائيلي بدأ المصطلح في الظهور بتزايد في حديث السياسيين والمسئولين والباحثين وتزامناً مع طروحات أن الحروب المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط هي حروب مياه، وما يعبر عن التخوف الذي بدأ يتزايد بشأن المياه السطحية المشتركة بين الدول في ظل غياب معاهدات وقوانين تضمن حقوق وحصص المياه التاريخية للدول المتشاطئة.

وقفز هذا المصطلح إلى العناوين أكثر من مرة مع زيادة تدهور وضع المياه في هذه الدول في كميتها ونوعيتها بسبب زيادة المتطلبات والاستخدامات المائية في دول المنبع والمصب معاً، كنتيجة مباشرة لزيادة الأنشطة التنموية الاجتماعية والزراعية والاقتصادية والصناعية، وخصوصاً أن الطلب على المياه في دول المصب التي تعاني من الشحة المائية يزداد بمعدلات متصاعدة تفوق بشكل كبير معدلات زيادة العرض التي بامكانها تحقيقه لملاقاة هذا الطلب المتزايد أو سد الفجوة المائية، والمتمثل أساساً في زيادة مصادر المياه غير التقليدية من مياه محلاة ومياه معالجة.

ويتم تداول مصطلح الأمن المائي في مجالين مختلفين، الأول ذو طابع سياسي يرتبط بالمخاوف المترتبة على كون نسبة كبيرة (أكثر من 60 في المئة) من المياه العربية تأتي من دول جوار ربما تجعل أمن هذه البلاد العربية ورقة سياسية في يدها، بالإضافة إلى قضية احتلال الكيان الصهيوني للمياه العربية، وحرمان الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، من استخدام مياههم المشروعة.

أما المجال الثاني الذي يتم فيه تداول مصطلح الأمن المائي، والذي ظهر بشدة في دول مجلس التعاون، وبالذات بعد حرب تحرير الكويت في العام ،1990 فهو الأمن المائي السكاني، والمقصود به الاحتياطي أو المخزون الاستراتيجي المائي لدولة ما في حال توقف محطات التحلية عن العمل وعدم قدرتها على إنتاج المياه لتزويد السكان لأي سبب كان، كالحوادث غير المقصودة (مثل تلوث مياه الخليج بسبب انسكاب نفطي كما حصل أكثر من مرة في حرب الخليج الأولى والثانية أو لأسباب تقنية مثل حدوث انقطاع لمصدر الطاقة للمحطات)، أو الحوادث المقصودة (أعمال عسكرية أو إرهابية تخريبية لمحطات التحلية).

ويتم قياس هذا الاحتياطي بعدد الساعات أو الأيام التي يمكن فيها استمرار تزويد السكان بالاحتياجات المائية الرئيسية، أي لأغراض الشرب والنظافة (من دون الكماليات) في حال حدوث هذا الخلل في محطات التحلية، ويعتمد عدد الساعات/ الأيام على الطاقة التخزينية لمرافق المياه بالدولة، وعدد السكان، والمعدل اليومي لاستخدام الإنسان للماء تحت ظروف التقنين مع الأخذ في الاعتبار ظروف المجتمع الخليجي المناخية والاجتماعية والدينية.

وفي مملكة البحرين يصل هذا الاحتياطي الاستراتيجي حالياً إلى 36 ساعة، أي يوم ونصف اليوم، وبحسب المناقشات التي تمت مع أعضاء لجنة المرافق والبيئة بمجلس النواب، ومن ثم مناقشاتهم هذا الموضوع مع ممثلي وزارة الكهرباء والماء في أدوار الانعقاد الماضية، فلقد أبدى النواب تخوفهم من قلة عدد ساعات هذا الاحتياطي، والنظر في زيادته.

ولتناول هذا الموضوع بشكل علمي سليم، بحيث لا يتم زيادة المخزون الاستراتيجي لأيام معينة اعتباطا وبالتالي تحمل الدولة كلفة عالية لا معنى لها من جهة، ولكي لا يتم تجاهل هذا الموضوع وتحمل كلفة باهظة لاحقاً في حال حدوث طارئ ما من جهة أخرى، فإن هناك ضرورة لتحديد معطيات المشكلة والشروط الحدودية لها، وإيجاد مبررات قوية لدفع كلفة زيادة الطاقة التخزينية للمياه البلدية للمملكة، واستخدام منهجيات علمية سليمة تتضمن بناء السيناريوهات وتحليل وإدارة المخاطر وبحوث العمليات (البرمجة الخطية والديناميكية).

وبمعنى آخر: لكي يتم تحديد الاحتياطي الاستراتيجي على هيئة عدد ساعات/ أيام وتقييم ملاءمته للبحرين، فإن هناك ضرورة للإجابة على الأسئلة الآتية: ما هي حالات أو سيناريوهات الطوارئ المتوقعة التي من الممكن أن تؤدي إلى توقف محطات التحلية؟ وما هو الزمن المتوقع لتخطي كل حال وإصلاح الخلل؟ أي ما هي قدرة وجاهزية المملكة على إعادة العمل بالمحطات في كل حالة؟ ومن ثم بناء هذه السيناريوهات ومحاكاتها افتراضيا، وتحديد عدد الساعات المطلوبة للاحتياطي المائي في المملكة لمواجهة كل حالة من هذه الحالات الطارئة المفترضة، ومقارنة عدد الساعات الناتجة عن هذه الحالات بالساعات الحالية وتقييم مناسبته لها.

وإذا ما وجد أن الاحتياطي الاستراتيجي المحلي الحالي كافٍ لمواجهة الحالات الطارئة المطروحة فإن هذا الهاجس يمكن تجاوزه في الوقت الحالي مؤقتاً، والنظر إلى الوضع المستقبلي لزيادة السكان المتوقعة، لنقل في السنوات العشر المقبلة، وتحديد الاحتياجات المستقبلية المطلوبة للاحتياطي الاستراتيجي للمملكة. أما إذا كان الوضع الحالي للاحتياطي الاستراتيجي غير كاف، فإنه يمكن النظر إلى زيادة الطاقة التخزينية إلى عدد ساعات يتناسب والحالات الطارئة الأكبر.

ويمكن تحقيق ذلك، أي زيادة الطاقة التخزينية للمياه البلدية، عن طريق بناء خزانات إضافية أرضية أو تحت أرضية، تتناسب أحجامها مع عدد الساعات الاحتياطية المطلوبة، وطبعاً فإن الكلفة المالية ستتناسب طردياً مع زيادة الطاقة التخزينية وطبيعة ونوع التخزين، ويمكن حسابها بشكل مباشر وغير معقد من البيانات المتاحة بوزارة الكهرباء والماء.

ولكن يعتقد أنه يجب أن يتم التعامل مع موضوع الاحتياطي الاستراتيجي لمملكة البحرين بشكل أكثر شمولية وأكثر تكاملاً بحيث يأخذ في الاعتبار كل الموارد المائية المتاحة بالمملكة (من مياه جوفية ومياه صرف صحي معالجة)، وباتباع المنهجية المذكورة أعلاه يتم إدماج هذه المصادر كخيارات إضافية إلى زيادة الطاقة التخزينية، ومقارنة كلفة زيادة هذه الطاقة بكلفة البدائل الأخرى.

ومبدئياً قد يكون أحد البدائل الواضحة الآن لزيادة القدرة التخزينية هو إدماج المياه الجوفية في المعادلة واعتبارها جزءاً من المخزون الاحتياطي للمملكة، وهذا متبع في بعض دول المجلس (الكويت والسعودية)، إذ تمثل هذه المياه مصدراً كبيراً للمياه (خزانات أرضية طبيعية) ويمكن استخراجها عن طريق الآبار وإيصالها بالشبكة البلدية من مناطق جغرافية واسعة وليست محصورة في منطقة معينة كمحطات التحلية المعرضة للتخريب. وبالإضافة إلى ميزة هذا البديل من حيث طاقته العالية في سد حاجة المجتمع البحريني لفترات لا تحسب بالساعات بل بالأشهر، فإنه يمثل أقل الخيارات كلفة.

وإذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن الإيراد المائي الجوفي هو حوالي 100 مليون متر مكعب في السنة، وأن القطاع البلدي في مملكة البحرين يستهلك حالياً نحو 12 مليون متر مكعب في الشهر، فإنه يمكن استخدام المياه الجوفية لسد احتياجات القطاع المنزلي لمدة لا تقل عن 8 أشهر، ويتطلب ذلك وقف السحب من الخزان المائي للأغراض الأخرى. وهذا ممكن بافتراض أن ملوحة الخزان الجوفي قابلة للاستخدام البشري تحت ظروف الطوارئ، ولكن، وكما هو معروف، فإن المياه الجوفية مستنزفة حالياً ولا يمكن استخدامها في كثير من مواقع البحرين للاستخدام الآدمي المباشر بسبب ارتفاع ملوحتها.

ولذلك فإن إمكان استخدام المياه الجوفية كمخزون استراتيجي في حالات الطوارئ في المملكة يعتمد على إدارتها إدارة سليمة تحميها من النضوب والتملح وتكفل تحسين حالتها نوعياً وكمياً في مناطق التجمعات السكانية في البحرين لإرجاع جاهزيتها لحالات الطوارئ، أي أن حسن إدارة الموارد المائية الجوفية المتاحة وحمايتها من الاستنزاف قد يكون أهم أوجه الحل لتحقيق الأمن المائي في مملكة البحرين

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1248 - السبت 04 فبراير 2006م الموافق 05 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً