العدد 1263 - الأحد 19 فبراير 2006م الموافق 20 محرم 1427هـ

8640 ساعة اعتقال = كل ساعة تجمهر!

أحكام المطار...

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

لا يمكن بتاتاً إقصاء الفرضية السياسية عن الأحكام الصادرة ببعض «معتقلي المطار» الذين تجمهروا ساعتين وحكموا سنتين، بمعنى 8640 ساعة اعتقال في قبال كل ساعة تجمهر!

ما لمسناه من هذه الأحكام يمكن تفسيره بأنه رسالة سياسية حكومية آتية عبر بوابة القضاء هذه المرة، وهذه الرسالة تعني بعض التيارات السياسية في الساحة، وخصوصا المعارضة منها.

الدولة من خلال هذه الأحكام أرادت أن تؤسس لواقع سياسي جديد غير الذي كانت عليه خلال السنوات الماضية، الدولة تريد أن تقول للجميع ان زمن العفو والغفران عن الهفوات السياسية قد انتهى أو هو قاب قوسين من ذلك. لا اشك في ان شريحة واسعة من الناس في البحرين لم يعجبهم سلوك بعض المتجمهرين في المطار لأسباب شتى، ولكن ذلك لا يعني الاعتراف بأن الأحكام الصادرة تناسب حق التعبير السلمي وحركة الاحتجاج التي لا تجنح إلى العنف، لأنه (التعبير) هو حق إنساني ودستوري أصيل لا يمكن لأحد المساومة عليه. والتقارير المحلية والدولية أخذت على البحرين تراجعا في مستوى الحريات العامة خلال العام الماضي.

حركة الانشقاق التي ولدت من رحم المعارضة التقليدية لها وجوه مختلفة، وأبرزها عدم وجود ضابط لتنظيم وترويض السلوك السياسي، ولا اقصد من ذلك ان الجمعيات السياسية لها تقاليدها المتمرسة في النقد والأداء، وإنما الطبيعة التنظيمية المؤسسية تقتضي بالضرورة وجود اتفاق جمعي على أساليب عمل مشتركة، وهذا ما تفتقر إليه الحالة الجماهيرية العامة.

الدولة وجدت في قضية المطار فرصة قد لا تتكرر للانقضاض على الفلول الشبابية (المزعجة) لها التي تشارك في المسيرات والاعتصامات المختلفة، فأحكام المطار سبقتها ارتدادات سياسية واضحة للعيان. ولنا أن نقرأ في حيثيات هذا الحكم، بأن الهيكلية السياسية للبحرين الجديدة القائمة على فصل السلطات الثلاث لم تُفعل بشكل حقيقي، فرائحة «الإيماءات السياسية» تفوح من هذه الأحكام، وهنالك أمثلة كثيرة تعزز هذه الحقيقة يوماً بعد آخر. فالقضاء في البحرين لا يتمتع باستقلالية كافية تؤهله لقول كلمة الفصل بين تنازع أي من شرائح المجتمع مع الدولة، وهذا ليس انتقاصا من القدرات الكبيرة التي يتمتع بها القضاة البحرينيون بقدر ما يدعونا للتفكير في مزيد من التفعيل لمبدأ الفصل بين السلطات.

ربما كان على الدولة أيضاً أن تقدم بموازاة هذه الأحكام المشددة على خطوة حضارية تحتسب للمشروع الإصلاحي من خلال الإقرار بأهمية إعادة تأهيل بعض الأجهزة الأمنية وإدخالها في «كورسات مكثفة» لتعليمها «إتكيت» الحوار مع المواطن في المطار وغير المطار. كلا الطرفين - الحكومة والمنشقين عن الحراك السياسي المؤسسي - سيبذلان كل ما أوتيا من قوة خلال الأسابيع المقبلة لخلط الأوراق على المقاطعة التي أعدت العدة للبرلمان المقبل، فالفطنة والوعي يتطلبان من الجمعيات المقاطعة رشداً سياسياً عميقاً للتمييز بين الخيط الأبيض والخيط الأسود لكيلا تجد جماهير هذه الجمعيات الكبيرة نفسها محشورة أمام قرار سياسي متهور وهو «المقاطعة» المبنية على افرازات الفوضى السياسية اليومية.

البرلمان لا يمتلك الجرأة الحقيقية لرفض المعادلة السياسية المتلبسة بغطاء قانوني، وأعضاء الشورى قد لا يمتلكون «الضوء الأخضر» للمشاركة بدور ايجابي في نزع فتيل التوترات السياسية التي نشهدها بين الحين والآخر، وبعض المؤسسات تعيش في واد غير الذي نعيش فيه.

على كل حال، كلنا مدعوون للاستفادة من هذه التجربة في ترشيد الممارسة السياسية من جانب من خلال «المطالبة السلمية»، وتعزيز حق التعبير الذي نعده مكسباً مهماً لن نقبل التفريط به من جانب آخر، ومن دون هذه التوأمة لن نصل إلى أي موطئ سياسي واجتماعي ننشده!

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 1263 - الأحد 19 فبراير 2006م الموافق 20 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً