العدد 1295 - الخميس 23 مارس 2006م الموافق 22 صفر 1427هـ

قلم الفتنة في موقفه الأخير من قانون أحكام الأسرة

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

لم أنس كيف كان يتحرك قلم الفتنة بيد إحدى الكاتبات، إبان انتفاضة التسعينات، حين كانت ضمن فرقة المصفقين والمتراقصين على آلام وتأوهات الضحايا في تلك الأيام السوداء. مقالاتها كانت مفعمة بالتحريض على مزيد من الصرامة والعنف تجاه أبناء الانتفاضة، باعتبار أن ذلك سيعجل في إطفاء ثائرتها. وهو العنف الذي حصد الشهداء والجرحى الذين مازالت مشكلاتهم جروحاً غائرة في جسد هذا الوطن تحتاج إلى علاج ومداواة وتطبيب. ومع أن آثار صدمة التحليل المتحذلق الذي ساقته في نقاط عن لافتة «التوعية»، نهاية عاشوراء، مازالت طرية حين ادعت ان توقيت تلك المقولة المكتوبة على اللافتة لها أكثر من بعد ومغزى، عندما تصدر في هذا التوقيت بالذات، ثم اتضح أن «هذا التوقيت بالذات» كان قد مر عليه عامان!

وكما كان في التسعينات، تلجأ هذه الأقلام حالياً إلى تحريض الحكومة على المضي في فرض قانون الأحكام الأسرية قسراً، وبالطريقة والكيفية التي تشتهيها، ومن أجل تحقيق هدفها لا تتردد تلك الكاتبة من التوسل بشتى الأساليب، بما فيها سوق الأكاذيب من دون تردد أو حياء، والإكثار من الافتراءات التي أغرقت بها نقاطها الست في مقال أخير. بل إنها قفزت إلى نتيجة تقول إن «موقف المجلس من قانون الأحكام الأسرية حالة نموذجية لتوظيف الدين خدمة للسياسة»، مع العلم أن الموقف من هذا القانون لا ينفرد به المجلس الإسلامي العلمائي، فكل التيارات الشيعية وعدد من علماء السنة أيضا يتبنون الرأي نفسه.

أول الأكاذيب، ادعاء الكاتبة أن ما يطلبه المجلس الإسلامي العلمائي من ضمانات غير موجود وفي الدول الإسلامية، بما فيها القانون الإيراني. وهذه النقطة تشكل أول الوهن في نقاطها الست التي أوردتها في مقالها، فالدستور الإيراني يختلف عن الدستور البحريني في نظرته للشريعة الإسلامية، فالأول يجعل الشريعة مصدراً وحيداً للتشريع، أما الثاني فلا يرتقي حتى لمستوى جعل الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع حين حذف «الـ» التعريف، واكتفى بالقول في المادة 2 منه: «الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع»، ما يعني وجود مصادر أخرى إلى جانب هذا المصدر، ولهذا فإن الكثير من القوانين المدنية مخالف للشريعة.

مجلس الشورى الإيراني حاله حال المجالس النيابية الأخرى، فهو ليس مجلساً متخصصاً في علوم الشريعة، لهذا تم إنشاء مجلس صيانة الدستور المتكون من 12 عضواً، ستة من علماء الدين يعينهم مرشد الجمهورية، وستة من الحقوقيين يتم تعيينهم عن طريق مجلس الشورى (البرلمان)، ومن مهماته إمضاء أو رفض القوانين التي يضعها البرلمان إذا لم توافق الشريعة الإسلامية.

المادة «39» في الدستور العراقي الجديد وهذا نصها: «العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية بحسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون». هذا مع العلم ان المادة «2» من الدستور نفسه تنص على مضمون المادة «2» نفسها من دستور المملكة من ان الإسلام دين الدولة والشريعة مصدر رئيسي للتشريع.

وأهم ما جاء في النقطة الثانية والثالثة من مقال الكاتبة، يتلخص في تبجحها وهي تقول إن «المجلس العلمائي» لم ينجح في إبراز مادة واحدة مخالفة للشرع في القانون المعروض على مجلس النواب، وإن من وضعه علماء وفقهاء من الطائفة الجعفرية، وهذا الكلام رد عليه العلماء «مضموناً» حين قال الشيخ عيسى قاسم: «أعطني الضمانات ثم قدم لي قانوناً شرعياً مصاغاً في أميركا أو روسيا، ليس مهماً ذلك، المهم ضمان إسلامية القانون ابتداء واستمرارا».

ولا تتردد الكاتبة في تعاطي الكذب كأسلوب لإقناع القارئ فقط وتزييف وعيه حين تداعي بأن النص في الدستور على أن دين الدولة الإسلام يعد من أقوى الضمانات لحماية قانون الأسرة من الانحراف عن الشرع، زاعمة أن الدول التي انحرف فيها القانون عن الشريعة، لا يوجد في دساتيرها ما يؤكد أن دين الدولة الإسلام، وهذا محض افتراء تدركه الكاتبة تماما. ومن أجل الاختصار فقط، أسوق استشهاداً واحداً فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية التونسي المعروف باحتوائه على الكثير من المخالفات للشريعة الإسلامية، مع ذلك ينص في الفصل الأول على أن دين الدولة هو الإسلام، فيقول نصاً: «تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها».

التعديل «برمته»!

من أجل تحقيق ما ترمي إليه، لا بأس عندها بالتغابي والتعامي عن بعض الخصوصيات المتعلقة بدستور البحرين كما في النقطة الخامسة والسادسة، ومن جهة أخرى يدلل ما أوردته أيضا على تعمدها تشويه حقيقة مطالبات العلماء والتأليب عليهم، حين زعمت أنهم يطالبون بقانون لا تمسه يد التغيير مستقبلا وهذا مخالف للاجتهاد، مع عدم إمكان وجود قانون غير قابل للتعديل بما فيه الدستور برمته «لاحظوا كلمة برمته» - كما تقول، والنقطتان التاليتان توضحان مدى هذه التخبطات:

بغض النظر عن رأينا، فإن الكثير من مواد دستور البحرين تسمى مواد جامدة، ومنها المادة 2 التي ورد فيها، أن الإسلام دين الدولة، ومواد أخرى تتعلق بوراثية الحكم وكذلك نظام المجلسين، كلها مواد لا يجوز طلب التعديل عليها بأي حال من الأحوال كما تنص المادة 120 من دستور 2002، إذاً من أين للكاتبة كلمة «برمته»؟!

العلماء لم يطالبوا بضمانة عدم تغيير مواد القانون، ففي القانون مواد تتحرك في مساحة الاجتهاد، وهذه قابلة للتعديل مستقبلا وفق متطلبات الحياة المتغيرة، ولكن العلماء يطالبون بضمان حصول أي تعديل في إطار الشريعة الإسلامية، وهناك فرق شاسع بين الأمرين، بين ما ادعته الكاتبة وألصقته زورا وبهتانا بـ «المجلس العلمائي»، بطلب عدم مساس مواد القانون بالتعديل، وبين طلب المجلس بضمانة دستورية تنص صراحة على أن أي تعديل مستقبلي يتم في إطار الشريعة وبإمضاء المرجعية العليا للشيعة فيما يتعلق بالقانون الخاص بالمذهب الجعفري.

إن تاريخ هذه الأقلام غير المشرف، ودورها السابق يحتم على من بيدهم الأمر الحذر حتى لا تتكرر التجربة السابقة بوجوه أخرى، وتحت حجج جديدة تقود إلى نتيجة واحدة، تتشابه مع ما حدث في تسعينات القرن الماضي، وما ورد من أكاذيب في المقال المذكور دليل على أن وراء الأكمة ما وراءها

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1295 - الخميس 23 مارس 2006م الموافق 22 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً