العدد 1312 - الأحد 09 أبريل 2006م الموافق 10 ربيع الاول 1427هـ

سورية تغير شبكة علاقاتها الدولية!

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

المتابع للسياسة السورية وحركة كبار المسئولين السوريين وزوار دمشق، يلاحظ أن دمشق تتجه إلى احداث تغييرات في شبكة علاقاتها الدولية، وهي الشبكة التي كانت قائمة بصورة اساسية على علاقة دمشق مع الشمال والغرب، إذ في الشمال الاتحاد السوفياتي السابق والذي ورثته روسيا وجمهوريات الاتحاد الروسي، وامتداداً إلى أوروبا بشرقها وغربها، وكلها تقع إلى الشمال والغرب من سورية، ثم الولايات المتحدة، التي وان لم تكن لها علاقات اقتصادية مهمة مع سورية، فان حضورها في علاقات سورية الخارجية وسياساتها كان كبيراً في كل الاوقات السابقة. ومنذ سنوات بدأت دمشق في اجراء تغييرات جوهرية في هذه الشبكة من العلاقات الدولية. إذ اتجهت بصورة اساسية إلى الشرق، ففتحت ابواباً على علاقات جديدة من بينها علاقة مع ماليزيا وتايلند، وأعادت تحريك علاقاتها مع بلدان مثل الصين والهند وتركيا، وطورت علاقاتها التقليدية مع إيران، وتتردد انباء في الاوساط الرسمية السورية، تشير إلى مساع سورية نحو فتح ابواب لسورية باتجاه دول القارة الافريقية بما فيها دول عربية، كانت علاقات سورية معها محدودة في السابق.

جوهر التغيير في شبكة علاقات دمشق الدولية، يستند إلى التطورات السلبية التي اصابت علاقات دمشق مع الدول الغربية وخصوصاً بلدان غرب أوروبا والولايات المتحدة نتيجة تصادمات في السياسة بشأن قضايا الشرق الأوسط وبينها الأوضاع في العراق ولبنان وفلسطين، وامتدت تلك التصادمات لتلامس في بعض الاحيان السياسة السورية الداخلية، وكان الأبرز في تجليات التصادم السياسي بين دمشق والدول الغربية، عدم التوقيع على اتفاق الشراكة الاوروبية مع دمشق، وقيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات على سورية، والتهديد باتخاذ المزيد، اضافة إلى اتخاذ عدد من القرارات في مجلس الأمن، اتصلت بصورة اساسية بالوضع في لبنان، لتشكل بعضاً من حلقات الضغط على سورية، وقد تتبعها حلقات تالية وفقاً لتصريحات غربية كثيرة.

وشملت ميادين التغيير السوري كل شيء ممكن من السياسة إلى المبادلات التجارية ومعهما التعاون في ميادين الصناعة والزراعة والاستثمارات وصولاً إلى التعاون في ميدان الخبرات. ذلك ان السوريين الذين لم يتح لهم تطوير علاقات سياسية اقتصادية مع اوروبا نتيجة عدم تطبيق اتفاق الشراكة السورية - الاوروبية بسبب ممانعة بعض الدول الاوروبية، يسعون إلى بدائل من خلال تطوير العلاقات مع الدول الآسيوية وخصوصاً مع تركيا وإيران، ومن الواضح ان مستويات العلاقة مع الاخيرة، صارت أعلى من أي مستويات سابقة، وهناك خط جديد فتحته دمشق على علاقات اقتصادية مع تترستان التي زار رئيسها دمشق أخيراً، وهناك خطوط لعلاقات جرى تعزيزها مع الهند والصين، وقد اصبحت الاخيرة بين اهم شركاء سورية التجاريين، وهي شراكة تجد لها تعبيرات سياسية من خلال وجود الاخيرة عضو دائم في مجلس الأمن الدولي.

واضافة إلى الشراكة التي تعقدها سورية مع ماليزيا من الناحية الاقتصادية، توجهت سورية إلى الاخيرة للاستعانة بخبرتها في مجال الاصلاح وهو توجه بدأ قبل سنوات، لكنه الآن يكاد يكون البديل للخبرة الفرنسية في مجال الاصلاحات السورية المطلوبة والذي توقف في ضوء تدهور العلاقات السورية - الفرنسية في العامين الاخيرين.

غير ان التوجه السوري نحو تغيير شبكة العلاقات الدولية، ليس شاملاً ولا نهائياً، لان امراً كهذا يرتبط ليس فقط باعتبارات سياسية، بل باعتبارات استراتيجية بما فيها الاعتبارات التقنية والفنية، وكلها تجعل من التغييرات السورية «محدودة» من جهة، و«مؤقتة» من جهة اخرى، أو بلغة ثانية شبكة غير نهائية. فكثير من الدول التي تتجه علاقات دمشق نحوها محدودة القدرات سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً، بمعنى انها لن تقدم الكثير لدمشق، اضافة إلى ان ثمة احتياجات سورية لا تتوافر لدى دول الشبكة الجديدة، وأكثر من ذلك، فإن سورية وغيرها من دول تماثلها في العالم، لا يمكن ان تعيش منعزلة عن كتلة مهمة وفاعلة في الحياة الدولية، تمثلها اوروبا والولايات المتحدة، خصوصاً وان أياً من دول العالم المعاصر، لا يمكن ان تستمر في معاداة ومعارضة الكتلة الغربية بما لها من موقع وتأثير في السياسة الدولية ومؤسساتها.

ان سورية وهي تتوجه نحو شبكة علاقاتها الدولية الراهنة، لاتزال تتطلع للحفاظ على ما امكن من شبكة علاقاتها التقليدية مع الشمال والغرب، والمثال المهم في هذا السعي إلى الحفاظ على علاقات متعددة مع روسيا وجمهوريات الاتحاد الروسي، وكذلك في المساعي الدؤوبة من اجل فتح بوابات الحوار ليس مع غرب اوروبا فقط، وانما ايضاً مع الولايات المتحدة، وهذا يعني ان شبكة علاقات سورية التي تمتد شرقاً وجنوباً، لا يمكن ان تكون بديلاً للشبكة التي تمتد نحو الشمال والجنوب الا بصورة جزئية ومؤقتة، ليس إلا

العدد 1312 - الأحد 09 أبريل 2006م الموافق 10 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً